التربية الدينية ودورها في تنمية القيم الأخلاقية

إذا كنا قد تحدثنا بأن الأسرة هي المحطة الأولى التي لها دور مهم في تنشئة الطفل ونموه وبناء مهاراته، وبأن البيئة التعليمية هي المحطة الثانية التي تلعب دوراً هاماً في تكوين شخصية الطفل وتزويده بالعادات السلوكية الحسنة، فإن المحطة الثالثة التي لها دور مؤثر ومهم في تنشئة الطفل هي التربية الدينية، سواء كان ذلك من خلال التنشئة الأسرية، أو من خلال المؤسسات التربوية، كون التربية الدينية عامل مؤثر بشكل كبير في استقامة الطفل الأخلاقية والسلوكية. فسنوات التنشئة الأولى تعد فترة حيوية لبناء ضميره الديني والأخلاقي على أسس سليمة، من خلال غرس القيم الدينية والأخلاقية التي تدعو وتحث على الالتزام بمكارم الأخلاق، وآداب السلوك، وتنمية الوازع الديني، والحث على عدم ارتكاب الموبقات، والبعد عن ممارسة السلوك السيء من الأخلاق.

إن الطفل يولد وهو مزود بدوافع فطرية يمكن الاستفادة منها في تنمية شعوره الديني بالشكل السليم. والتعاليم الدينية تؤكد على تعليم الطفل أحكام وأخلاق الدين بشكل مبكر. ففي مرحلة الطفولة يكون عنده الاستعداد والقابلية لتلقي وتقبُل المفاهيم والفضائل والقيم الدينية بالشكل المناسب والسهل. لذلك فإن من واجب الآباء غرس القيم النبيلة والأخلاق الحسنة في شخصية الأبناء، وتعليمهم أمور دينهم بطرق سهلة وبسيطة حتى يستطيعوا إدراكها وهم في أعمار مبكرة وقبل سن البلوغ، وذلك من أجل أن تتهذب نفوسهم، وتُبنى شخصياتهم بطريقة صحيحة.

لذلك من حق الطفل على والديه التربية الحسنة على أفضل الأخلاق، وتعليمه آداب السلوك والتصرف. فالأجواء الدينيّة والمعنويّة التي يعيش فيها الأطفال والأحداث لها تأثيرها الكبير في غرس النواة الأولى للتوجّهات الإيمانيّة في نفوسهم، وتهيئ لهم الأرضية اللازمة للتربية الدينيّة والأخلاقيّة التي توجههم إلى اتباع طريق الخير، وتحثهم على الإقبال نحو الأفعال الخيرة، وتحذرهم من الأفعال الشريرة، وتذكرهم بعواقب السلوك والأفعال السيئة.

ومن المهم التأكيد على أن تنمية السلوك الناجح وتعزيزه عند الطفل يتم بتعليمه وإرشاده إلى الطريق الصحيح بأساليب الرحمة والود والمحبة، بعيداً عن إتِّباع أساليب الإجبار والإكراه والقسوة في التعامل، والتي دائماً ما تكون عواقبها سلبية في حياة الطفل. فالتعاليم الدينية تحث على التعامل مع الأبناء بالرحمة والترغيب والجذب، وليس بالإكراه والترهيب والتجريح والسخرية والضرب والشتم، وإرشادهم إلى الطريق الصحيح بالطرق اللينة، كي تصبح القيم الفاضلة مرغوبه ومحبوبة في نفوسهم، وتتحول إلى جزء أصيل من شخصيتهم، ويتعودوا على ممارستها وتطبيقها بشكل عملي مع مرور الزمن.

أما بخصوص دور المؤسسات التربوية في هذا السياق فإن من واجبها الالتزام ليس فقط بواجبات المهنة التعليمية، وإنما عليها أيضاً الالتزام بنشر القيم التربوية والأخلاقية الرفيعة وتربية الطلبة عليها، فالمدرسة كمؤسسة تربوية مسؤولة بعد الأسرة في تربية الطالب التربية الدينية السليمة، وألا يقتصر دورها فقط على التلقين، بل من واجبها غرس القيم الدينية والأخلاقية التي تدعو وتحث على الالتزام بمكارم الأخلاق، وآداب السلوك، وتنمي في الطلبة الوازع الديني السليم.

لذلك فالتربية الدينية ليست مجرد مادة تعليمية نظرية يتلقاها الطالب ومن ثم الاختبار فيها، بل هي مادة لها أثرها التربوي والاجتماعي العميق والبعيد المدى. فبالإضافة إلى تنمية الوازع الديني، هي أيضاً تساهم في بناء الطالب وتكوين شخصيته، والارتقاء بأخلاقه، ووضعه على الطريق المستقيم من خلال غرس القيم الحميدة في نفسه، وتنميتها إلى أن تصير جزءاً أصيلاً من تكوينه، ولكي تصبح له كالمعيار الذي يزن بها الأمور ويقيمها، ومن ثم الحكم عليها بوعي وضمير.

إن الدعوة إلى غرس القيم الفاضلة والأخلاق الحسنة في شخصية الأبناء، وتهذيب أخلاقهم بقيم المحبة والسلام والمودة والرحمة والتراحم والتعاون، يتطلب تحسين البيئة المحيطة التي ينشأ فيها الأبناء والمؤثرة في سلوكهم وأخلاقهم، من أجل خلق جيل متديّن ملتزم بتعاليم الإسلام وفضائله، ومستقيماً في سلوكه وأخلاقه، ومحصناً ضد كل أشكال الانحرافات والعادات السيئة القبيحة، ويكون قادراً على مواجهة أفكار وسلوكيات الغلو والتشدد والتطرف.

فكما يجب أن يتعلم الطفل الشعائر الدينة كالصلاة والصيام والزكاة والحج، فإن من الواجب أيضاً أن يتعلم القيم الدينية، ومكارم الأخلاق، كالصدق والأمانة والمحبة والسلام والمودة والرحمة والتراحم والتعاون واحترام الآخرين، وأن يتعوّد على هذه العادات الحسنة وإتباعها، كي تكون جزءاً أصيلاً من مكوّنات شخصيته، فالعادات والطباع والميول الخيرة حين تكبر مع الطفل تصبح جزءاً من شخصيته، وتهيئه ليكون شخصية ناجحة وإيجابية ومفيدة.

إن بناء المجتمع الصالح المرتكز على المبادئ الإنسانية، والقيم الصالحة، يتطلب الحرص على تربية الطفل بطريقة صحيحة، والاهتمام ببناء شخصيّته فكريّاً ونفسيّاً وسلوكيّاً بالشكل السليم منذ ولادته، وتعويده على الالتزام بالقيم والأخلاق والمبادئ في عمر مبكر، فمستقبل أي مجتمع وتطوره يتوقّف على سلامة عمليّة التربية التي يتلقاها الأبناء، وهو الأمر الذي يدعو الجميع إلى الاهتمام بالعملية التربوية، وبدل ما يلزم من عمل وجهد كي يُعدّ الطفل إعداداً سليماً، ليكون فردا صالحاً، وعضواً نافعاً، وليكون دوره بنّاءً وفعّالاً في الرقي بالمجتمع الذي ينتمي إليه.