«يتيم من غرفة الولادة » الحلقة السابعة


وصلوا إلى البيت ومحمد يراعي مشاعر أخيه الذي فقد حبيبته في ساعة ولادتها فتوجه بالرضيع نحو جدته التي كانت تستعد لاستقباله استقبالاً حارًا
تفضلي يا أمي إنه يشبه والده.

أخذته وقبلته في جبينه وهي تبكي وتقول : رحم الله أمك لقد فارقت الحياة يا ولدي وتركتك يتيما لكن أنا أمك يا علي..
تأملت في وجهه الصغير وهي مفجوعة.. جعلك الله خلفا لأمك وذخرا لأبيك.

جعل الله مثوى أمك الجنة.

دمعت عيناها كالسيل على وجنتيها والرضيع يبكي وجدته تبكي هي تسكته وهو يقول أتسكتِ أنتِ لكي اسكت أنا لم بكاؤك؟.

توجهت بوجهها لولدها محمد قائلة اتصل بجدتهِ وخالاتهِ وأخبرهن بقدومه.. ساعد الله قلوبهن على فقد ابنتهن.. هذا خلف لأمه اتصل يا ولدي وأخبرهن ليأتين لرؤيته فهن أصحاب العزاء جدته لا تكف عن البكاء لقد كانت تنتظر البشارة بمولده فبُشرت بموت أمه.

*****

زهير يكرههُ من أعماقِ قلبهِ ويبتعد عنه من اليوم الأول الذي جاء فيه للحياة ويتساءل بينه وبين نفسه كيف أحبه؟ وهو الذي كان السبب في حرماني من أمه!!.
كيف أحن عليه وهو الذي حرمني من حنان أمه؟.

لا لن أحبه ولن أحـن عليه إنه طفل حقير أكرهه أكرهه.. لن أتعطف عليه ولن أدنو منه.

ينظره في حضن جدته يبكي وفي قلبه يقول تبكي؟ لطالما بكيت وستظل تبكي دون أن يلين لك قلبي، لا لن آخذك من جدتك ولن أحملك على كتفي، أنت تستحق الموت كفى ما فعلته بأمك.

أنت العدو الذي فرق بيني وبين حبيبتي، مصيرك ستندم على فعلتك وسأنتقم منك.

هذا العدو القاتل يريد أن يستحوذ على قلبي لكن لن أمكنه منه لن أعطيك ما تريده..

أنت لست ولدي.. أنت القاتل.. أنت القاتل.. لا أريدك ولا أريد رؤيتك.. لا يمكن أن تحل محل حبيبتي في قلبي.. أتمنى لك الموت!!.

تكفل عمه محمد بجلب الحليب إليه عوضًا عن والده وبديلا عن حليب أمه.. وتكفل بمداواته وعلاجه.. وشراء ملابسه .. وحال الصغير يسأل عن والده لعله يعود من سفره وغيابه..

أو يتفرغ من عمله ويأتي لرؤيته ويأخذه معه .. ويحن عليه ويأتيه باللعبة والدراجة التي وعده بها حين كان يقول لزوجته سأشتري له دراجة.. ويهتم به كما قال ووعد حبيبته.

آه منك يا قاسي القلب يا عديم الإحساس.. أنا ابنك الذي كنت تنتظره وتتمنى ألا يكون عقيلة أو بتول، هأنا جئت ولدا يا زهير لم لم تنفد وعدك لم لم تكن صادقا معي كما كنت تقول.

تكفلت جدتهُ أم زهير بتربيته واحتضنته، فما أغلى من الولد إلى ولد الولد، حنت عليه من أعماقها مع صعوبة ما تحتاجه التربية من جهد وقوة وحنان ورأفة.. فرغت نفسها إليه عوضًا عن أمه.. ترضعه بمرضعته وتنظفه وتسبحه وترافقه أثناء خروجها وزياراتها للجيران.

عماته يجلبن له كل جديد من الملابس واللعب.

بدأ علي حياته يتيمًا منذ الساعة الأولى لخروجه إلى الدنيا ونشأ في حضن جدته العجوز فاقدًا لحنان أبيه وأمه.

بدأ ينمو ويفتح عينيه في دنيا مليئة بالضباب لا يعرف فيها غير جدته وبعض الزائرين المتعطفين بحنانهم عليه ليتمه.

بدأ علي يمد يده نحو اليمين لفراشه لعله يمس جسد والده ويشعره بوجوده.. بدأ يبكي بصوتٍ عالٍ وكأنهُ ينادي والدهُ ليأخذهُ إلى الطبيبِ يعالجهُ ويحن عليه.

يئس من عودةِ أمه التي غيبها الموت وبدلها بجدته.
وبدل والده بعمه المشغول بعائلته.

تخلى والده عنه وتركه لأمه المسنة وأهمله منذ الساعة الأولى لولادته وهو رضيع.. لا يحاكيه ولا يحبه.. ولا ينظر إليه.   

تعدى علي شهره السابع وهو في حضن جدته وبدأ يناغي ويتكلم بصعوبة.. وكلماته الأولى بابا.. بابا.. ماما أين أنتِ .. جدته تناديه وتلبي طلبه وتسرع إليه وتناغيه.. أنا أمك وأبوك.. أنا سأربيك وألبي طلبك.. أنا من يُركبك على لعبتك.. أنا من سيأتي لك بالدراجة.. أجلس يا ولدي وسأشتري لك ما تريد.. جدتك هي من تلاعبك وتحتضنك وتغذيك وتهتم بك كما ربت والدك وأعمامك.

بدأ علي يصارع الحياة ويحاول الوقوف ببنيته الضعيفة وعِظامهُ النحيفة.
بدأ يعتمد على نفسه بنفسه وحاله يقول أنا سأقف على قدمي.
أنا سأتكلم وسأدافع عن نفسي.
أنا الذي سأكتب حروف دربي.

نما ساعة بساعة في حضن جدته وتحت رعايتها لا تغفل عنه، أنت ولدي، وأمانتي، وأنا سعيدة بك لقد شاركتني وحدتي وإن كان المرض يصارعني إلا أنني لن أتنازل عنك.