من الإمام الشيرازي إلى المغيِّرين (2)

 

نختتم جولتنا في رؤى التغيير في فكر المجدد الشيرازي الراحل (أعلى الله مقامه) بالجزء الثاني من هذا المقال لتتم بذلك حلقاتها الخمس. ونضيف لما ذكرناه في الجزء السابق من العادات والصفات والمهارات التي يحتاج دعاة التغيير وقادته وممارسوه لاكتسابها وتنميتها ليفلحوا في صناعة وتحقيق التغيير الملموس على أرض الواقع ما يلي:

لا للطغيان: "على ممارسي التغيير عدم الطغيان بسبب حصول القدرة لهم.. وذلك لا يكون إلا بتوفير النفسيات الرفيعة من جانب، وهو رادع نفسي عن الطغيان، وتوزيع القدرة على الجهات الكفوءة.. من جانب آخر، وهو رادع خارجي عن الطغيان، وذلك حتى لا تطغى قدرة على قدرة، فإن القدرة إذا طغت لا بد وأن تسقط حسب موازين الله سبحانه وتعالى الكونية" (1).

لا للدكتاتورية: "ليس لممارس التغيير أن يقابل الدكتاتور بالدكتاتورية.. فالنتيجة واحدة.. وهذا هو السر في أن الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية الذين أخذوا بالزمام في الشرق الأوسط لم تتمكن من تهيئة الرفاه للناس، لأنهم على الأغلب دكتاتوريون مقابل دكتاتوريين، ومن شأن الديكتاتور أيما كان لونه التضييق على الناس.. مشكلة بلاد الإسلام بصورة عامة هي الدكتاتورية.. ولذا ينحصر العلاج في الخروج عن الدكتاتورية.. وفي ذلك اليوم الذي عالجنا فيه الدكتاتورية، وأحللنا محلها الاستشارية يعرج المسلمون من حضيض التأخر إلى مستوى الشرق والغرب بل ويفوقون عليهم ويتمكنون من إنقاذ المقهورين، لا في العالم الثالث فحسب بل وحتى الذين يعيشون في بلاد الشرق والغرب ويعانون من الطبقية والعبودية" (2). 
"إن التنظيم يجب أن يكون استشارياً من القمة إلى القاعدة.. أما قانون (نفذ ثم ناقش) فليس إلا قانون المستعمرين والمستبدين" (3).

التنظيم الجماهيري: "أن تكون مؤسسات التنظيم وعناصره ملتحمة بالجماهير، وأن ينظم طاقاتها ويقودها.. ولو فقد التنظيم صلته بالجماهير فسيعيش في الفراغ ولا يتطور، وبالنتيجة لا يستطيع تقديم الأمة إلى الإمام..  وإذا كان التنظيم جماهيرياً فالجماهير تغذيه.. فينمو ويتوسع حتى يستوعب العالم الإسلامي، وتحدث عندئذ اليقظة الكاملة والحركة الشاملة" (4).

التنافس الإيجابي لا السلبي: "يلزم أن يكون بين الأحزاب والمنظمات والجمعيات والقوى الإسلامية تنافس إيجابي في العلم والعمل وبناء الحياة وجمع الكلمة ونحوها، لا أن يكون بينهم التنافس السلبي وتتبع عثرات الآخرين، وإظهار سيئاتهم بينما نجد في كثير من التجمعات الإسلامية التنافس السلبي وذلك مما يسبب تفرق الناس من أطرافهم ولا ينالون في النهاية بغيتهم من التحرير والتقدم إلى الأمام. وقد ورد في أحاديث كثيرة الترغيب إلى ذم النفس وانتقادها، وعدم ذكر عيوب الآخرين، بل ذكر مدائحهم ومحامدهم" (5).

عدم حب الشهرة: " حب الشهرة وحب السمعة.. هذا الحب يوجب غمط حق الآخرين. إنه لا يستشير الناس حتى يقال إن هذا الشيء رأيه وهذا العمل عمله، ولذا نرى الاستبداديين والديكتاتوريين والذين نزع الله الإيمان عن قلوبهم يريدون الأنانية، يريدون الفردية، يريدون أن يقال عنهم الخير بينما يقال عن غيرهم الشر أو السوء، وعلى الأقل ألا يذكر سواهم، وهؤلاء كثيراً ما يتهمون زملاءهم حتى يسقطوهم عن أعين الناس.. القائمون بالحركة.. يجب عليهم أن يتنزهوا عن هذا الشيء وإلا فالديكتاتوريون والمستبدون ـولو برروا أعمالهم بألف مبرر ومبررـ هؤلاء ليسوا صالحين لتقديم الإسلام، فإن الشيء غير الطاهر لا يكون مقدمة للشيء الطاهر، كما أن الأساس المنحرف لا يمكن أن يكون أساساً لشيء مستقيم.. يجب أن يعرفوا إنهم إن لم يزهدوا في التنويه بعيوب الآخرين فإنهم لا ينالون الهدف أولاً، وثانياً ينفض الناس من حولهم، وثالثاً تبدوا عوراتهم، (من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه، ولو في جوف بيته)" (6).

