مسلسل معاناة الطلبة، المبتعثين للدراسة في الخارج مع ملحقايتهم

 

الابتعاث الى الخارج إحدى ابرز القضايا الهامة التي قامت عليها خطط التنمية وأحدى أبرز المسائل الحضارية في معركة العلم والمعرفة حيث شكل الابتعاث مساهمة في حركة التنمية والوعي والثقافة في المجتمع.

بلا شك الابتعاث يفتح آفاق الفكر وتبادل الثقافات لينشأ جيل يستطيع أن يتعامل مع الواقع الحالي الذي لا يقبل الانغلاق أو التقوقع على ثقافته فقط،، بل التعرف على ثقافة الغير، وأن تستفيد من الخبرات العالمية وتحولها إلى خبرات ذاتية متطورة لخدمة الوطن  والمجتمع ثانياً. ومن هنا كان لبرنامج الابتعاث فائدة كبرى، لكنها لا تخلو من السلبيات . أحيانا تعترض طريق المبتعث مشيراً هنا من البداية،وهي استخراج الفيزا وحتى حين لحظة وصوله إلى بلد الابتعاث.

ان في الغربة. بعيداً عن الأهل والأصدقاء والأحباب، وبعيداً عن وسائل الإعلام ، يعيش آلاف الطلاب السعوديين في غربتهم، أملاً في تحصيل دراسي ناجح، وأملاً في الوصول إلى الهدف الذي رسموه لأحلامهم ومستقبلهم، عملاً أو مكانة أو علماً.

سأتحدث في هذا المقال عن بعض السلبيات والمشاكل التي تعترض مسيرة المبتعثين و أتمنى راجيا أن تصل للمسؤولين حتى يتمكن البرنامج من تحقيق أهدافه المرجوة.

تبدو الصورة غير واضحة المعالم، مع ندرة ما يكتب وينشر عنهم في الصحف والوسائل الإعلامية الداخلية، يبدو الطلاب وكأنهم في عالم آخر، لا يتم الحديث عنهم إلا حين ينشر خبر حادث مروري أدى إلى وفاته، أو طرد آخر، أو سجن ثالث، ، إلا أنه وفي ثنايا تلك الحياة اليومية الشاقة، ثمة أحلام وآمال، ومشاكل وأزمات، لا يدري عنها الكثيرون الا من عاصر مثل تلك المشاكل وحدثت له واقعيا سواء مبتعث أو مرافق.

ولايزال مسلسل معاناة الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج مستمراً ويزداد من عام لآخر، وما إن ينتهي فصل من فصوله في دولة من الدول حتى يبدأ فصل آخر من المعاناة في دولة أخرى وغير ذلك من المعاناة الدائمة ومشاكل كثيرة تعترض تحصيلهم الدراسي الجامعي والأكاديمي .

فكيف نطمح الى أبنائنا بأن يتقدموا في تعليمهم وينجزوا مهماتهم الدراسية اويتحصلون على براءة اختراع أو غيره. من تحصيل علمي عالمي رفيع وتعترضهم مثل تلك المشاكل التي تؤخر تحصيلهم هذا.

ولعل من أولى المشاكل التي كشفت عنها رسائل الطلاب المبتعثين هناك، قلة تواصلهم مع الجهات الإعلامية هنا، وعدم وصول صوتهم إلى المسؤولين في طنهم ، مما يزيد من أزمتهم، وإحساسهم بالبعد والغربة، وهو ما تجلى برسائل عتاب على فتح مثل هذا الموضوع للنقاش، وعلى فرصة إيصال صوتهم بعد طول انقطاع أسوة بباقي الطلاب المبتعثين من الدول الأخرى.

الذين يتوفر لهم إعلام ومتابعة وتواصل بينهم وبين ملحقياتهم الثقافية في دول الابتعاث نحن لانقيس أبنائنا بباقي الدول الأخرى، من حيث زيادة أعداد المبتعثين ،ولكن لابد من وضع خطة تقوم على موازنة الإعداد المتزايدة من حيث زيادة الموظفين في الملحقيات للقيام بمهم ومتطلبات هؤلاء الطلبة الذين تحملوا هذه المشقة بحثا عن العلم وزيادة في المعرفة والتعرف على المجتمعات الأخرى وهذا يصب في مصلحة الوطن.

