شيعية مديرة مدرسة... هل تكون "بيضة ديك"؟!

 

 


مع قرب انطلاق العام الدراسي الجديد؛ وفي بادرة غير متوقعة، أصدرت إدارة التربية والتعليم في المنطقة الشرقية، قراراً بتكليف إحدى بنات محافظة القطيف كأول مديرة مدرسة تنتمي إلى الطائفة الشيعية تتبوأ هذا المنصب. فضجت المنطقة بهذا القرار، ما بين مُتهكم ساخر، ومُستبشر فرح.

نظر الفريق الثاني إلى أن هذه الخطوة كوة انفراج في تاريخ أبناء الطائفة الشيعية على مستوى المملكة، بعد تهميش وإقصاء لها على امتداد عقود من السنين مضت، وتجاوزت الخمسة في مجال التربية والتعليم، فسعُد هؤلاء بهذا القرار، بل أن فيهم من رأى واجب الشكر لمن أصدره، معتبرين أنه مؤشر على خروج تعليم البنات في المملكة من هيمنة المتدينين المتشددين، الذين يتخذون موقفاً متطرفاً من الشيعة. وظل تعليم البنات تحت هيمنتهم لعقود، وهو أحد شروطهم للموافقة على تعليم المرأة أوائل الستينات من القرن الميلادي الماضي، الذي كانوا يعارضونه في بدايته. حتى تم دمج تعليم البنات مع تعليم البنين، تحت مظلة وزارة المعارف (التربية والتعليم لاحقاً).

أما الفريق الأول (المُتهكم)؛ فقد نظر لهذا القرار بنظرة المرتاب المشكك في أهميته، وأسبابه، وضآلة ما يحققه من طموحات. وأنقل للقارئ هنا بعض ملامح تلك النظرة من خلال ما وصلني وما قرأت:
• بعد 11 شهيداً حصلت القطيف على أول مديرة مدرسة شيعية، ما شاء الله! لازم نفرح ونشكر من تكرم علينا! طيب كم شهيد لازم نقدم حتى يصير منا وزير؟!
• لا يجب ان نعطي هذا التعيين أهمية، وكأنه إنجاز، بل هو ذر الرماد في العيون، لكي (..) في المحافل الدولية كإصلاح. أعتقد انه شيء لا يذكر أمام مطالبنا العادلة وحقوقنا المسلوبة.
• إحدى مناطق المملكة تحتفل بتعيين 11 وزيراً منها، ونحن نحتفل بتعيين مديرة مدرسة!
• حتى يعلم العالم بحجم وبشاعة مظلوميتنا، وبساطة مطالبنا؛ يجب أن نحتفل – ونحن في عصر الربيع العربي – بتعيين أول مديرة مدرسة شيعية!
• فتات الخبز لا يُجدي نفعاً الآن!
•  تمخض الجبل فولد فأراً!
• ما أحقر من يُسرق رغيفه ثم يُعطى فتاته، فيشكر سارقه ويبجله!
• هل نفرح بفتات خبز والقرص كله مسروق!

وغير ذلك من أشباه هذه التعبيرات.

أيضاً تعددت الرؤى حول صاحب الفضل في تحقق هذا الحلم، الذي طال انتظاره! فما بين من ينسبه لمطالبات بعض أبناء القطيف الغيارى الذين يحملون حس المسؤولية، ويسعون دائماً عبر تواصلهم مع المسؤولين، ومقالاتهم، وخطبهم، ومشاركاتهم في اللقاءات الوطنية نحو المطالبة بحقوق أبناء الطائفة. وبين من ينسبه للحراك السلمي خلال الأشهر الماضية، وبين من يرجع فضله لدماء الشهداء التي سالت، وبين من يعزي ذلك (وهم قلة قليلة) لتنبه الجهات المسئولة إلى أهمية رأب الصدع ومحاولة إصلاحه - وإن جاء متأخراً -، خصوصاً بعد إطلاق مبادرة خادم الحرمين الشريفين، لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب.

ما أود قوله؛ انه مهما تباينت الرؤى في استقبال الحدث، والتفاعل معه، كذلك في صاحب الفضل فيه؛ أجد أن من الأهمية بمكان أن يحكمنا قبل كل شيء التفاؤل بما تحقق، انطلاقاً من الحديث الشريف "تفاءلوا بالخير تجدوه". والنظر للغد بعيون جميلة يملؤها الاستبشار بغد أجمل، يأتي مع إصرارنا على المضي قدماً نحو غاياتنا، مع التأكيد على أن الحقوق تنتزع ولا تؤخذ، إن لم تعطَ.
وإذ نتيقن أن الحقوق لا تجزأ أبداً؛ بالمقابل يجب أن لا يلهينا هذا الكسب الذي أقل ما يقال عنه انه متواضع للغاية؛ عن الاهتمام بقضايانا الجوهرية الهامة، أو اختزالها وتجزئتها، أو التراخي عن المطالبة بحقوقنا كاملة كطائفة، والتي هي من صلب الحقوق الإنسانية المشروعة، ولم نطالب يوماً بما هو أبعد منها. وأجد أن أهمها – وأكدت على ذلك في أكثر من موقع – الاعتراف رسمياً بالمذهب الشيعي في البلاد، وتجريم ومحاسبة كل متطاول على معتنقيه، وعدم حرمانهم من المشاركة الفاعلة في عملية اتخاذ القرار باعتبارهم مكوناً من مكونات البلاد، عبر تولي الكفاءات منهم مناصب رفيعة. وهنا لا بد من اتخاذ تدابير ملائمة عاجلة، تصحح الوضع غير المتوازن، القائم من خلال ممارسات أو إجراءات تمييزية، سواء مُعلنة أو غير مُعلنة.

وبالتالي تتحقق كل من المساواة التامة بين المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والمناطقية، وتفرض التنمية المتوازنة وجودها في كافة أنحاء البلاد، ويغدو العمل بمبدأ تكافؤ الفرص، بما يحكمه من الجدارة والإخلاص معياراً أساسياً للمواطنة.

وحين ذلك ستكون مثل هذه الترشيحات بمستوى يليق بكفاءة المنتميات إلى المذهب الشيعي، وخبراتهن التعليمية، وإخلاصهن، وقبل ذلك بحقوقهن، وليس بترشيح واحدة – أو حتى عشر – من بين آلاف يعملن في سلك التربية والتعليم، فترشيح واحدة فقط لا يكفي، ولا يمثل تحقيقه إلا مطلباً ضئيلاً جداً لا يحقق عدالة ولا مساواة، ولا هو بمستوى ما لنا إعمالاً بالحقوق المُعترف بها، خصوصاً بعد هذا الانتظار الطويل، والأثمان المدفوعة.

هنا نستحضر تعيين أحد أبناء الطائفة الشيعية في منصب سفير قبل أكثر من عقد، لأول مرة في تاريخ السلك الدبلوماسي السعودي، كي يمثل المملكة في العاصمة الإيرانية طهران. حينها ثارت ضجة مماثلة لما يُثار اليوم، إثر تعيين شيعية مديرة لمدرسة. قبل أن يتبين أن ذلك التعيين لم يكن سوى "بيضة ديك" كما يقال في المثل الشعبي. فلم يتم بعدها تعيين شيعي واحد في السلك الدبلوماسي، فضلاً عن أن يكون في منصب سفير.