هل نحن على أعتاب ”حقبة عن بُعد“؟

يبدو أن التحدي الكبير الذي سيفرض نفسه على العالم الذي عاش وما زال تجربة مريرة بسبب جائحة كورونا والتي ستُغيّر وجه المشهد الكوني الذي لن يكون حتماً كما كان قبل اجتياح هذا الوباء الخطير، وهذا التحدي الكبير، رغم فرص نجاحه الأكيدة، لن يكون سهل التواجد في بيئة تقليدية تخشى كل ما هو جديد.

كثيرة هي المتغيرات والمستجدات والتحولات التي ستُشكّل مداميك الواقع الجديد للحياة بعد جائحة كورونا والتي ستطال التعليم والصحة والتجارة والسياسة والتقنية والثقافة والرياضة والإعلام والبيئة وكل ملامح وأوجه الحياة الصغيرة والكبيرة، ولكن أبرزها على الإطلاق والذي سيُغيّر معادلة الحياة الجديدة وسيكون عرّاب المرحلة القادمة، ألا وهو الانتقال الكبير إلى ما يمكن أن يُطلق عليه ب ”حقبة عن بعد“.

وحقيقة، لقد بدأت ملامح هذه الحياة الجديدة تتشكل وتتكون منذ عدة سنوات، ولكن التجربة المريرة التي عاشتها الأمم والشعوب والمجتمعات في كل العالم المتمثلة بحالة الرعب والارتباك والذهول، ستُسرّع بلا شك وتيرة القناعة التامة بتطبيق وتفعيل حالة ”التحوّل عن بعد“ بشكل أسرع لتكون العنوان الأبرز للمرحلة القادمة من عمر العالم.

ليس سراً، أن كل العالم بكل أشكاله ومستوياته ومراتبه، قد تضرر بشكل غير مسبوق في كل المجالات والقطاعات والمستويات، ولكن الضرر الاقتصادي هو الأكثر نسبة وتأثيراً لأنه هو من يُثقل كاهل الدول الدول والشعوب والمجتمعات، لذا بات من الضروري إجراء عمليات لتصحيح الكثير من التشوهات والترهلات التي يُعاني منها المشهد والواقع العالمي.

الحياة بكل وجوهها وملامحها وتفاصيلها، في طريقها لإحداث غربلة شاملة للكثير من الأفكار والثقافات والعادات والطرق والأساليب والسلوكيات التي لم تعد قادرة على مواكبة طبيعة وظروف مرحلة ما بعد جائحة كورونا، وذلك من أجل الخروج من نفق الخوف والقلق والكساد، ولعلّ أحد مجاديف الإنقاذ من كل تلك الأمواج العاتية هو شرعنة وتثبيت ثقافة ال Online في فكر ومزاج وسلوك البشر.

خلال جائحة كورونا، تعلم الطلاب عن بعد، وأنجز الموظفون أعمالهم عن بعد، وتبضع البشر عن بعد، ومارس الإعلام دوره عن بعد، واجتمع الأصدقاء عن بعد، وتصافح أفراد العائلة عن بعد، وعقدت الاتفاقيات عن بعد، واتخذت القرارات الحاسمة عن بعد، واستمرت الحياة عن بعد، ولم يمت أحد من الجوع أو يُصاب أحد بالجنون أو توقفت عقارب الساعة، لم يحدث شيء يستحق الذهول، لم يحدث شيئاً كذلك على الإطلاق، بل على العكس تماماً فقد رصد البشر قوائماً من الدروس والتجارب والخبرات.

نعم، لا أحد يُريد استمرار حالة الحظر والحجر والعزل لأنها لا تتناسب مع طبيعة البشر، ولكن الحياة على كل حال لن تعود طبيعية كما كانت، ولكن ”ثقافة عن بعد“ ستكون الجسر الآمن الذي سيعبر بنا إلى شاطئ الأمان.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني