الحرمان السياسي

 

 

الحرمان كما تشرحه معاجم اللغة هو خسران حق ، أو المنع من الحصول على المطلب، فيما يصفه القانون بأنه تجريد الشخص من حق ، أما الحرمان السياسي فهو احتكار فئة معينة للسلطة بتشكيل جدار ممانعة يمنع انتقالها إلى فئة أخرى أو يمنع تشكل قوى مماثلة ومؤثرة تتقاسم السلطة السياسية أو تشارك فيها بفعالية ،لتصبح السلطة أحادية تفتقد للمشاركة الشعبية التي تمثل كافة أفراد المجتمع وفصائله المختلفة.

إن الحرمان السياسي اليوم ، لا يختلف كثيراً عن أنواع الحرمان الأخرى التي يعاني منها الإنسان وكما أن هناك آثار خطيرة وسلبية لتلك الأنواع من الحرمان فإن الحرمان السياسي أيضاً له آثار خطيرة على المجتمعات تمتد إلى كافة مفاصلها وتصبح عاملاً أساسياً ومهماً في تكوين شخصية الفرد وسلوكياته وانطباعاته عن الأحداث المتخلفة ، خصوصاً اذا ما اتصف هذا الحرمان بالتراكم والاستمرار .

إن من أهم ما يفعله الفرد بصورة غريزية هو المقارنة ، فالإنسان يميل دائماً بطبعه إلى استحضار المقارنات المختلفة ، خصوصاً في تلك القضايا التي يعتقد أنها تمثل جروحاً حقوقية في جسده ، فيندفع ليقارن مجتمعه بالمجتمعات الأخرى التي تغيب فيها مثل هذه الجروح ، الأمر الذي يجعل العديد من التساؤلات تقفز إلى ذهنه مباشرة عن أسباب وقوع  هذا الحرمان عليه ، ليتبلور هذا الأمر لاحقاً لدي أفراد المجتمع كحاجات مُلحة تبدأ بالظهور التدريجي على شكل نشاطات مختلفة ومتنوعة منظمة أو غير منظمة تصب جميعها في النهاية نحو رفع هذا الحرمان والعمل على علاج آثاره.

حينما يصبح الحرمان السياسي سائداً في مجتمع ما ، فإن الشخصية الاعتبارية للسلطة تصبح شخصية مهترئة وغير متضحة المعالم لأن السلطة تُختزل في أفراد بعينهم ، فالسلطة تعني تلك الفئة ، وتلك الفئة تعني السلطة ، فتخرج السلطة من التعميم إلى التخصيص وهذا له تأثير بالغ في المجتمع يتمثل في إعادة تعريف مفاهيم هامة تحت طائلة  الحرمان السياسي مثل الولاء والمواطنة التي تُختزل هي أيضاً - كما هو الحال في السلطة المختزلة - من مفاهيمها الواسعة إلى مفهوم أحادي ضيق فيصبح الولاء والمواطنة مرتبطان بقبول الفرد من عدمه بالسلطة السياسية دون أدنى اعتبار لعوامل أخرى مثل الولاء للأرض والمجتمع الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لإعادة تعريف العديد من المفاهيم الهامة تحت نفس الطائلة .

تتجاوز آثار الحرمان السياسي هذا الأمر لتصل إلى شريان مهم وحيوي يلمس شأن الناس الخاص بصورة مباشرة وهو الشريان الاقتصادي والتنموي ، فعدم وجود قوى مؤثرة ومتشاركة للسلطة يعني أن السلطة السياسية تغيب عنها الرقابة الخارجية التي تأتي من خارج جسدها القانوني والتنظيمي وبالتالي فإن مقدار التنمية التي يمكن أن تقوم بها هذه السلطة يعود إلى الرغبة الذاتية لديها من عدمها ، ويصبح دور الفرد في المساهمة والتأثير في هذا الشريان محدوداً وغير ضاغط بسبب الحرمان السياسي وما انبثق عنه من إعادة تعريف للمفاهيم الاجتماعية الهامة سابقة الذكر ، الأمر الذي يساعد في ترهل الروابط بين السلطة والفرد.

إن الحرمان السياسي لا يقتصر فقط على التعريف سابق الذِكر ، حيث أن هذا الحرمان يتلون ويتنوع في صور عديدة تتسرب إلى مفاصل حياة الفرد ، فالصورة العامة للسلطة السياسية تُستنسخ بصور هرمية في كافة المرافق وتصبح أنموذجاً يتم تقديمه للفرد على أنه النموذج الواقعي الذي لا مفر من تطبيقه مع وجوب الانصياع له والتسليم به.

إن حالة الحرمان السياسي هي المسؤول الرئيس عن حالات الصدام المستمرة بين الفرد والسلطة في محاولة الفرد لأخذ مكانه الطبيعي كنواة أساسية في بناء المجتمع الذي يُفترض أن يفرز نظاماً سياسياً لا ينتهج الحرمان السياسي كأحد المبادئ التي يؤمن بها ، فحالة الصراع بين الفرد والسلطة في هذا الإطار هو صراع مستمر يمر بحالات من الفتور والانتعاش وفقاً لمؤثرات مختلفة لكنه لا ينطفأ ولا يتوقف .

معلم حاسب