الحسن كنز المغفرة

 

 

 

قمرٌ أودعه الله في رحم القداسة والطهارة، لم يُرى له في الحُسن نضير، فاق جماله كل حُسن فهل يُلام من سماه (الحسن)؟!، قطعة ملائكية تزف لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ليعلمنا مراسيم الولادة، آية الشروق وصفاء المحيا،  كيف لا وهو ابن فاطمة (تفاحة الفردوس والخلد)؟!، تفيء كنف الرسالة واستنشق عَبق النبوة وعبيرها، بل هطلت عليه آيات السماء منذ نعومة أظفاره : (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا)، وهل توقفت آيات الذكر عن تبيان مكانتهم وفضلهم؟!

أما أعداءك يا أبا محمد لم تتوقف الآيات عن قدحهم وذمهم، ويكفي أن نزلت فيهم آية واحدة : (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا)، امتدت  جذور هذه الشجرة الخبيثة لتغتصب بأذرعها القذرة مقدرات الأمة حتى نهبوا خُزانة بيت المال وفرقوها على الأقارب ومن طاب لهم من الأصحاب وأنفقوها لتزوير الحقائق وشراء الذمم، حتى روج في الآفاق أن سيد شباب أهل الجنة (مذل المؤمنين)، والطليق ابن الطليق (خال المسلمين) و(كاتب الوحي الأمين)؟!

(متى آمن الطلقاء؟!) حتى يكونوا أسياد الأمة ويتبوءوا مناصب الخلافة ويُخلع السبط الكريم (عليه السلام) من منصبه عنوة، وهل آمنت هذه الأسرة (وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) والتاريخ  يشهد على أقوالهم وأفعالهم المشينة؛ فهذا شيخُ الطلقاء (أبي سفيان) يُصرح قائلاً : (يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار) !!
 
وهل كان صنوه المبجل حينما تربع على كرسي الخلافة أقل منه سماجة؟! كلا فقد هتف مجلجلاً دون حياء مخاطباً جموع المسلمين : (مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا, وَلَا لِتَصُومُوا, وَلَا لِتَحُجُّوا, وَلَا لِتُزَكُّوا, وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ, وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ, وَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَهُ كارِهوْن)، فهل يُرتجى من أمثال هؤلاء سلامة الدين والخوف على بيضته ؟!

عاصر الإمام الحسن (عليه السلام) طواغيت لا حد لشيطنتهم وعانى منهم ألوان الجور، حتى طعن فخده بـ (الخنجر)، ولفقت عليه الأباطيل والتهم ووزعت عليه الألقاب المشينة، حتى أن الشائعات وصمته بـ (المطلاق) وأن علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) حذر أهل الكوفة منه بقوله : (لا تزوجوه فإنه مطلاق)، وكل هذه الأكاذيب لفقت بأصابع أموية مغرضة تستهدف ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومن يقرأ حياة الإمام الزكي (عليه السلام) يٌلاحظ ضعف هذه الأباطيل الواهنة.

وهل هدأت فاغرة النفاق عند هذا الحد، بل سلوا السيوف لمبارزة أمير الجنة وسبط النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) معلنين حرباً لا هوادة فيها ضد الإمام (عليه السلام) حتى كان الـ (صلحُ) أقل الأمرين، ولم يسلم منهم حياً ولا ميتاً فالنبال التي حُصدت من جنازته الطاهرة بلغت الـ (سبعين) أو يزيد على ذلك.

وفي ذات الحكاية وقبالة آية المودة : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) تطل عجوز برأسها من خدرها قائلة : (لا تدفنوا في بيتي من لا أحب)، وخلد (ابن عباس) هذا الموقف المشين بقصيدة لاذعة يقول فيها : (تبغلت تجملت ولو عشتي تفيلتي لكِ الثمنُ من التسعِ وبالكل تصرفتي)، ولا يخفى أن حديث (إن الأنبياء لا يورثون، ما تركوه فهو صدقة) كان لمخاصمة فاطمة (عليها السلام) في إرثها من فدك وإلا لما جاز لابنة الخليفة المزعوم أن تبقى لحظة في دار الرسالة.

لم يكن يزداد الإمام المجتبى (عليه السلام) رغم كل هذا الإجحاف والاستخفاف إلا حلماً ومغفرة، ولقد ورد في الزيارة : (وَصَبَرْتُمْ في ذاتِ اللهِ وَكُذِّبْتُمْ وَاُسيءَ اِلَيْكُمْ فَغَفَرْتُمْ)، هذا هو معدن الطهارة فهل تؤوبُ الأمة وتعودُ لرشدها؟! وتتمسك بمنهل هؤلاء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، أم تبقى الأمة مصرة على الأحقاد التي تتوارث طول السنين؟!