صراع تحت القمّة

 


كثيرا ما تحدث الصراعات في حياتنا اليومية، وهي ظاهرة طبيعية تحدث دائما في أي جماعة نتيجة لإختلاف في وجهات النظر، أو اختلاف المصالح، أو البحث عن السلطة والسيطرة وبسط النفوذ، أو الرغبة الجامحة في تحقيق المكاسب الشخصية على حساب المصالح العليا .

وبالرغم من أن الصراع في بيئة العمل يمكن النظر إليه على أنه أحد الأشكال الرئيسة للتفاعل في إطار نسق التنظيم الإداري، إلاّ أنهُ يمثل إرباكاً وتعطيلاً للعمل ولوسائل اتخاذ القرار بشكل يؤدي إلى صعوبة المفاضلة والإختيار بين البدائل، بيد أن وجود الصراع عند مستوى معين يعتبر حافزاَ للأداء والإنتاجية، كما أنه يُعد أحد مصادر القوة المُحركة للأفراد والجماعات لا سيما في إطار نجاح سياسة إدارة الصراع بالمنافسة، ولكن وصول الصراع إلى مستوى عالي من الإحتدام تترتب عليه بالضرورة آثاراً سلبية أكثر منها إيجابية .  

وهناك عوامل عديدة تلعبٌ دوراً فاعلاً في ظهور الصراع داخل بيئة العمل كأن يكون الصراع بين فرد وفرد، أو جماعة وأخرى، أو بين أقسام متعددة، ولكل حالة من هذه الحالات أسبابها الخاصة بها، ومن الأسباب المُحتملة لظهور الصراع وتفاقم حالته : سوء الفهم بين مكونات النسق الإداري، أو عدم وضوح خطوط الإتصال وقنواته، فالإتصال الجيد يساعد على التقليل من المخاطر، ويجنب بيئة العمل ما قد يترتب عليه من نتائج سلبية.

كما أن من المعوقات التي تواجه عملية الإتصال الإداري الفاعل وتتسبب في ظهور الصراع الفروقات بين الأفراد، فقد يختلف الأفراد في مستوى إدراكهم لعملية الإتصال، كما قد يختلف الأفراد باختلاف اتجاهاتهم الشخصية التي ربما تتخذ أشكالاً متعددة كالإنطواء، وحبس المعلومات، والمبالغة في تخطي خطوط الضوابط العامة التي تحكم وتنظم مُفردات بيئة العمل.
ولكن إنّ الأمر يزداد سوءاً إذا ما نشأ الصراع بين من يحتلون الصدارة في مفاصل التنظيم الإداري، لأن الصراع هنا يتخذ أشكالاً " عنقودية " يصعب ولا أقول " يستحيل " على الإدارة العليا تفكيك مكوناته، وتحييد عناصره الفاعلة والمؤثرة، ولا سيما إذا كانت الرؤية غير واضحة المعالم بالنسبة للصراع لأن اللاعبين يتقنون أداء أدوارهم التمثيلية على خشبة مسرح العملية الإدارية بكل جدارة واستحقاق.  

ربما تسارع " الإدارة العليا " إلى التخلص من بعض عناصر الصراع لأنها تعتقد وفقاً لمفهومها، واستنتاجها، وما توفر في محفظتها الإدارية من معلومات، بأنها بهذا الإجراء السريع والمباشر قد تمكنت من تفكيك " خلية الأزمة " من خلال إفساد مفاعيل رأسها المدبر وأذرعته المساعدة، وهذا إجراء يُحسب لصالح الإدارة العليا لأنها لم تعاقب التنفيذيين، أو الذين في خطوط الإشراف الأول، بل ذهبت برؤية ثاقبة إلى التنظيف من الأعلى – كغسيل الدرج - وليس من الأسفل كما يحدث في أغلب الأحيان.

ولكنها ربما مع مرور الوقت أقول – ربما – ستكتشف أنّ خلايا الأزمة الضاربة بجذورها في عمق التنظيم الإداري تقوم بتغيير جلدها، وشكلها، ووسائلها، بين فترة وأخرى بهدف التضليل والنجاة من الوقوع في قبضة المتربص بجنفها، حتى يتسنى لها الإستمرار في بلوغ أهدافها التي لا قعر لها على الإطلاق، بهدوءٍ تام دون ضجيج أو لجيج، وهنا مربط الفرس!!

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية