صفعة

سأترك الأثر..حتما سأترك ، قال ذلك لنفسه و هو يحرك رجليه ببطئ شديد على تلك الأرض الرطبة الملوثة بمياه المجاري ، كان يحدث نفسه بطول الطريق إلى بيته ، وصل ، فتح الباب برجله و دخل ، بيته بيت بسيط ، ليس بالواسع و لا بالضيق ، ليس بالمترف و لا بشبيه بيوت الصفيح ، إنما يكفي العائلة و حسب .


ما يحدث للجيران دائما ما يشكل هما له ، فإبن الجيران طرد والده من البيت حينما قرف منه لسكره المتكرر و تبذير ما يجمعونه من نقود على الـ”السم الهاري” كما يسميه الإبن ، و الٌآخر أخذ يحاسب والداه اللذان تعودا ضربه عندما يخالفهم في أي شيء .


أبناء الجيران تمردوا ، هكذا كان يتحدث والدي و هو يرتشف الشاي المنعنع ، ينزل رأسه و ينظر لي من فوق إطار نظارته الذهبية عتيقة الطراز و يحدثني كل يوم بقوله : إن كانت يدور في رأسك مثل ما يفعله هؤلاء الحثالة .. ستضطرني لأن أربيك من جديد يا “حمار“.. .


أبتسمت اليوم إبتسامة صفراء و هززت رأسي بالنفي ، و همست لنفسي بـ أن لا حول إلا بالله ، لم تكن تعجبني تلك الألفاظ حقا بل كانت تستفزني ففي مخيلتي كنت أسرع إليه و أقبض بيدي على رقبته و أنا أصرخ به : أتهددني أنا !! أنا الحمار !! ، من أنجب الحمار يا محترم ، ألقاه أرضا و أكمل الصريخ ، تعلم و ثقف نفسك..الإنجاب من بني الجنس ، الحمار ينجب حمار و الإنسان ينجب أنسان .


غادر خياله لينتبه ليده المقيدة خلف ظهره ، كانت عيني والده كالجمر في إحمرارهما ، كان يصرخ بشكل هستيري ، حلقه كان بعرض قدر الطبخ لكم الدم الذي كان يضخ بتلك العروق ، يصرخ بإبنه المقيد : يا حقير..تمسك بحلقي أنا !! أنا الحمار الذي أنجب حمار ، لم يبقى إلا ذلك ، إن كنت تحسبني مثل الجيران يا أحمق فأنت مخطئ ، سأفهمك كيف تتعلم و تتثقف ، رفع يده عاليا و ضرب الولد على خده بقوة ، أتبع الضربة بلكمة على ظهره ، و ما زال يضربه حتى باتت يده تلطخها دماء إبنه .


نهض الإبن بعد أن كان يتوسد الأرض من الآلام التي فتكت به ، كان الإبن قد بلغ السيل به مبلغه ، أسرع و أمسكه من شعره ، شده و أخذ يجره معه ناحية باب المنزل ، فتحه و ألقاه خارج المنزل بركلة  نالت مؤخرته ، و صرخ : عندما تكن محترم ، ا متحكما بيدك و مهذب اللسان عد لنا و سنرى أمر عودتك ، و أغلق الباب في وجهه .


بكى الأب و جلس على الرصيف و نظر حوله ، تنبه أن الجيران المطرودين حوله ، حرك أحدهم رأسه ناحيته و سأل : ها ما السبب يا أخ ؟ أشاح بوجهه و أجاب : عنف يا أخي عنف ، صفعه على رأسه و ضحك له ثم قال له : مرحبا بك معنا..إستمتع يا رجل فالايام طوال بيننا .