معجزة الإدارة بالقلب

 

لقد كان مديراً مُتسلطاً، وكانت طباعه الغليظة تُرهِب كل من يعملون معه،وقد لا يعرف البعيدونعن المسرح المباشر لبيئة العمل التأثيرات المدمِّرة لترويع العاملين، ووضعهم تحت الضغط النفسي الهائل لأتفه الأسباب، كما أنهم ربما لا يدركون كذلك ماذا يعني سيطرة الرؤساء المتكبرين على مجريات الأمور، ولكن في هذا السياق يمكننا التعرف على بعض الخسائر نتيجة لذلك الإسلوب الفوقي في الإدارة مثل : نقص الإنجازات، وهروب الموظفين إلى أوساط أخرى طلباً للشعور بالأمن النفسي والوظيفي، والتجاوز في الأوقات المحددة لإنهاء المهمات، وكثرة إرتكاب الأخطاء، وعدم الحرص على توخي الدقة والجودة في مخرجات العمل، واللامبالاة، والتفنن في إظهار الولاء الوظيفي المزيّف.
  
يُعتبر حساب الجدوى/ التكاليف في الذكاء العاطفي من الأفكار الجديدة نسبياً في عالم الأعمال، بل لربما أن هناك من بين المدراء على اختلاف مواقعهم على الخارطة التنظيمية لا يزال ينظر إليه بأنه كنوعٍ من الترف الإداري الذي لا ضرورة له،  ولقد أُجرِيَت دراسة على 250 مديراً تنفيذياً في سبعينات القرن العشرين -  كما يذكر الكاتب " دانيال جولمان " في كتابه ذكاء المشاعر – للتعرف على مدى أهمية المشاعر في تعاملهم مع مرؤوسيهم، فذكر معظمهم أن عملهم يتطلب " الرأس وليس القلب " .

وقد قال أغلبهم أنهم يخشون أن يجعلهم الشعور بالتقمص أو التراحم في صراع مع أهداف المؤسسة التي يعملون بها، ورأى أحدهم أن الإحساس بمشاعر من يعملون تحت إشرافه تُعتبر " فكرة باطلة " لأنه يعتقد بأن التعامل مع الناس مستحيلاً، وقال آخرون بأنهم إذا لم يتميزوا بعزل مشاعرهم عن الموظفين فإنهم لن يتمكنوا من اتخاذ القرارات الصعبة والمصيرية.

واليوم ومنذُ ثمانينات القرن الماضي قد ولّت السيادة الإدارية للهرم الإداري الجامد والمصاب بالصمم العاطفي الذي كان يحترم ويُكافئ " المدير المُناور " عديم المبادئ، الأبله المشاعر، فقد بدأ هذا الهرم العجوز في التفكك تحت الضغط الحامي والمشترك للعولمة وتكنولوجيا المعلومات، وأصبح " المدير الفنّان " في مهارات الإتصال والمعاملة الراقية هو الذي يمثل مستقبل عالم الأعمال في المؤسسات الحكومية، والخاصة على حدٍ سواء. 
 
والآن أرجوك أن تمسح كل الذكريات الأليمة، والأفكار السقيمة - إن كنت ممن عايش أحد هؤلاء المدراء المناورين، أو كنت أحدهم–وأن تركز على الفوائد التي يجنيها العمل من المهارة في الكفاءات الإنفعالية الأساسية، كالتناغم مع مشاعر مع من تتعامل معهم، والقدرة على منع الخلافات من التصاعد، والقدرة على الدخول في حالة من الإنسياب والمرونة في أداء الأعمال والمهام الموكلة إليك، فالقيادة ليست سيادة مطلقة، إنما هي فن إقناع الآخرين بالعمل نحو تحقيق هدف مشترك دون شعورهم بالقمع والتبعيّة البلهاء، وعدم القدرة على توجيه النقد البنّاء، والخوف حتى من التنفيس في الخفاء والعياذُ بالله !!.     

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية