ندوة المُجتمع المدني

المُجتمع المدني.. كَان عُنوان لأُمسيَة تنويريَّة أقامهَا مُنتدى سيهَات الثقافيِّ يوم الاثنين المُوافق 14.2.2011 , امتلأت أجواءها بالأنفاس الجميلَة و الأفكَار المُحفزة للعقل, حيث كَان للجمهُور فيهَا النصيب الأكبر مِن المُشاركة قاد دفة الحُوار فيهَا الأُستَـاذ علي آل طالب وأمَا ضيفها المُميز فهُو الناقد الأُستَـاذ محمد العبَاس.
المحَاور الرئيسيَة والتي جعلت لتلكَ الأُمسيَة رائحَة تنويريَّة كانت, مفهُوم الدولة بشكليها الديموقراطي والديكتاتوري ثُم نشأة المُجتمع المدني, العقد الاجتماعي وما يُخالطه مِن مُصطلحات فلسفيَة كالليبرالية والعلمانية, ثُم وبشكل موسّع ملامح المدنيَة في عالمنا العربي.
بعد تقديم مُوجز وثري في آن واحد للضيف من قِبل المُحاور, استهل الناقد العباس حديثه بتعريف المُجتمع المدني بأنه مُجمل العلاقات الثقافيَة والأيدلوجيَة, وكيفية نشأته حيث أنهُ نتاج للبرجوازية الغربية كمَا وصفه بأنه رؤيَة ثقافية أو بتصّور ماركسي: هُو البُنية التحتية فيمَا الدولة نفسهَا هي البُنية الفوقيَة بعكس ما يراه هيغل. كمَا يرى العباس أحد العوامل المُؤثرة بشكل أساسيِّ على المُجتمعات المدنيَة هُو الفضَاء السياسيِّ مِن خلال تحكمه وسيطرته على المُجتمع, الدين, دور العبَادة, المدارس وَ الإعلام كمَا حصل في ثُورة مصر الأخيرة.
بعد ذلك تطرّق الناقد إلى مكونات المُجتمع المدنيِّ, مِن الحُرية أو المُلكية الفردية إلى حُرية المواطن وحقٌوقه وسيَادة القانُون – مبدأ فصل السُلطات إلى تشريعية وتنفيذية. ويُركِّز إلى أن المُجتمع المدني وآلياته لم تعُد شأن النخبة فحسب وإنما أصبح هماً اجتماعياً مُوسعاً يمتد إلى الطبقة العاملَة. كمَا يُشدد على قراءة و مُراجعة مرجعيَات البحث في المُجتمع المدني ونصُوصه – ابن رُشد أنموذجاً.
وفيِّ أبرز تحديات المُجتمع المدنيِّ يرى الناقد العبَاس الديمُوقراطية فهيَ سلُوك حياتي يوميِّ, ينبغي الإيمان بها على المُستوى الفردي والاجتماعي. ثُم العلمانيَة كجزء مِن المُجتمع المدني حيثُ أن المُجتمع المدني لا يُثير الحساسيات الطائفيَة وإنما يكفل للجميع اختيارهم الديني بدُون محاربة البعض الآخر, وبذلك يُمكن أن تكُون مُتديناً ضمن تلك المنظومة. أيضاً الليبراليَة وهيِّ نتاج الطبقات المتوسطة, وعادةً ما تُثير حِراك مدني يُحارب مِن قِبل السياسيِّ في مُجتمعاتنا العربية كما حصَل في مصر, ويرىَ أحد أبرز أفكار مؤسسي الليبرالية بأن كُل فرد ينبغي أن يسويَّ أموره مع الله, و إمكانيَة خطأ رجل الدين, وهيَّ جُزء مِن عمليَة الوعي التاريخي. أيضاً من أبرز تحديات المُجتمع المدني كمَا يرى العبَاس هيَّ التعدُدية فلا أحد باستطاعته امتلاك الحقيقة فهي نسبية. وبيّن ذلك عندما يكُون هناك دين واحد فقط في المُجتمع سيؤدي إلى الاستبداد, أمَّا إذا كان هُناك دينان فالنتيجة هيَّ التنَاحر بينهُما, أمَّا إذا كان هناك أكثر من دينيين فالناتج هيِّ التعددُيَة وتقاسُم السلُطة ثم نشأة بما يُمسى بالتسَامُح.
تطرَّق أيضاً الناقد العبَاس خلال هذه الأُمسيَة إلى نشأة عصر الأنوار في أوروبا وكيفية زحفه للمُجتمعات العربيَة, وأنََّ أحد العوامل الأساسيَة لتكوينه هُو العقل الجمعي للمُستنيرين. وبرائحة نيتشويَة, ركَّز على أنَ النقد هُو أساس كُل ما حدث مِن تغيير في أوروبا مِن نقد السُلطة إلى الدين, على أن يكُون النقد في إطار البِنَاء لا الهدم, وهوَ بالنسبة لهُ بعيد المنَال عن مُجتمعاتنا.
وبالنسبة للعبَاس, كُل مُجتمع لهُ مناقبه وأخلاقياته ولكن ينبغيِّ أن تكُون مُنظمة مؤسساتياً, كمَا النشاط المدني بالإمكان أن يكُون نشاطاً اجتماعياً لا سياسياً عن طريق المأسسة, وطرح مثالاً إلى تكُوين نشاط مدنيِّ للأطبَاء في المنطقة ؛ تعُود فائدته إلى المُجتمع نفسه. يرى العبَاس أيضاً بأن مُجتمعنا لا يمتلك الآليات لتكوين مُجتمع مدني فعَّال.
بعد ذَلِك كانت مُداخلات الحضور المُتنوعة والمُنقسِمة بين مُؤيد ومُعارض, وَالتي أثرت الأُمسيَة بشكل واضح وهُنا بعض الأفكار السريعَة لأجوبة الضيف لِتلك الأسئلة , فالأفكار الثيوقراطية والميتافيزغية تقع على هامش المُجتمع المدنيِّ. جزء مِن مهمات المُجتمع المدني هي التحديِّ الحقيقي, فهُو ليس بديل رومانسي للتغيير بل مُقاومة واستقلاليَة والمسألة هُنا وعِرة !.
المٌثقف هُو وقود المُجتمع المدني, ولا بُد الاستفادة مِن مُلهمات العولمة مِن خلال المجتمع المدني, فالعولمة تشمل كُل مقومات الحياة وهي ليست فقط جانب اقتصادي للمُجتمعات, هيَّ إنتاج أكثر من استهلاك والعالم العربي للأسف مُستهلكين أكثر مِن مُنتجين.
المُجتمع المدني يكفل جميع الانتماءات الدينية, وأسلمة بعض المُصطلحات هيِّ محاولات فاشلة ؛ لأننا نتحدث عن تركيب مُنتج على مُنتج. كمَا أن الطائفية تٌعتبر من أمراض المُجتمع وأحد أكبر العوائق للمدنية مُقابل أهميَة الوطن والمواطنَة.