هل قرأتم التاريخ عندما اعتقلتم النمر؟!

 

 

 

لم يكن السجن يوماً أو الاغتيال عائق لأي حراك أو ثورة على مر التاريخ، لو قرأ الطغاة و الجبابرة التاريخ جيداً لتمعنوا أن أساليبهم متقاربة لبعضها و أنها لم ولن تنجح أبداً. فمعظم المناضلين في العالم تعرضوا للسجن، بل إن منظرين النضال في عصرنا الحديث قد خطوا دساتير النضال من داخل سجونهم، و غالبهم كان نصره قد كتب في اللحظة الأولى التي أقدمت فيها تلك السلطات على سجنه أو اغتياله.

الصمود و السلمية.. ينتج شعب لا تهان كرامته:

عام 1930 قاد غاندي مئات من اتباعه سيرا على الأقدام في " المسيرة الى البحر" (200 ميل) ، حيث قاموا باستخراج الملح من مياه البحر احتجاجا على قانون أصدرته الحكومة وقضى بمعاقبة كل شخص يوجد بحوزته ملح غير مباع عبر الحكومة . خلال الحرب العالمية الثانية تابع غاندي نضاله اللاعنفي من اجل تحرير الهند بقيادة أعمال العصيان المدني ضد كل قرار اعتبره جائرا بحق الشعب. وقد سجن لآخر مرة في عام 1942. وبلغ مجموع المدد التي قضاها في السجن لأسباب سياسية سبع سنوات. وكان يقول "انه من الفخر ان يذهب الإنسان إلى السجن من اجل قضية محقة". في عام 1947م منحت بريطانيا الهند الاستقلال بعد سنوات طويلة من النضال الوطني بقيادة المهاتما غاندي.

طال الزمان أو قصر الشعب لابد أن ينتصر:

و قبل عامين احتفلت جنوب افريقيا بالذكرى العشرين لخروج نيلسون مانديلا من سجنه، حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة (المؤبد) بتهمة التخطيط لعمل مسلح، و خلال سنوات سجنه السبعة وعشرين، أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمزا لرفض سياسة التمييز العنصري. وفي 10 يونيو 1980 تم نشر رسالة استطاع مانديلا إرسالها للمجلس الإفريقي القومي قال فيها: "إتحدوا! وجهزوا! وحاربوا! إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري"، في عام 1985 عرض على مانديلا إطلاق السراح مقابل إعلان وقف المقاومة المسلحة،الا أنه رفض العرض . و بقي في السجن حتى 11 فبراير 1990 عندما أثمرت مثابرة المجلس الإفريقي القومي، والضغوطات الدولة عن إطلاق سراحه بأمر من رئيس الجمهورية فريدريك دكلارك الذي أعلن إيقاف الحظر الذي كان مفروضا على المجلس الإفريقي . وقد حصل نيلسون مانديلا مع الرئيس فريدريك دكلارك في عام 1993 على جائزة نوبل للسلام. و نجح في الوصول الى سدة الحكم عبر انتخابات ديمقراطية، فكان أول رئيس اسود في جنوب القارة السمراء.

رسالة مارتن لوثر من سجن برمنغهام:

قضى الدكتور مارتن لوثر كينج تسعة أيام في سجن برمنغهام، تلك المدينة التي كان اسمها يجلب صورة التمييز و الفصل العنصري، و قلب صورة الدم و خراطيش الماء و الاعتقالات التعسفية بحق السود، إلى صورة النضال من أجل العدالة و الحرية، فعل ذلك من خلال رسالة كتبها رداً على ثمانية رجال دين بيض شجبوا في صحيفة برمنغهام نيوز احتجاج الدكتور مارتن لوثر السلمي مطالبين بوقف التظاهرات المطالبة بإلغاء قوانين الفصل بين السود والبيض في النضد الطويلة، رسالة مارتن لوثر كينج و التي قال فيها "هناك نوعان من القوانين: العادلة والجائرة. وتقع على عاتق كل امرئ مسؤولية أخلاقية بعصيان القوانين الجائرة". أصبحت رسالته بدورها مصدراً يستمد جيل جديد من المضطهدين في العالم الشجاعة والإلهام منه. فقد كان الفصل العرقي وسياسة التمييز العنصري مدعومين بقوانين واضحة الجور والظلم، لأنها تشوه الروح وتؤذي النفس. وكان علاج الدكتور مارتن لوثر كينج لذلك: عمل مباشر لاعنفي، الوسيلة الوحيدة المشروعة دينياً لإظهار الظلم الفاضح للعيان بحيث يصبح من الممكن رؤيته ومعالجة أمره. ورغم أن الدكتور مارتن لوثر كينج اغتيل بعد هذه الرسالة الأسطورية بخمس سنوات في مدينة ممفيس، كانت فلسفته قد انتصرت وسحقت قوانين جيم كرو العنصرية. وانتهى الأمر بأن تُرجمت "رسالة من سجن مدينة برمنغهام" إلى أكثر من 40 لغة لتكون سفر للمضطهدين و المظلومين.

هل قرأتم التاريخ؟!

و أمام كل هذه الشواهد التاريخية الكبيرة، نرى اليوم السلطات في بلادنا تقدم على اعتقال سماحة آية الله الفقيه الشيخ نمر باقر النمر(دام ظله)، و الذي يمثل رمزاً دينياً و سياسياً و اجتماعيا كبيرا في منطقة القطيف و سائر العالم الشيعي، و الذي فجر باعتقاله بركان غضب شعبي كان هادئاً منذ فترة، و نتج عن محاولة اغتياله مسيرات و احتجاجات ضخمة أدت لاستشهاد حتى إعداد هذه المقالة ثلاثة شبان هم من خيرة أبناء مجتمعنا؛ سبقهم لعرس الشهادة ثمانية آخرين.

و رسالتي من خلال هذه المقالة هي أن السلطة تقرأ التاريخ بطريقة خاطئة، إن مواصلة التعنت في تلبية مطالب المواطنين، بالإضافة لاستفزاز مشاعرهم عبر اعتقال رموزهم الدينية، و التعدي على حرمة الحوزة العلمية الشريفة عبر محاولة اغتيال آية الله النمر، و تلفيق التهم عليه، يؤدي بلا شك لتعقيد المشكلة و تعميقها، و أن الحل لا يكون إلا عن طريق تلبية مطالب المواطنين و الإفراج عن المعتقلين السنة و الشيعة و على رأسهم سماحة آية الله الشيخ نمر باقر النمر(دام ظله)، و محاسبة المتورطين في سفك دماء أهلنا و أخوتنا في القطيف الجريحة، بدل الهروب من لب المشكلة عبر اتخاذ أساليب قمعية غايتها إسكات صوت المجاهرين بالمطالبة بالحقوق المدنية التي كفلتها الشرائع السماوية و القوانين الدولية.