اختتام أعمال الدورة التاسعة لمؤتمر القرآن الكريم

شبكة أم الحمام منتظر الشيخ أحمد- سيهات
اختتام أعمال الدورة التاسعة لمؤتمر القرآن الكريم
اختتام أعمال الدورة التاسعة لمؤتمر القرآن الكريم

 

اختتم مؤتمر القرآن الكريم دورته التاسعة لعام 1432هـ بكلمة لملتقى القرآن الكريم بسيهات ألقاها المنسق العام للمؤتمر الأستاذ عبدالجليل الراشد و ذلك في الجلسة الختامية للمؤتمر الذي أقيم هذا العام في جامع الرسول الأعظم(صلى الله عليه و آله وسلم) بمدينة سيهات في محافظة القطيف شرق السعودية.

و أكد الملتقى في كلمته الختامية على أن التعايش بين المجتمعات المختلفة يساهم في تحقيق غايات البشرية و التي يشكل عمارة الأرض أحدها، و أن الإختلاف هو حالة طبيعية عبر عنها القران بالسنة.

كما أكد على أن "النظم المتخلفة عادة ما تشعر بالاغتراب عن المجتمع و طموحه و غاياته، و تعتبر الطائفية و بث الفرقة في المجتمعات سلاحها الأمضى للتنصل من استحقاقات التغيير و الإصلاح".

هذا و قد تناول المؤتمر موضوع ( الاستقرار الاجتماعي في التصور القرآني) بمشاركة خمسة باحثين قرآنيين و على مدى يومين متتالين، و شهد المؤتمر خلال اليومين حضور علمائي كبير، و مداخلات مختلفة لمثقفين و مفكرين مهتمين بالشأن القرآني.

البن سعد: الألفة.. التسامح.. العفو ..القيم القرآنية و دورها في تعزيز الاستقرار الإجتماعي

و ألقى الورقة الأولى في المؤتمر الباحث الشيخ عبدالجليل البن سعد و التي كانت بعنوان (الألفة.. التسامح.. العفو)، و بين البن سعد أن الإنسان يعيش علاقات فاعلة يرجع إليها الحكم في تحركاته مع من حوله من بني البشر، و أردف البن سعد "إن البرمجة الأخلاقية القرآنية مليئة بكلمات القوة والقدرة على تصعيد وتيرة العلاقات الإيجابية"، كما وضح في ورقته بأن هناك ثلاث محاور مؤكدات في الفرضيات القرآنية و هي: الإلفة. . التسامح . . العفو . وإن هذه مراحل قد تتقارب في المفهوم ولا يخلص أحدها عن الآخر إلا بعد الإبصار بالفوارق الدقيقة بينها.

و في مداخلة له على ورقة البن سعد حول ما أشار إليه فيه (البرمجة الأخلاقية)، تساءل السيد إبراهيم الزاكي: كيف تكون هذه البرمجة، و من يبرمجها؟

و أجاب الشيخ البن سعد و الذي وصف السؤال بأنه كان جوهريا حقيقا:ً "أن من يعيش مع القرآن و يتعايش معه فهذا الذي يبرمج نفسه".

آل سعيد: الطائفية و المجتمع و القوى المؤثرة

أما الورقة الثانية فكانت للباحث الشيخ عباس آل سعيد و كانت بعنوان (الطائفية و المجتمع و القوى المؤثرة)، و ابتدأ آل سعيد عرض ورقته ببيان مشكلة البحث و هو في تحديد مفهوم (الطائفية) مستدركاً أن "أن الاضطراب في تفسير الطائفية وتحليلها يؤدي إلى التخبط في مواجهتها والحد منها. وعلى العكس، فإن عملية الضبط والحصر للعوامل والأسباب المؤدية لاشتعال الصراعات والفتن الطائفية يعتبر عاملاً حاسماً في تقويض الطائفية وإنهائها من مجتمعاتنا الدينية والإسلامية".

و ارتأى الباحث آل سعيد بأنه ليتم ضبط مفهوم الطائفية لابد من تفكيك المفهوم بين نمطين من أنماطها و هي  الطائفية في المجتمع والطائفية في الدولة، معتبراً أن لكل منهما طبيعته وتفسيره الخاص وأسبابه الفاعلة فيه.

و بين ال سعيد أن الطائفية في المجتمع مبني "على التنوع الديني والمذهبي وما تفرزه العصبيات والأنانيات من صراع واحتراب اجتماعي"، بينما الطائفية في الدولة فهي قائمة على "احتكار جماعة معينة للسلطة واستغلال الدين في استقطاب الولاءات و شرعنة الظلم والاستبداد".

 مبيناً أن الطائفية في الدولة "ليست إلا وسيلة استثمارية تستخدمها النخب السياسية في غمار الصراع على السلطة واكتساب المواقع".

و حظيت ورقة الشيخ عباس آل سعيد بمداخلات عديدة كان من بينها مداخلة الشيخ أحمد الدبيسي و الأستاذ محمد آل زايد و الذي أعتبر الأخير أن العنوان الذي استقى منه الباحث كان محدوداً، بينما وضح الشيخ آل سعيد بأن ما تناوله كان إشارات لما حوته الدراسة.

كما تساءل السيد إبراهيم الزاكي عن من يوظف من؟ السياسي أم الديني؟! و قد أجاب الباحث آل سعيد بأنه حينما نتابع قيام الدولة الحديثة نجد أن الطائفية تزداد، و أن صعود الإسلام السياسي يجعل الأنظمة تزيد وتيرة الطائفية، مستشهداً للحالة الطائفية التي كان يعيشها المجتمع المصري في زمن فرعون و التي لم تنتهي إلا بعد أن أسقط نبي الله موسى(عليه السلام) فرعون.

