العبادات وتصفية الحسابات !!

عبدالعزيز حسن آل زايد

جرت العادة في الأسواق أن نسمع بتصفية الحساب بين شخص وغريمه، وهكذا أصبحت هذه الحرفة مساوقة للكثير من المجالات، قد يضحي الغريم فيها بالكثير من المكاسب من أجل الإيقاع بغريمه فقط، كم من الأموال والأوقات والجهود تبذل من أجل تصفية حساب؟!، أو شطب شخص أو لربما شخصية؟!، البعض يدخل الشيطان لعقولهم دون استئذان ومن أوسع الأبواب، فهذا " قابيل" يرتكب أول جريمة في تاريخ البشرية، لكونه أراد أن يصفي حساباً ما مع أخيه، وهكذا قد تستخدم طلقات النار – في زماننا المعاصر - لفك نزاع وتصفية موقف، وقت تكون الطلقات الكلامية بداية الطريق، إنها تداعيات العنف من جديد، لم يتوقف مسلسل العنف على البيوت والشوارع فحسب، بل أمتد لما هو أكبر وأعمق، حتى أن الصحافة اليوم بدأت تسلط الضوء على حالات نزاعية ساخنة يرى البعض أن موجهها الأساس هو تصفية الحساب ليس إلا، قد نغض الطرف حينما نشاهد النزاع بين فردين في السوق، لكون أن الحالة السوقية هكذا كان شئنها، إلا أن ما يقلق الأمة، هو نزاعات تتم في المساجد وخطب الجمع، فهذا يعارض فكرة يتسلل فيها ليصل إلى صاحب الفكرة نفسه فيشرحه قطعة قطعة في أحسن التقادير، ومن باب "موت المؤلف وولادة القارئ" ينتقد الأشخاص ويصفي الحساب معهم، والضحية هي الأمة.

 تلطخت بعض المنابر وبعض المساجد المقدسة، بنفوس قد أثر فيها الشيطان، فالبعض : أحل الحرام، والبعض حرم الحلال، وبين الجبلين منازعات وتصفيات حساب، الجمهور انقسم إلى شطرين " وكل حزب بما لديهم فرحون ", بدأت الحملات الدعائية ورسم الكاركاتورات ضد المخالفين، وكل يصطاد في الماء العكر، أولسنا خير أمة أخرجت للناس؟!، أين العقلاء من أبناء جلدتنا؟!، أوليس المسلم أخ المسلم؟!، فعلاما هذه المهاترات، ولماذا هذا النزاع وهذه الفرقة؟!، لماذا نغفل عن حقيقة ما يراد بنا، ونمزق أشلاءنا الممزقة إرباً إربا؟!، ونصب الزيت على النار، لماذا أصبحت اللحمة الواحدة في ذات المذهب الواحد متناحرة ومتقاتلة؟!، والله أعلم كم من الجهود والطاقات صرفت من أجل إسقاط شخص، أو محاربة فكر؟!، إنه منهج الإقصاء وحمى البغض للآخر المختلف بكل ما يمتلك البيان من قوة، وبكل قوة يمتلكها البيان وغيره، في تراشقات كثيرة لا نستطيع التدليل عليها من كثرتها، ولكن نقتصر على الحرب المعلنة بين (السديس) و(العبيكان) وغيره، في تراشقات لا ندري أن سيصل الختام فيها !!

موقف السديس :

لم يصرح السديس - في خطبة الجمعة الماضية - أمام العلن بكل ما يعتلج في صدره بإذاعة الأسماء التي  كانت فاقعة في الأذهان غائبة في اللسان، إذ عرج على أوجه "جريرة الغش" في المكاييل والميزان، حتى وصل إلى الغش في "العقيدة والعبادة " حتى قال : "وكذا غش الأمة في دينها، ومصادر تلقيه، في وقت كثر فيه المتعالمون والممتطون لصهوة القول على الله بغير علم، والمتقحمون لمقامات الفتيا وهم ليس منها في قليل ولا كثير، غافلين عن آثار آرائهم في المجتمع ومآلاتها في الأمة، في حل سحرٍ، ورضاعٍ، وغناءٍ، واختلاط، وسواها"– وهذا واضح أنه كان  يقصد في حليه السحر بغرض إبطال السحر الشيخ عبد المحسن العبيكان، وكذلك فتواه الشهيرة في حليه رضاع الكبير، والثاني كان يشير إلى الشيخ عادل الكلباني إمام الحرم المكي السابق في تحليله للغناء، والأخير الدكتور أحمد قاسم الغامدي في فتواه عن الاختلاط، وهذا ما لا يخفى على المتابع للأحداث والتطورات الأخيرة – فقال ما نصه : ( ولعل من الحزم الحجر على أمثال هؤلاء، فالحجر لاستصلاح الأديان، أولى من استصلاح الأبدان ) !

موقف العبيكان :

أما العبيكان فقد أشار ضمنياً  في رده على السديس أنه لا يعرف  المصطلحات الفقهية والشرعية، بقوله لقناة " العربية " نشرته في موقعها : " الذين يعرفون معنى الحجر في الشريعة الإسلامية يعرفون أنه الحجر على السفيه في ماله والتصرف به مثل الصغير أو الكبير غير متصرف تصرفا صحيحا، ولكن كثر الجهل بين الناس في هذا الزمن وأصبح الناس لا يعرفون معنى المصطلحات الفقهية والشرعية فيتكلمون بكلام لا يفهمونه ولا يعرفون معناه".

لم يكن هذا آخر ما قاله، بل قال العبيكان : " ويجب أن تحترم آراء الفقهاء جميعا، ويجب على كل أحد أن يحترم آراء الآخرين، ولكن بلينا في هذا الزمن بالمتطرفين والغلاة الجهال الذين تسببوا في وجود هذا الإرهاب، وشوهت صور الإسلام والمسلمين بسبب هذا التشدد والتنطع والتكلف الذي هو في الحقيقة أضر بديننا وأضر بسمعة بلادنا المباركة وذلك أنهم يقصون آراء الآخرين ويرون أنهم فقط على الحق وكأنهم أخذوه من فيّ (فم) رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره".

ثم أعلن صراحة بملأ الفم للهجمات التي نالت منه نتيجة لفتواه الأخيرة حول الإرضاع، مؤكداً على أنه لا تزال هناك تصفية حسابات ضده، مشيراً أن الانتقام أصبح عند البعض ربما (سيرة العبادة)، وربما استغل العبادة لتصفية حساباته والانتقام من الآخرين عن طريق وسائل الإعلام، وعن طريق المنابر وعدم استغلال وسائل الإعلام للنيل من الآخرين.

وفي الختام نقول : إذا كان هذا حال العلماء، أصحاب المذهب الواحد فما هو مصير الرعية، التي ترى شجاراً من الأعلى، ثم ما هو حال من يخالف الطرفين من المذاهب الأخرى؟!، لقد غفلنا عن عدونا اللدود الذي ينخر امتنا علناً دون استهجان من احد، حتى يأتي دور ردة الفعل في أن نأكل لحم بعضنا بعضاً عيانا، إذا كان هذا ديدن الكبار فلا يلام الصغير إن عاود فعل الكبير !!