الأمن أم الحرية(2)

الحكومة البوليسية بالغلاف الإسلامي

الدولة المعنى و المفهوم العام:

يمكننا تفسير معنى الدولة على أنها نوع من المؤسسات التي يخضع لها جماعة بشرية محددة طائعين أو صاغرين. وتشكل القواعد والقوانين والأعراف أحد أهم أعمدة هذه المؤسسة والتي تحكم العلاقة بين أعضاء الجماعة البشرية التابعة لهذه الدولة. وفي الأساس، فإن مبرر وجود الدولة هو بالتحديد ضبط هذه العلاقة وفقاً لتلك القواعد، أي هذه هي وظيفة الدولة. وبكلمة أخرى تسعى الدولة لتحقيق مصالح أعضاء هذه الجماعة.

الإسلام و الدولة:

و للإمام الشيرازي[1]  تعريف قريب من ذلك التعريف حيث يقول: (الدولة عبارة عن القوة المسيطرة على الناس لأمرين:

1 ـ نظم أمورهم، وعدم السماح لتعدي بعضهم على بعض، أو تعدي الخارج عليهم .

2 ـ التسيير بهم إلى الأمام في مختلف شؤون حياتهم.)[2] 

و يضيف الشيرازي مبيناً أهمية الدولة : (الذي يقول أن لا حاجة إلى الدولة، أولا: هو كاذب، وثانياً: انه لابد وان يتخذ الدولة، شاء أم أبى، منتهى الأمر تكون دولته حينئذ).

الإسلام و الدولة:

و يرى الشيرازي أن "الإسلام، والإسلام وحده نظر إلى الدولة نظرة صحيحة، وبيّن عناصرها وأهدافها وكيفيتها بياناً واضحاً" ، و يلفت الشيرازي أن الإسلام " أخرج عناصر الفساد من الدولة بتشريعه الأنظمة والقوانين العادلة " و أن "عدم تطبيق بعض الدول الإسلامية، للشروط والمقررات، فان ذلك لا يعني إلا نقص تلك الدول وخروجها عن المنهاج الإسلامي".

الدولة البوليسية:

تعتمد الدول البوليسية عادة على المعايير الأمنية في التعامل مع مواطنيها، فالدول البوليسية التي تضع كل الجماعات البشرية التي تخضع تحت سلطتها تحت رقابة مخابراتها، فهي (دولة المخابرات) التي تنظر إلى الشعب بعين التهمة دون النظر إلى أي مبررات تثبت براءته.

فدولة المخابرات البوليسية تعتمد على إجراءات قمعية صارمة ضد المجتمع وتتحكم من خلالها في الحياة العامة للشعب وتتدخل في توجهات المواطنين ومعتقداتهم، وغالبا ما يتم ذلك من خلال شرطة سرية أو مليشيات مقنّعة بأطر رسمية تعمل عادة خارج الحدود التي يفرضها القانون، ويكون المسوّغ - حسب وجهة النظر الحكومية- في اغلب الأحوال وجود تهديد للأمن الوطني أو القومي أو وجود عملاء لدول خارجية، أو محاولات زعزعة النظام وغير ذلك مما ينطلي على الكثير من البسطاء، وتمرر الأنظمة من خلال تلك الأساليب الكثير من السياسات غير المشروعة، مثل قانون الطوارئ أو الأحكام العرفية.

لهذا تخلوا (القهاوي) و النوادي  وأماكن تجمع الناس في الدول البوليسية عن الحديث بالسياسة، و إذا أرادوا الحديث فهم يخشون التحدث فيما يخالف سياسة النظام، و يتجنبون نهائيا انتقاد النظام أو (الرجل الأوحد) الذي يتزعم النظام و ذلك خشية من وجود رجال المخابرات أو المفسدين من عامة الشعب (الجواسيس) الذين قد يخضعوا من ينتقد النظام أو سياسة النظام بزعيمه الأوحد إلى إجراءات قمعية قد تطوي قيد الحياة لديه في السجون السرية، أو أن يأخذ قهراً في كرنفالات التعذيب التي تقيمها الدولة البوليسية في سجون مخابراتها و التي لا تخضع عادة إلى رقابة المنظمات الحقوقية.

و بمعنى آخر إن الدولة البوليسية قد تعتقل أي مواطن ولو من دون سبب، ويمكن أن تعاقب أي شخص بالسجن على سبيل المثال من دون حيثيات، بل إنها في الحالات المتطرفة يمكن أن تصدر أحكاماً بالإعدام من دون محاكمة قضائية عادلة!.

و لأن الدولة البوليسية تغيب عنها العدالة دائماً، بل إن الظلم هو الديدن العام و الطابع العام لحكمها، فلا يمكن أبداً أن أقول بأن الدول التي تتخذ النظام البوليسي نهج لها هي دولة قد تكون (إسلامية) أو تحكم بإسم الإسلام، إذ الإسلام يرى أن (العدل هو أساس الملك) بالإضافة لأنه يضع في النظام و الحكومة الإسلامية مواصفات إذ لم تتوفر فيه خرجت من إسلاميتها.

لهذا فإنّ فكرة تغليف أي شيء بغلاف ووضع كلمة الإسلام عليه دون وجود واقع إسلامي سليم، هي فكرة مغلوطة من الأساس. وحتّى لو افترضنا أن هذا الشيء قد اكتسب صفة التحقق فانّ الناس سوف لا يصدّقون أنّه إسلامي، كما أن الله تعالى سوف لن يقبله منّا، فيضحى الأمر مجرّد خداع ذاتي.

[1]  السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي (1928 النجف الأشرف في العراق - 2001 قم المقدسة في إيران) هو مرجع دين شيعي معروف بألقاب عديدة منها سلطان المؤلفين والمجدد الشيرازي الثاني والإمام الشيرازي ونابغة الدهر، تلقى العلوم الدينية على يد كبار العلماء والمراجع في الحوزة العلمية بكربلاء المقدسة حتى بلغ درجة الاجتهاد دون أن يبلغ العشرين. وواصل تدريسه للخارج لأكثر من أربعين عاما في كربلاء المقدسة والكويت وقم ومشهد المقدستين، وكان يحضر درسه ما يقارب الخمسمائة من العلماء والفضلاء، هذا وقد بدأ بتأليف (موسوعة الفقه) وهو في الخامسة والعشرين، ووصل تصنيفها إلى حوالي 157 مجلد.

[2]  محمد الحسيني الشيرازي، النظام الإسلامي و الأنظمة المعاصرة، النسخة الالكترونية من موقع الإمام الشيرازي الالكتروني.