المبتعثون. مواطنون عليهم واجبات ولهم حقوق، ويجب أن ننظر لهم نظرة عادلة بأنهم مواطنون يحتاجون لرعاية خاصة، خاصة أنهم يعيشون بعيداً عن الوطن والأهل من أجل التحصيل العلمي . و لا بد للملحقيات الثقافية من أن تلعب دور علاقات عامة حاضنة للمبتعثين وحل قضاياهم لا زيادة متاعبهم فوق غربتهم.

معاناة الطلاب المبتعثين مع ملحقياتهم في الخارج يحتاج الى وجود تحالف بين الكتاب الصحفين وكافة وسائل لاعلام الغائبة عن هذه المعاناة ، ليشكلوا قناة من التواصل لتسهيل وصول هموم المبتعثين ومعاناتهم الى المسؤولين مباشرة سواء كان ذلك عبر مقالة او تقرير مرئي او مقروء في احدى صحفنا المحلية او قنوات التليفزيون،أ وتخصيص قناة تليفزيونية تخص المبتعثين خاصة ان اعداد المبتعثين يزداد مما اصبحت لنا مادة نستطيع من خلالها تزويد هذه القناة بكافة هموم ومشاكل الطلبة من خلال هذه الوسائل.

يتطلب الابتعاث الخارجي ما هو أكثر من إيفاد عدد من أبناء الوطن للحصول على علوم ومعارف حديثة ومتطورة، حيث لا بد للملحقيات الثقافية من أن تلعب دور علاقات عامة حاضنة للمبتعثين ،

وينبغي أن تكون بمثابة ملجأ وملاذ ضامن لكل مشكلات تعترضهم بدلا من أن تكون هي نفسها مشكلة على نحو ما أعرب عنه عدد من المبتعثين عن استيائهم من تهميش الملحقية الثقافية لمطالبهم المتكررة ، وشكواهم من عدم سرعة التفاعل معهم والرد على رسائلهم والبطء في إرسال الضمانات المالية أو الصحية التي تتعلق بمواصلة دراستهم، وأوضحوا أن هناك تهميشا واضحا للإيميلات المرسلة من قبلهم أو الاتصالات المتكررة التي يجريها المبتعثون لمتابعة إجراءاتهم وحقوقهم.

ومن المفترض لتسهيل هذه المعاناة إنشاء خط  ساخن يربط هؤلاء المبتعثين  بالملحقيات ، ويفترض أن يتقبل ويتعامل مع الوارد من المشكلات والقضايا بمرونة وسرعة لا أن يصل بهم الحال الى مرحلة التهميش وذلك يعني انشغال الملحقية والعاملين فيها بهموم تصرفهم عن السبب الرئيسي لوجودهم وهو خدمة أبنائنا في الخارج ، فيما ينبغي على الملحقية أن توفر أفضل البيئات وهي، صفاءً ذهنيا ونفسياً لهم من أجل تركيزهم فيما ابتعثوا من أجله.

أجد نفسي أذكر الملحقيات ووزارة التعليم العالي بأن هؤلاء المبتعثين بمثابة رصيد علمي لنا وينبغي أن يحصلوا على أفضل الخدمات بمجرد مغادرتهم ارض الوطن، وتسخير كل الجهود من أجل أن يحصلوا على الأفضل ويأتوا به الى بلادنا والمساهمة في صناعة مستقبلها بحسب تطور العلوم في بلدان الابتعاث، فهم ناقل معرفي مهم نحتاجه حاضرا ومستقبلا من أجل تطورهم ويكون رافدا مهما في عملية التنمية العلمية والاقتصادية، وإذا ذهبوا ووجدوا أنفسهم في دائرة مغلقة لا نتوقع منهم إلا الإحباط والمعاناة .

و برغم من وجود بوابة للمبتعثين الا ان هذا لايكفي ولازال يوجد قصورا من بعض الملحقيات فكلما زاد عدد الطلاب مع توقف مثل هذه الخدمات ازدادت المشاكل والمعاناة .