آل حمادة: الأمة بين آفاق التعايش و ثقافة الكراهية

و كان قد افتتح عرض البحوث لليلة الثانية الباحث الأستاذ حسن آل حمادة، و الذي ارتأى أن يستخدم مفردة "البغضاء" بديلاً عن "الكراهية" في دراسته التي كانت بعنوان (الأمة بين آفاق التعايش و ثقافة الكراهية)، معتبراً أن مفردة "البغضاء"، بها من السعة والشمول الكثير.

و ناقش آل حمادة في بداية دراسته جدلية (التقارب أم التعايش؟) و يقول آل حمادة "إن المبدئيين من دعاة التعايش -إن صح التعبير- يؤمنون بأن ما يُقرِّب بين أبناء الأمة الإسلامية أكثر مما يفرقهم"، إلا أنه يستدرك قائلاً "قد لا يميل البعض لفكرة نحت مصطلح "التقارب بين المذاهب"، بدعوى أن التقارب يعني ذوبانها مع بعضها؛ ليتلاشى -فيما بعد- الاختلاف، وهذا غير ممكن على الإطلاق!".

إلا أن آل حمادة ارتأى بأنه لا ضير أن يدعو عقلاء الفريقين للمسألتين معًا -أي للتقارب والتعايش-، مبيناً أن "ما يهمنا هو العمل على تجسير الفجوة بين المسلمين".

و أكد آل حمادة على أهمية وجود الميثاق في الأمة، لكي يتحقق ما وصفه بـ(التعايش السلمي بين أبنائها)، معتبراً أن تحقيق ذلك يأتي " بعد أن يتفقوا على مجمل النقاط المشتركة التي تجمعهم".

و انتقد المداخل الأستاذ محمد آل بطي ما وصفه بالـ"السردية" في دراسة الباحث آل حمادة، كما انتقد طريقة تعامله مع النص حيث عبر عنها آل بطي بأنها كانت "توظيفية" لا "توليدية"، مضيفاً أن الدراسة كانت ثقافية أكثر من كونها دراسة قرآنية.

الحبيب: روافد القطيعة مع الآخر

أما الدراسة الرابعة فكانت للباحث الشيخ محمد حسن الحبيب و كانت بعنوان "روافد القطيعة مع الآخر" و في تعليقه على عنوان بحثه قال الحبيب "القطيعة مفردة من المفردات التي يحاول الكثير الفرار منها ولو نظريا (بالقول دون الفعل ) نظرا لما يرافقها من ظلال كالانغلاق في زمن الانفتاح! والتشدد في زمن الحوار! "

و أردف الحبيب "لذا ينبغي أن لا يوصف عنوان كلمتنا (روافد القطيعة مع الآخر) بالسلبية فاللجنة المنظمة لهذا اللقاء القرآني إنما أرادت إزاحة ما علق بهذه المفردة من تصورات أو ممارسات خاطئة"

و بين الحبيب أن "القطيعة" أو "البراءة" لا تعني سلب الحقوق العامة أو الخاصة ما لم تصل إلى التعدي على الغير، وإنما هي ممارسة لحق السلطنة على النفس فكما أن له الحق في الاختيار وأداء ما يوجبه خياره كذلك الآخر يحق له ذلك إذا كان من لوازم اختياره الأمر بالقطيعة في أمر أو البراءة من فئة.

كما بين الحبيب أن الأمر بالقطيعة والبراءة لا يرتضي إذكاء نار الفتن والخصومات ولا يهدف إشعال الحروب بين الناس.

الميلاد: التأصيل القرآني للتعايش في المجتمعات المتعددة

و أختتم المؤتمر بدراسة الباحث سماحة الشيخ إبراهيم الميلاد و التي كانت بعنوان (التأصيل القرآني للتعايش في المجتمعات المتعددة)، و قال الباحث الميلاد في دراسته " إن ثمة ثلاثة جذور لواقع الاختلاف والتنوع في حياة البشر وهي بحسب طبائع الأشياء على النحو التالي : ( الطبيعة البشرية في مكوناتها الأولى حيث جبلت على الاختلاف – ما يقتضيه الانتماء الديني والمذهبي لما لهما من تأثيرات في الرؤية والرأي والموقف -  ما يحكم حياة البشر من تدافع في المصالح وتضارب في تحقيق المنافع )".

و أضاف الميلاد " إن الحياة البشرية لا تستقيم إلا بإقامتها على دعامتي ( الحق والعدل ) باعتبارهما الضابطة الجامعة للحياة الطيبة والكريمة".

و رأى الميلاد أن الموقف القرآني من ظاهرة (الإختلاف و التنوع)  يقتضي (التعايش) على مبادئ ذكر منها (حقّ استثمار الطبيعة وتسخيرها لصالح حياة البشر الطيبة)، و (التعارف)، و (التعاون ضمن إطار البر والتقوى)، معتبراً أن هذه المبادئ تشكل في مؤدياتها منطلقات الدعوة للتعايش وأهدافه وضوابط آلياته العامة , وما عداها فهي متفرعة عنها راجعة إليها.

و في ختام المؤتمر قدم عريف المؤتمر الأستاذ هاني آل زين الدين شكره للباحثين و المداخلين و المشاركين في الحضور، و ألقى المنسق العام للمؤتمر الأستاذ عبدالجليل الراشد كلمة ملتقى القرآن الكريم الختامية.

يشار إلى أن المؤتمر شهد في دورته التاسعة هذا العام مشاركة فاعلة لنخبة من رجال الدين والباحثين الإسلاميين والمتخصصين في علوم ومعارف القرآن الكريم.