قوة التدمير لدوائر الأولمبياد


كثيرا منا –إن لم يكن كلنا- يعرف شعار الألعاب الاولمبية الذي هو عبارة عن 5 دوائر، كل دائرة ترتبط بالدائرة التي تليها وتتداخل معها قليلاً ابتداءً من الدائرة الأولى مروراً بثلاث دوائر إلى الدائرة الخامسة.

وسنستخدم هذه الدوائر ونضع فرضيات عليها حتى نصل إلى الفكرة التي يطرحها هذا المقال.

فلنفترض أن الدوائر الخمس هذه تمثل مجتمعات مختلفة ومتغايرة فيما بينها بعاداتها وتقاليدها وأفكارها ومبادئها واعتقاداتها.

ولتكن الدائرة الأولى أي المجتمع الأول في أقصى اليمين- بأفراده جميعاً- مجتمع محافظ، ومتمسك بدينه وقيمه وأخلاقه كل التمسك بل عاض عليه بنواجذه، والدائرة الأخيرة على عكس الدائرة الأولى تماماً أي أن الأخلاق والمبادئ لا قيمة لها تذكر .

فإذا ما ابتعدت عن هذه الدائرة إلى حدود الدائرة الثانية قل التمسك و بالتالي قل التأثير، ولكنك على حدود هذه الدائرة (المجتمع) ستجد أن الدائرة الثانية متأثرة أيضاً بالدائرة الأولى ولكنها أقل محافظة منها، وهكذا الدائرة الثانية أكثر محافظة من الدائرة الثالثة، ثم تقل هذه المحافظة إلى إن تنعدم في الدائرة الأخيرة، بل انك إذا ما حَدّثت أفراد المجتمع الأول عن أفراد المجتمع الأخير وما يجري فيه وما هم عليه لا يصدقون ذلك والعكس صحيح،لأن مجتمعهم يفرض عليهم – بطبيعة الحال –ذلك ، فلا تقبله عقولهم.

وهكذا العكس لو حدثت أفراد المجتمع الأخير في الدائرة الخامسة عن المجتمع المحافظ فإنك تتحدث عن سراب لا يعني لهم شيئا فلا يصدقوه.

ويمكن أن نضع أي قضية من قضايانا التي لا نتفق فيها، وكم هي القضايا التي نتفق فيها حتى لا نختلف، فالمختلف فيها مؤهل لأن يكون ضمن هذه الدوائر.

دعنا الآن بعد هذه المقدمة نتحكم في هذه الدوائر ونأخذ المجتمع الأول للثاني ونجعله يتعرف على ما يدور فيه و يندمج معه تدريجيا، ثم إلى المجتمع الثالث وهكذا حتى نصل به إلى المجتمع الأخير، سنجد في النهاية أن المجتمع الأول تقبّل المجتمع الأخير تدريجيا بما فيه، لأنه اتصل بالمجتمع الثاني والثالث فالرابع إلى أن وصل إلى هذا المجتمع حاملاً معه أفكاره وبجانبها أربع ثقافات لمجتمعات متغايرة فد لا تربط بعضها أي روابط.

 إننا بهذه الطريقة سدَدْنا حروباً كانت لتندلع ودماء كادت تسيل لو أخذناهما لبعضهما البعض مباشرة بدون أية مقدمات، ناهيك عن اختلافهما وكراهيتهما وتصغيرهما لبعضهما البعض وبالتالي تفككهما.

وخذ مثلاً -لا حصرا - كثرة الفتاوى وكيف أن تطبيقها لا يقتصر إلا على بيت المفتي ودون أهله في بعض الأحيان، حيث أن المفتي كان ينبغي عليه أن يكون مطّلعا على المجتمعات الخمسة ومتفهم لما يدور فيها، وحينها ستتقبل المجتمعات هذه الفتوى أو على الأقل لن تتصدى لمعارضتها. أما نسج الفتوى بخيوط البيئة التي يعيشها المفتي فقط وفقط لا تنتج إلا نسيج لا يمكن لأحد يعيش دون إطار تلك البيئة أن يرتديه.

وكم من فتاوى لحسها أصحابها بعد أن بصقوها كما يعبر الشاعر أحمد مطر؛ والسبب هو نفسه السبب.

ولا ننسى أجهزة الهواتف النقالة التي تحمل كاميرات التصوير والصحون اللاقطة (الدش) وغيرها من القضايا التي رفضت رفضا قاطعاً لا رجعة فيه في حينها، وأُفتِي بعدم استخدامها. وإذا بالجوالات وكاميراتها والصحون اللاقطة لا يمكن لمجتمعاتنا أن تتخلى عنها. أما كان حري بهؤلاء أن يتريثوا قليلاً ويتعرفوا على ما يدور بتلك الدوائر قبل أن يُصدروا فتاواهم فنضحك نحن اليوم ويضحكون!؟

وعلى الجانب الآخر، دعنا نصل إلى النتيجة العكسية لهذه الدوائر من خلال النظر إليها من نافذة أخرى فنستخلص طريقة ازدواجية التدمير وهي تدمير مجتمعات وبناء وانتعاش مجتمعات أخرى في نفس الوقت.

فبدلا من تدمير وتفكيك مجتمعات فقط، نرتقي للاستفادة من هذا التدمير والتفكيك لنبني مجتمعات أخرى لها نفس توجهاتنا وأهدافنا، وكما ينسب إلى المتنبي قوله:

بذا قضت الأيام ما بين أهلها***مصائب قوم عند قوم فوائد.

ليس هذا وحسب وأعني الازدواجية التدميرية، بل نصعد إلى أعلى من ذالك ونجعلها ثلاثية بإضافة تدمير المجتمعات بالمجتمعات نفسها وبذلك دفعنا فاتورة هذا التدمير من جيوب أصحابها.

فأخْذ المجتمع الأول إلى المجتمع الأخير مباشرة وبدون أية مقدمات يعني بلا شك تدميره؛ لأن هذا المجتمع لن يستطيع أن يتحمل المجتمع الأخير وستزداد حالة العداء يوماً بعد يوم إلى أن ينفذ الصبر الطويل فيتحول إلى حالة هيجان عكسي طبيعي؛ لأنه لا يمكن لمجتمع محافظ أن يتقبل مجتمع لا يحمل أدنى قيمة للأخلاق دفعة واحدة، وكذلك المجتمع الخامس لا يمكن أن يتعايش مع مجتمع محافظ جداً.

فالطموحات والأفكار وحتى الحياة اليومية تختلف اختلافاً جذرياً، وهنا مكمن خلل وعدم توازن للمجتمع، ما يؤدي إلى تدميره بمختلف أنواع التدمير، وهكذا ندمر ما لا نريد من المجتمعات بالمجتمعات نفسها ونصل إلى ثلاثية التدمير هذه.

ويمكن لنا حينها أن نتربع على كرسي ونحرك هذه الدوائر كيفما نود ووقتما نشاء وعلى الطريقة التي نريد، وإذا ما عارضك من له حق المعارضة طبعاً، فالفيتو كفيل بتحريكها.