مقابلة الإساءة بالإحسان: "مقابلة المسيء بالإحسان.. توجب التفاف الناس حول المبدأ وحول الحامل لذلك المبدأ كما قال سبحانه:﴿إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم، ولا يلقاها إلا الذين صبروا ولا يلقّاها إلا ذو حظ عظيم"  (7).

لا حاجب في الإسلام: "كلنا نعلم أن رسول الله قد استولى على سبع دول في خريطة عالم اليوم، ولم يكن له حاجب وكان كل المسلمين يتمكنون من اللقاء به في أي وقت بل كان بعضهم يسيء الأدب ويتكلم معه من وراء الحجرات، ويصيح: (يا محمد اخرج إلينا).. وكذلك لم يكن لعلي -وهو رئيس أكبر دولة في زمانه- حاجب. وقد ورد في جملة من الروايات النهي عن اتخاذ الحاكم حاجباً مثل ما كتبه أميرالمؤمنين إلى عامله على مكة قثم بن العباس قال: (ولا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك، ولا حاجب إلا وجهك، ولا تحجبنَّ ذا حاجة عن لقائك بها)" (8).

التأسي بالرسول في كل شيء: "على ممارسي التغيير أن يتخذوا رسول الله خير أسوة في كل أعمالهم إذا أرادوا انتشال الأمة من السقوط وجعلها في المقدمة بعد ما أصبحت في ذيل القافلة. لقد فعل رسول الله أموراً عظيمة سببت تقدم المسلمين، فقد تعامل مع عدد هائل من الناس الأميين الذين كانوا لا يعرفون شيئاً. ولمّ شعت مجموعة من القوميات المتحاربة.. وسار بالأمة سيراً سريعاً إلى الأمام في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها.. وجعل القوانين الكفيلة لا بحل المشاكل فحسب بل وللسير الحثيث نحو الرقي والتقدم حتى حرّر المسلمون ثلث الكرة الأرضية في أقل من ثلث قرن.. وقضى على عادات سيئة متجذرة في المجتمع الجاهلي.. وبنى جهازاً إدارياً جديداً غير مسبوق في العالم بشقيه الفارسي والرومي.. وأطلق حريات الناس في كافة شؤون الحياة باستثناء المحرمات فقط وهي قليلة جداً.. وفجر العبقريات الكامنة والمواهب الفطرية بما يناسب إصلاح العالم.. كل ذلك مع أقل قدر ممكن من العنف بل كان العنف صفراً أو كالصفر في جانب ذلك اللطف والحنان.. بلا فرق بين العنف بالنسبة إلى عدد القتلى.. أو العنف بالنسبة إلى الإنحرافات التي تحصل في أية دولة وفي أية أمة" (9).

(1) ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين، الفصل الثالث (الإسلام والتحدي الإستعماري)، عنوان "لا للطغيان".
(2) المصدر السابق، الفصل الخامس(الديكتاتورية عدو التغيير)، عنوان "لا للدكتاتورية"، والفصل الثالث، عنوان "تجنب الطفولة السياسية".
(3) السبيل إلى إنهاض المسلمين، عنوان "توحيد الحركات"، ص42.
(4) المصدر السابق، عنوان "التنظيم الجماهيري"، ص53.
(5) الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، الفصل الثامن(عوامل تأخر المسلمين في القرون الأخيرة)، عنوان "التنافس السلبي".
(6) السبيل، عنوان "عدم حب الشهرة"، ص90 - 91.
(7) ممارسة التغيير، الفصل الأول(مقومات التغيير)، عنوان "موقف الإنسان الهادف".
(8) الصياغة الجديدة، الفصل السادس(الأسس الخمسة لتقدم المسلمين)، عنوان "أسس تقدم المسلمين".
(9) ممارسة التغيير، الفصل الثالث(الإسلام والتحدي الإستعماري)، عنوان "اتخاذ الرسول خير أسوة".