فكم عانى الطلبة و المرافقين من إيقاف مخصصاتهم المالية بحجة عدم إرسال جداولهم الأكاديمية التي يقسمون بأغلظ الإيمان بإرسالها أكثر من مرة للمشرف الأكاديمي وكم عانى المبتعثين من جهل المشرفين بأوضاعهم الدراسية ،و إهمال متابعة الطالب دراسياً ، مثل  تأخير معاملة ، تضييع معاملة ، مماطلة في التعويض ،و في إجراء بعض العمليات  الخ... من مشاكل وهموم لهؤلاء المبتعثين.

فلكثرة الطلبات و الإيميلات التي يستقبلها المشرفين تجد انهم يبادرون برفض أي طلبات يتقدم بها المبتعث تقاعساً منهم عن مطالعة الملف الأكاديمي و رؤية ما إذا كان المبتعث مستحق لما طلب أم لا. وان بعضهم يرد ولكن لا يعلم ماهو فحوى ذلك الايميل فيهمش ويطنش ذلك المبتعث وهو في تلك الحظة محتاج لهذه الخدمة وبضرورة قسوة ربما تكلفة إقصائه بعد ذلك من البعثة والسبب إهمال وتهميش هذا الموظف لطلب هذا المبتعث وغفلته.

 يجب ان تكون هناك آلية تنظيم للعمل بشكل أفضل وتحسين اداء بعض الموظفين ومحاسبتهم على التقصير لأنهم ينالون مستحقات عالية من رواتب ضخمة وتامين صحي مجاني وسكن والخ... يفوق مخصص الموظف الحكومي داخل الوطن.

والاهم ما  يجب العمل عليه حالياً ،هو العمل على تحسين العلاقة بين المبتعث وموظف الملحقية, علاقة الإنسان بالإنسان.إن إطلاعي على تجارب وقصص حصلت مع المبتعثين تبين وجود فجوة وجفاء وقسوة غير مبررة من بعض موظفي الملحقيات وبين المبتعث ،والذي يجب ان تتوفر له كافة التسهيلات وهو في غربته و يريد انهاء تحصيله الدراسي ان يتم وينجز بكل يسر وسهولة كي يعود الى وطنه ويقدم لوطنه ما تحصل عليه من علم ومعرفة وثقافة اجتماعية ايجابية اكتسبها وهو في بلاد الغربة وتجربة خاضها بعد هذه المعاناة معاناة الألم ولغربة عن الوطن والأهل والأحبة.

فالمبتعث دائماً مايشتكي من كسل موظفي الملحقية في الرد على مكالماتهم الهاتفية و رسائلهم الإلكترونية من جانب وعلى انعدام ابسط أدبيات التعامل الحضاري من بعض موظفي الملحقية من جانب أخر. فللأسف يوجد البعض من موظفي الملحقية ممن يستحق إعطائه تذكرة نهائية وبدون رجعة هذا كله نقرأه ونسمعه من أبنائنا الطلاب في دول مختلفة ولمسناه وتعايشنا معه،.

 كما إن معاناة الطلاب في الخارج لاتقتصر على هذه المشاكل فحسب ،فتزيد المعاناة أكثر في قلة المنحة المالية التي لاتكفي الطالب مقابل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في البلد التي يدرس فيها مقارنة بالمبتعثين من دول الجوار.نحن لا ننكر إننا نتميز عنهم بالتامين الطبي  الشامل للمبتعث ومرافقيه وهذا يكفيه من عناء المراسلات المتعبة مع قسم العلاج في الملحقية والتي ينتج عنها أحياناً تأخر بالدفع مما يحمل المبتعث الكثير من المتاعب المالية والقانونية.ولكن هناك سلبيات كثيرة يتسبب بها موظفي المحلقيات .

وأن المبتعث وكأنه ليس بإنسان وأنه يطلب حسنة من هذا الموظف،  و لا يستحق الحياة. هذا حال بعض موظفي الملحقية مع الأسف. والذي تفاجأ عند الحديث معه بأنه أكاديمي متخرج  من ارقي الجامعات العالمية لعدم لباقته في فن التحدث مع الآخرين وان له تجربة أكاديمية تحصل عليها في جامعات عالمية تعلمه ابسط الأخلاق في التعامل مع هؤلاء المبتعثين وخاصة انه يعيش بين شعوبا المتعارف عليها إنها تعامل الإنسان معاملة راقية تتلخص في الأمانة والصدق والإخلاص والنظام في العمل .

