مطلقة ولكن


 
قطرات من الندى كانت في حضنهم تورق الحياة لوناً من اللوز ينساب ابتهالات من العشق دافئة اللحظة .
أريج .. فستان طفولة مطرز بالنور والجمال الإلهي بين سراج العشيقين بريشة خضراء قد نسجت حياتهم بكل عذوبة وطراوة عسلية ، رغم تلك العفونة القاسية التي تحول النور إلى ظلام ، الحب إلى انتقام ، إنه أب لا يستحق الأبوة ، رجل بعيد كل البعد عن الإنسانية و ... .

لم يكن راضياً عن اختيار ابنه لزوجة المستقبل ورفيقة الدرب وذلك بدون أي مبرر ، فقط يريد أن يخضع حياة ولده لعقليته الدكتاتورية ، ربما يشعره ذلك بالكمال ، إنه من فرط إحساسنا بالنقص نلتمس الكمال من الآخرين .

أصر محمد التمسك بحبه ، إنها ابنة خالته ريم ، أنثى من الطراز النادر وجوده خصوصاً في مجتمعنا ( القطيف ) الذي فقد طهارته المائية .

ذات وجع حيث كانت ريم حامل وأريج تلهو وتلعب عبر أحضانها تسرب إلى سمعها صراخه بوجهه طالباً منه أن يطلق .. .

ارتجفت أصابعها العاج مكسورة الخاطر بورد من الخد كأنه برقع غجري الصحراء .

أجل .. حين نكون تعساء ندرك تعاستنا .. ولكن عندما نكون سعداء لا نعي ذاك إلا في ما بعد .. إن السعادة اكتشاف متأخر . أحلام مستغانمي تنفست الصعداء حينما رفض بقوة فكرة الطلاق معللاً أنه يحبها ولا يحتمل فراقها أبداً .

ثمة قلق انتابها كنذير شؤم لما تخبأه الأيام ... .
سحائب صخرية الأنفاس تجبرها على الجلوس في شقتها وعدم الاتصال بأهلها أياً كان السبب ، هو نبض قلب يسرب الإرهاق لجسدها الذابل فتتلوى ألماً ، حاولت الاتصال بخالتها ولكن دون جدوى من وصال ، حقاً إن الأرواح كلما تآلفت صارت قريبة من بعضها البعض يشعر الكل بالكل ... .

سقطت على الأرض فاقدة الوعي ، صرخت أريج وهي تمسح على وجه أمها والدموع لؤلؤ متناثر كليلة من ليالي شكسبير ، براءة الطفولة تعانق شعرها ما ما ما ، برقت عيناها وأمسكت بالجوال واتصلت بعمها
( الدكتاتور ) ولم يجب ، حارت بأمرها فلم ترى إلا أن تتصل بأهلها ... .
_ أأألووو علللي إلحقني ... .

تروع علي واحمر وجهه .
_ ريم ، ريم ويش فيش ، إنت تعبانه ، طيب جاي ، جاي .
اقتحم الشوارع المؤدية لشقتها وفتح الباب فجأة رآها مسجاة على الأرض وابنتها تبكي بصوت أشبه باستغاثة ... .
رفع يدها بدمع كجمر ... .
_ ريم اجلسي أنا علي ، كلميني أرجوش ... .

أنة من الأعماق تنبأ بالآهات النارية وهي تخترق جسداً مخملي .
_ علي ، علي بموت وديني المستشفى ، ابي امس ، ابي ابوي .
_ طيب قومي معاي ، اشوي اشوي .

أجلسها في المقعد الخلفي من السيارة وانطلق كالريح ، كلما قالت ريم : آه ، زاد من سرعته ، إنها ريم التي كانت بلسم لجراحه ، روحها سكن نضع رؤوسنا بشرفته عندما تؤرقنا الحياة بمشاكلها ، آه يا ريم لم ينصفك القدر ، وضعك بين أسرة بعيدة عن المشاعر كبعد الشيطان من الجنة .

