بين العقل الغربي والشرقي

 

 

 

 

حينما نتحدث عن العلم وعن العقول ونقارن بين علماء الشرق وعلماء الغرب وبين أنفسيهم نجد أنه لا فرق بين العقلين ولا بين النفوس ولا بين الأجساد سواءً كان الأشخاص متفوقين أو أغبياء، أصلهم من امرأة ورجل وقد يكونون إخوة، وكما هو الفرق والتفوق بين التوأمين المختلفين في نسبة التفوق والذكاء والجمال والخلق والكرم حينما تنظر للمتفوق منهما تجدهُ شبيه أخيه في الشكلِ ويطابقهُ في المواصفاتِ الخلقية مثلما يشبه الرجل الغربي الرجل الشرقي في شكلهِ وفي مواصفاتهِ الخلقية فقد يكون هذا اسمر وذلك أصفر وقد يكون هذا أحمر الون وذاك حنطي، والسبب في تفوق زيد من الناسِ على نظيره عمر هو بسبب استغلال المتفوق الأول لأجزاء وقدرات من عقلهِ أكبر من التي يستخدمها نظيرهُ غير المتفوق كان الآخر غافلاً عنها فبقي متخلفًا، فتفوِقُ زيدٌ كان بسبب الاستغلال للمساحة المتاحة من العقلِ وليست بسبب المكان الذي يعيش فيه ولا الزمان ولا العرق ولا الانتساب لعائلة أو دولة، ولو قدمت فاكهة السفرجل القاسية إلى شخصين وطلبت منهما أكلها في وقتٍ محددٍ وكان أحدهما من الغربِ لكن أسنانهُ متساقطةٌ والآخر من الشرقِِ وأسنانهُ سليمةٌ وجيدة وطلبت منهما البدء في المسابقةِ في أكلها فإن الرجل الشرقي صاحب الأسنان السليمة سيتفوق على نظيرهِ الغربي بسبب تساقط أسنانهُ لا بسبب كونهُ غربي أو شرقي وقس ذلك على العلم والفهم.

هنا نبدأ بتقسيم الأشخاص إلى ثلاثة أقسام رئيسة (شخص ذكي) و (متوسط الذكاء) و (غبي) والغبي لا يطلق على الإنسان الأمي الذي لا يقرأ ولا على من لا يمتلك المال وإنما الغباء قد يحدث بمرض أو بظروف نفسية ووراثية أو لابتلاء في العقل والقدرات وغيره، وقد صنف أمير المؤمنين علي عليه السلام الناس في قوله: (الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق) .

وعلى الشرقيين أن يثقوا بأنفسهم وعقولهم وقدراتهم ولينظروا إلى أنفسهم بنظرة المتفوق العالم القدير ولا يتقبلوا بتصنيفهم من الدرجة الثالثة (وكما يقول البعض من الشرقيّين لو وُجدتَ درجةُ عاشرةُ لأصبحنا منها) وهذا تصنيف انهزامي غير صحيح، وعلينا بالنظر إلى علمائنا ومفكرينا وساستنا ومراجعنا واُدبائنا الذين اُتيحت لهم الفرصة في إظهار قدراتهم العلمية والعقلية والكتابية كيف أنتجوا؟ وكتبوا المئات من الكتب حتى وصل تأليف بعضهم إلى ألف مجلد بعضها يدرس في الجامعات الغربية إلى يومنا هذا وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أنه لو اُتيحت لنا الفرصة بالتساوي بين الغربِ والشرقِ لتساوينا معهم في العلم وفي الصناعة وفي التغيير وفي التطور، ولعلنا نحن الشرقيون ننتج ونتفوق ونصنع ونتقدم على الغربيّين في الصناعةِ وفي المصانعِ وفي العلمِ مع العلمِ أن العقل هو العقل في تركيبته إلّا أن الحرية التي أُتيحت إلى تلك العقول الغربية قابلها قمع وكبت عند الشرقيين وهذا ما أمات التفكير وأنهى قيمة العقل والتدبر في الشرق، ومن جهة أخرى نجد التعليم العالي في الدول الغربية أكثر تطورًا ورقيًا مما نتعلمهُ نحنُ في الشرق، ولو قارنّا بين طالبين يدرسان في المرحلة المتوسطة أو الجامعة، طالبٌ من الضفةِ الشرقيةِ والآخر من الغربِ فإنكَ أخي القارئ ستفاجأ وتُصاب بالخيبة بسبب الفارق بين المستويين في العلم وفي الفهم وفي الثقافة وفي الثقة بالنفس، وهذا هو الوتد المفقود والحلقة الوسطى للتوازن البيني، الطالب الذي يتعلم في الغربِ يتعلمُ لكي ينتج بعلمهِ ويصنع ويخترع ويتعامل مع الصناعةِ بما تعلمه، والطالب الشرقي الذي يتعلّم يتعلم لكي يحصل على الوظيفةِ ويأكل  من علمهِ فقط ولا يفكر في الصناعة ولا في الاختراع، ولو أُتيح للشاب الشرقي من العلم والدراسة مثل ما أُتيح للطالب الغربي من الإمكانيات والدراسات العليا لعل الطلبة الشرقيين يتفوقون على نظرائهم الغربيين في العلم والصناعة بسبب القيم والإخلاص التي يتمتعون بها.

وأحد الأسباب في تخلفنا العلمي والصناعي في العالم العربي والإسلامي هو تخلف الكثير من المسئولين على مر التاريخ الذين يسيّرون هذه الأمة إلى مسار خاطئ بخطئهم في فهمهم للحياة، والدليل على ذلك إن أغلب من هاجر من الدول العربية إلى الدول الغربية للدراسة تفوق في علمهِ وفهمهِ ومركزهِ سواءً كان المغترب طالبًا في الطبِ أو ما خص الصناعة وإن نُسبة صناعته وعلمه إلى البلد الذي يقيم فيه أو نسبة صناعته إليه ومن أشهر المهاجرين منير نايفة أستاذ الفيزياء في جامعة ايلينوي تصدى لإيجاد


جواب عن سؤال ريتشارد فاينمان الذي يعد من أعظم علماء الفيزياء في القرن العشرين.

وفخري البزاز، يشغل كرسي أستاذ علم البيولوجي في جامعة هارفارد.

لقد تقدمت الصناعة الغربية وهذا أمر لا ينكره عاقل وسجل الرقم القياسي في الصناعة التي سابقوا بها الزمن في وقتٍ نحنُ تخلفنا وتراجعنا بسبب مناهج التعليم والأجواء السياسية الميتة وتدني مستوى التعليم لأغلب المسئولين عن التربية وهذا ما عكس تخلف المسئول على المتعلم ونزع من نفسه الثقة.

في أحد البرامج التلفزيونية التي كنت أشاهدها على شاشة التلفاز عُرضت صناعة لإحدى الدراجات الهوائية وتم تركيبها في زمن قياسي لم يتعدى (36) ستة وثلاثين ثانية وكانت الدراجة جاهزة للاستخدام!!.

ونحن في الشرق عاجزون عن صناعة حاجياتنا الأساسية وإن صنعنا فبأيدي أجنبية 99% وذلك ليس نقص في الأشخاص ولا تخلّف في العقول لكن الغربيين توفقوا في التّعليم وفي قوانينهم ودساتيرهم ونجحوا في الوقت الذي نحن لا نستطيع النّقد البّناء في قوانيننا العربية والإسلامية.