هذه المعاملة السيئة تعود إلى أسباب كثيرة. إن كان هذا الموظف غير سعودي أو لأسباب ترجع إلى عدم مبالاته أو الاستهتار بالطالب، ان بعضهم تعتقد أنه مهمته لأساسية تكمن في تحويل حياة  هذا المبتعث إلى جحيم حتى يلعن اليوم الذي فكر فيه بقبول البعثة.

ان هذه المشكلة بعد استبيان وافي من جميع الطلبة الذين تجاوبوا معنا  والتجربة التي مررنا بها إن هذه المشكلة هي النسبة التي تشكل عائق للمبتعث في تحصيل علمه بنسبة كبيرة ، وهذه المشكلة تعيق البعض في تحقيق الحلم الذي تحملوا المعاناة من اجله، في الغربة من تعب نفسي وجسدي من أبناء وبنات وهو امتهان وإهانة لهؤلاء الطلبة .

فالطلبة والطالبات يأملون بأن تكون هناك آلية فاعلة، آلية مفتوحة على مدار الساعة لاستقبال أي شكوى ترد من أي منهم ومن أي مدينة كانت، سواء على الجانب الأكاديمي أو الجانب الأمني أو الجانب الاجتماعي أو الجانب الاقتصادي . ان المغترب هو مغترب في النهاية ومحتاج الى ابسط الخدمات.

وان تهيئة حالته النفسية هي العمود الفقري لمواصلة هذه الرحلة الشاقة. فإذا نحن راعينا هذه الحالة، فإن بمقدورنا أن نعين هؤلاء المبتعثين على إكمال مشوارهم بسلام والعودة غانمين موفقين بإذن الله الى أوطانهم. أما اذا تركناهم في مهب رياح الوحدة والااهمال والتهميش والمماطلة، فإن النتيجة الحتمية هي عودتهم خالي الوفاق، وبذلك نضيفهم كأرقام جديدة الى قائمة البطالة والعجز الوطني.هذا كله نقرأه ونسمعه من ابنائنا الطلاب في دول الغربة وأيضا لمسناه وتعايشنا معه ،فمن يوصل صوتهم .

ادالم يقف الإعلام بكل وسائله من اجل تحقيق حلم وطموح ومستقبل هؤلاء الشباب الذين يحملون على عاتقهم  أمانة وطنية ومن اجل تقديم أرقى وأفضل الخدمات لهذا الوطن و المساهمة في حركة التنمية ، والوعي والثقافة في المجتمع ،بعد هذا العناء والتعب النفسي والجسدي الذي يعانوا منه كل يوم وهو ُيصبح ويمسي بعيدا عن أهله وذويه وأحبته وفوق كل هذا وذاك لا يجد من يقدم له ابسط تلك الخدمات الذي هو بحاجة إليها وهو في بلد الغربة.

 لهذا نأمل من وسائل الإعلام، الاهتمام بهذه القضية  وتسليط الضوء عليها،و من اجل أبنائنا  ووطننا الحبيب الذي يتطلع لهؤلاء المخلصين من أبنائه في الرقي بمستقبله وخدمة مجتمعه فيجب ان يستيقظ الإعلام ويخصص جانب من برامجه أو قناة من قنواته للتحدث عن معاناة هؤلاء الطلبة الذين محتاجون لمثل هذه الوقفة الإعلامية والبث في قضاياهم في تخصيص على الأقل رسالة مباشرة يومية تتحدث عن معاناتهم ومشاكلهم لكي تصل إلى المسؤولين بسرعة،حتى يحاسب المقصر في عمله ولا تتكرر تلك المعاناة للمبتعثين الذي  يجد النسبة الأكبر منهم تأخير تحصيلهم العلمي في بلاد الغربة بسبب تقصير هؤلاء.

وفق الله أبنائنا وبناتنا في هذه المهمة الصعبة وهذا الجهاد العلمي  المقدس وكل هذا من اجل الوطن ومجتمعه حرسهم الله وأعانهم على هذه الأمانة الشريفة المقدسة.

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية