دموع

الدموع سحائب ماطرة تتكون من منابع المشاعر المختلفة التي تتأثر بالمؤثرات الخارجية المضادة لها والموافقة لها لتغدو غيمات محملة بالهموم والمتاعب احيانًا واحيانًا أخرى تكون حمولاتها خضوعًا وتدللًا ولجوءًا إلى نفحات السماء لتعانق رياح الإيمان فتتجدد لها المشاعر وتنقى بها الأرواح وتزيد من خصوبة القلب الآمن المتعلق بأمن الخالق، فهي غسيل روحي وجسدي يشفي من الأمراض ويجدد النشاط ويعيد الحيوية.

يعيد الإنسان بها أدميته وإنسانيته التي فقدها وتضيع منه بسبب ترسبات الذنوب التي تعيق القلب من القيام بوظيفة الاحساس وبالتالي تعمى البصيرة فلا يرى الحق قال تعالى

”وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ“ «179» الأعراف.

فالكثير من الملوثات المعنوية تحول القلوب إلى حجارة صماء وارواح منغمسة في بؤرة الظلام لذلك تفقد السحائب الماطرة مما يعني التصحر النفسي والروحي ومع استمرارية العزوف الروحي والتوجه القلبي نحو امتداد النور؛ تنحبس وتحجب نسمات الرحمة فتتحجر الدموع في مقل العيون وتقسى القلوب، كما في قوله تعالى ”ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ“ 74 البقرة.

فالدمعة مصدر قوي للطاقة البنائية ترمم المشاعر وتصلح الأحاسيس وتوجهها إلى الوجهة الصائبة ومحفز ذاتي يعيد التوازن ويعطي الصفاء للنفس والراحة لكون الدمعة بلسم يشفي الجروح ويداويها خاصة دموع العشق للمشوق نفحاتها نسائم باردة تُبرد تلك الزفرات الحارة التي تلفظها الأنفاس التي أذابها ألم الفراق والبعد عن الحبيب، بكى حتى ابيضت عيناه من كثرة البكاء، فنحيبه على الحبيب جعل له مقامًا محمودًا.

دموع المصاب لفقد الحبيب تجليات تفوق كل التوقيعات وترفع إلى منازل العُلا وتُحيي بُذور العشق لتزهر زهورًا ورياحين يتقلدها العاشق.

سحائب الولاء الماطرة تلك التي اصبغتنا بصبغة الولاية والذوبان في المصاب فغدونا عشاقًا هويتنا البكاء وموطننا الدمعة التي تُحيي فينا لهيب الشوق وتأخذنا إلى ساحة المحضر الإلهي حيث الأقمار المضيئة والنجم الزاهرة والأنوار المحمدية، فالدمعة لأجلهم تحرير من العبودية والذل، حرية تسمو بها الأرواح لتحلق نحو شعاع الشمس؛ لتستزيد دفئًا وحرارةً وشوقًا للقاء.

كيف لا وهي دمعة السماء،

دمعة خالدة وباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهي متجددة على مر العصور والأزمان،

فلأندبنّك صباحاً ومساء، ولأبكينَّ عليك بدل الدموع دم. الامام المهدي (عج) الزيارة الناحية.