هرع كل من الممرضات لإسعافها وجلس هو على الأريكة وبحضنه أريج يداعبها ويبكي .
وصلت مثقلة بالحزن مترادفة مع زوجها الذي تصارعه المآسي خوفاً على ابنته التي تتقاذفها الأمواج المنسوجة من الفولاذ .
لحظات هي حتى بزغت الممرضة وعلى محياها خيوط من الشمس بازغة كدقائق الفجر المتيم بأنفاس العاشقين .
وقع كان هو الخبر معجون بالألم والفرح فقد رزقت فلذت كبدهم ولداً ، تسارعت الخطوات متوجهة إلى مرتعها تعانقها القبلات .
ارتعاش العينين تحديقاً في الحاضرين كأنها تبحث عن شيء ما .
تدحرجت تلك الأيام في المستشفى إلا أنه لم يحضر ليرى ابنه ، أمسكه والده بعصاً جمرية اللحظة يوم عرض عليه مبلغاً من المال لا يحلم به ليتركها ... .

خطواتها لا تكاد تحملها بينما هي تفتح الباب لتدخل لحجرتها التي فارقتها منذ تزوجت ، هرولت بمخيلتها الذكريات البريئة المفعمة بالحنان في كنف أسرتها وبين أحضان أمها ودعابة والدها .

استلقت على فراشها منهكة الجسد تتمتم بآهات تناجي حبيبها اللاحبيب .
ذهب والدها إلى شيخ القرية المعروف بطيبته وحنانه على أهل القرية ليتدخل في الموضوع ويمنع الطلاب بما يملكه من إيمان وحكمة حقاً من اتخذ من الحكمة لجاماً ، اتخذه الناس إماما ... .

توجه الشيخ مع نخبة من أهل الخير إليه .
استقبلهم ببرود له ألف مبرر ومبرر ، خاطبه الشيخ بكل ماله من أشياء جميلة إلا أنه رفض بكل قسوة وعناد .

خرج الحضور بينما الزوج قابع في مكانه لا حراك جسدي ولا حراك معنوي يخبر عن كائن بشري حي ،أجل إن المرأة مثل الزهرة ...إذا قلعت من مكانها تتوقف عن الحياة . وليم شكسبير .

رجع والده بعد أن ودعهم ليرمقه بابتسامة خبيثة كنشوة انتصار مزيف لا مرآة لهوصدق الشعر ذات حكمة حيث قال :
قوم إذا صفع النعال وجوههم نادى النعال أين مني المهرب .

اتصل الشيخ إلى والدها الذي ينصهر ارتقاباً وسط بوارق من الأدعية راجياً من الله سبحانه وتعالى أن يفرج بلطفه على ابنته المثكولة .
ذبذبات دموعها البكائية لا تجافي مسمعه بين الفينة والفينة .
انهارت أعصابه مما سمعه من الشيخ مستعيناً على ذلك بالتمسك بالعلي القدير متعوذاً من الشيطان الرجيم .
برقت عذابات رمش لم ترحمه الأيام من وجع الخبر ، يا ترى كيف يخبرها بنبأ طلاقها ... .

جالست كانت وبين خيوط الرمل كان طفلها ، ترضعه ، تمرر أصابعها المرتجفة وسط شعره المنساب كفراشة من حرير ... .
تقدم نحوها والعبرات تختنق في كل جسده ، كيف يخبرها بخبر طلاقها ، تراجع قليلاً بعدما أحست عليه ، رفعت رأسها ورمقته بابتسامة قرمزية الخجل .

شد من عزمه وتقدم واضعاً يده الحنونة بعد أن استقر به المكان ، ذرف من الدمع الشيء الكثير وفجأة : صرخ الرضيع حينما سقط حيث أن أمه قد فارقت روحها الحياة .

سقط على ابنته يعانقها وهو ينادي على أمها بأعلى صوته وهو يخبرهم بوفاتها ، حضرت وانهارت على ابنتها باكية ، كل هذا والرضيع مازال يصرخ .

معلم لغة عربية