صناعة البطل الأولمبي؟

تُعدّ صناعة البطل الرياضي الأولمبي الذي يُلهم الأجيال في كل العالم، أحد أهم المشروعات الحضارية الوطنية الكبرى التي تصنعها الدول المتقدمة، شرقاً وغرباً، وتضعها في أجندة أولوياتها وسجل طموحاتها. فالأبطال والنجوم والأيقونات في المجال الرياضي، بل وفي كل المجالات، قوى ناعمة عظمى تستثمرها الأمم والشعوب بشكل ذكي ومكثف لإبراز تميزها وتفوقها، بل والاستفادة من بريقها ووهجها.

هناك الكثير من الدول والشعوب في كل العالم والتي بالكاد نعرفها، لولا وجود بعض أبطالها ورموزها في بعض المجالات، وخصوصاً في المجال الرياضي الذي يحظى بمتابعة واهتمام كل فئات ومراحل البشر، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا يمكن حصرها في مقال، وجزيرة جامايكا المغمورة، أفضل مثال على ذلك. تُعتبر دولة جامايكا من جزر الأنتيل الكبرى في البحر الكاريبي بمساحة صغيرة لا تتجاوز ال11 ألف كيلو متر مربع فقط، ويسكنها قرابة الثلاثة ملايين نسمة. جامايكا والتي تعني «أرض الينابيع» كما أطلق عليها ذلك سكانها الأصليون الناطقون بلغة الأراواكان، جزيرة صغيرة معزولة عن العالم، ولكنها تُصبح حديث العالم بمجرد أن يركض عداؤوها في مضمار منافسات العدو السريع في الألعاب الأولمبية كل أربع سنوات. فقائمة الميداليات الملونة في مسابقات العدو السريع الأولمبية مزدحمة بالأبطال الجامايكيين والجامايكيات أمثال: دونالد كوراي، مرلين أوتي، ديلورين لندن، شيلي فريزر، كيرون ستيورات، ألين بيلي، جولييت كوثبرت، فيرونيكا بروان، بريجيت فوستر، يوهان بليك، أسافا باول والكثير من العدائين والعداءات، ولكن الرمز الأشهر على الإطلاق الذي حمل جامايكا لكل العالم بكل خطواته السريعة الواسعة التي تسبق الريح هو يوسين بولت أسرع عداء في تاريخ الألعاب الأولمبية لسنوات عديدة، وحامل الأرقام القياسية في سباقي 100 و200 متر، وأول بطل يفوز بسبع ميداليات ذهبية في تاريخ الأولمبياد، وأحد أعظم الرياضيين على مر العصور.

وصناعة البطل الأولمبي معقدة جداً، ولكنها ليست مستحيلة. هي منظومة صناعية متكاملة، لها أهدافها وأدواتها ومقوماتها وآلياتها ودراساتها وتجاربها وحوافزها وتفاصيلها المدروسة بعناية فائقة. والتجارب القريبة والبعيدة التي نجحت في صناعة الأبطال الأولمبيين، كثيرة ومعروفة، والمجال الرياضي بشكل عام لم يعد ساحة للهواة أو تسلية لقتل الفراغ، ولكنه تحوّل لصناعة حقيقية تدر المليارات وتوفر ملايين الفرص، بل وتجاوزت ذلك بكثير، فهي الآن قيمة حضارية كبرى تمنح الأمم والشعوب الكثير من الامتيازات والشهرة والأضواء. الرياضة الآن، بل منذ سنوات، أصبحت الحلم الذي تركض خلفه كل الأمم والشعوب والمجتمعات.

المشاركة السعودية في أولمبياد طوكيو التي انطلقت منافساتها في 23 يوليو وتُختم في 8 أغسطس، خجولة ولم تُقدم المأمول، ورغم أنها الأكبر في تاريخ المشاركات الأولمبية السعودية التي بدأت بنسخة ميونيخ العام 1972، ولم يستطع 33 لاعباً ولاعبة يُمثلون 9 رياضات مختلفة الظفر بميدالية مهما كان لونها. وهنا لابد من ذكر حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي الجهود الكبيرة التي يقوم بها وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي للوصول برياضتنا الوطنية بكل ألعابها ومنافساتها إلى العالمية وتحقيق الأحلام الأولمبية، ولكن ذلك يحتاج للكثير من الوقت والجهد والصبر والرغبة والإصرار.

المقال المقبل، سيحاول الإجابة على هذا السؤال: كيف نصنع بطلاً أولمبياً؟

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني