الناشئة ومحاكاة الوسائل الإعلامية

في إطار حديثنا عن القدوة وأثرها في حياة الأبناء والناشئة يمكن الإشارة إلى أن هناك قدوات حسنة صالحة يمكن أن تؤثر فيمن حولها، كما أن هناك على الطرف الآخر أيضاً قدوات سيئة وشريرة يمكن أن تؤثر في محيطها، وتتسبب في تدمير الإنسان وضياعه، وتؤدي إلى نخر المجتمع من الداخل وهدمه وتفكيكه، وهو الأمر الذي أصبح من اللازم الانتباه لخطورته، والعمل على خلق البيئة المناسبة التي تساعد على اختيار القدوة الصالحة، والابتعاد عن أي قدوة سيئة ومنحرفة.

وفي هذا السياق يرى البعض أن الوسائل الإعلامية المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، والتي أصبحت بين أيدي الأجيال الناشئة حيثما كانوا، تحولت إلى أبرز الوسائل التي من شأنها التأثير في تشكيل ثقافة الأبناء وسلوكهم، وتهذيب لغتهم وألفاظهم. كما يعدونها اليوم بأنها من القدوات السيئة حين يساء استخدامها، مُحمِّلين مسؤولية ضبط محتواها ومضمونها على عاتق مُلّاكها والعاملين فيها، كي لا تنحرف عن مجموعة القيم والمبادئ والأفكار التي قامت على أساسها. إذ أصبحت هذه الوسائل تؤثر بشكل أساسي في صنع ثقافة المجتمعات، وتنشئة الأفراد، وفي تكوين الشخصية القويمة.

ففي زمن التقنيات الحديثة والعولمة والانترنت والفضائيات، أصبح لوسائل الإعلام والعاملين فيها، فضلاً عن وسائط التواصل الاجتماعي ومستخدميها، تأثيراً واسعاً وكبيراً في تشكيل ثقافة الأجيال الطالعة. لذلك فإن القدوة الصالحة التي نُشير إليها في هذه المقاربة ليسوا هم فقط الآباء والمربين والمعلمين، بل هم أيضاً كل هؤلاء الذين يعملون في الوسائل الإعلامية، وفي الشأن العام، والذين يظهرون على شاشات التلفزيونات، وعبر وسائط التواصل المختلفة.

ولئن كانت هناك قدوات حسنه تظهر على البرامج الإعلامية المختلفة، إلا أن الصراحة تقتضي القول بأنه يوجد كذلك قدوات سيئة ومنحرفة أخلاقياً وسلوكياً تظهر على مثل هذه البرامج، وتمارس اللغو والشتيمة، وتتلفظ بالكلمات البذيئة. حيث يستغل البعض منهم قدراته اللغوية في مصادرة حريات الآخرين وإقصائهم دون وجه حق.

إن كل ما يقوله هؤلاء ويتلفظون به له تأثيره وأثره، الإيجابي أو السلبي، على المشاهدين والمستمعين والمتلقين، من الذين يؤيدونهم أو الذين يعارضونهم. حيث أصبح من الضروري أن يتحلى كل هؤلاء بقيم التسامح، وتعزيز فكرة الحوار مع المختلف، والتعايش معه من دون إقصاء أو تهميش، ونبذ الخطابات العنفية والمتطرفة التي تعمق الخلافات وتفرق الناس، وتقود إلى المجهول.

وفي موازاة هذا الاعتبار على هؤلاء أيضاً الالتزام بمبادئ النقد البناء، وتقبل الانتقادات الموجة إليهم وتحملها، والرد عليها بشكل منطقي وعقلاني، بعيداً عن رفع الصوت والمشاجرات وأساليب الشتيمة والتعنيف والتشويه، لأن ذلك يساهم في زيادة الفرقة والعداوة بين الناس، ويزيد موجات الحقد والشحناء والبغضاء في النفوس. كما ينبغي لهم التفطن إلى أن الناشئة كما لديها الرغبة في تقليد ومحاكاة ما يشاهدونه ويسمعونه في الأفلام والألعاب، لديها الرغبة أيضاً في تقليد ومحاكات ما يشاهدونه في مثل هكذا حوارات صاخبة ومتشنجة، ويسعون إلى تقمص أساليب شخصياتها.

خلاصة القول كيف يمكن للأجيال الناشئة أن تتعلم ثقافة الحوار والتعدد، وقبول الرأي الأخر واحترامه، وهم يشاهدون العاملين في الإعلام، أو الشأن العام، وكل من يفترض أنه في موقع القدوة والنموذج، يبالغون في الخصومة ويتشاتمون، وكل واحد منهم يعمل على تشوه صورة الآخر، ومصادر حريته، والسعي إلى إقصائه وتدميره؟