صحوة المهمّشين في العمل

 

من المؤسف جداً أن يتخذ البعض من التهميش وسيلةلترويض الطاقات التي قَدَرها أنها تحترمُ ذاتها، وتقيم علاقاتها مع الآخرين مهما كانت صفتهم على أساس قاعدة  ( أربح/ أربح –WIN-WIN ) ولا تجيد فنون مسح الجوخ، أو التبعيّة البلهاء، أو التملق، أو أن تسمح لنفسها بأن تكون " صفراً " في المعادلة الوظيفية والتأثير المتبادل، أو أن تلعب دور المزيف للوعي الإداري في بيئة العمل من أجل تحقيق أهداف " صاحب السعادة " أوغيرذلك من الوسائل التي يؤمن بها بعض " المدراء والمشرفين " في كافة مستويات الخارطة التنظيمية في هذا العمل أو ذاك، في تعاطيهم مع مفردات البيئة الوظيفية من حولهم.

إنّ ممارسة هكذا إسلوب إداري في بيئة العمل ينطوي على مخاطر رهيبة بل ومُخيفة في ذات الوقت، لا يعي أبعادها إلاّ من وفقه الله للقيام بالتحليل العلمي والموضوعي لطبيعة التفاعلات البشرية، والإلمام العميق بتركيبة النفس الإنسانية المعقدة إلى أبعد الحدود، وإدراك الآثار المدمِّرة للحرمان العاطفي، والشعور بالإمتهان المقصود والمُخطّط، وتجاهل قوة وتأثير الكرات المرتدة، وردود الأفعال، ولا سيما المستترة منها.

إنني مع ما يُسمى في التربية بـ " المكافأة السلبية " من أجل تصحيح السلوك، ومُساعدة "الهدف " على إعادة شحن ذاته بالطاقة الإيجابية، والقيام بالمراجعة الدقيقة لوضعه الراهن من أجل مواكبة الأهداف النبيلة الشاملة لكافة مكونات بيئة العمل، ولكن أن تتحول تلك الممارسة إلى تهميشٍ مُهين، وتجاهلٍ قذر، ورسالة عدوانية صارخة، وفقاً للثلاثية البغيضة " تجويع، تطويع، تركيع " فهذا من شأنه أن يجلب الويلات على الأفراد، والأداء، والإنتاجية، ويضرب الروح المعنوية الجامعة في مقتل ولو بعد حين.

من المفيد حتماً أن يقوم " المدير أو الرئيس " في إطار مسئوليته الإدارية والإشرافية بـ  " إعادةالتنشئة الإجتماعية " لمن هم داخل إطار دائرته الإشرافية، سواءً من خلال إسلوب الإدارة بالقدوة، أو بالتوجيه المباشر، أو عن الطريق التدريب بأنواعه المختلفة، من أجل سد الفجوة الثقافية والتربوية بين عناصر بيئة العمل للوصول إلى درجة أعلى بينهم من الإنسجام، والتناغم، والتعاون، والفهم المشترك.

إنما ما لا يجوز إطلاقاً تحت أي مبررٍ كان أن يتم وضع هذا الموظف أو ذاك تحت الضغط البطيء، أو التذويب القسري، أو التهميش والتشتيت، أو الإغراق والإحراق، أو القضم المنظم، أو التشويه والتسفيه، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى شيوع مشاعر الكراهية والبغضاء،والزيف والتمثيل، بدلاً من مشاعر المودة والتألف، والولاء الوظيفي الرشيد.

ليس عيباً أن يستدرك من يمارس مثل هذه الأساليب الإدارية سلوكه، ويقوم بالمراجعة الوازنة لتعاطيه مع من حوله، ومن هم في ذمته الإنسانية، ومسئوليته الإدارية، بل العيب كل العيب أن يستمر في استحسان هذا العبث الإشرافي الذي لا ينم إلاّ عن غيابٍ مرير للمسئولية التي هي أمانة معلّقة في عنقه إلى يوم يبعثون، فالأصل في العملية الإدارية هو تحقيق العدالة، والإنصاف في بيئة العمل، بعيداً عن الشللية، ووكالة قالوا، ومحلات بيع قطع غيار الأداء الرديء، والمزاج الشخصي، والعلاقات البراغماتية، والمتسلقون على مصائب الآخرين، والإنصات لأصحاب الضمائر المتاجرة بهمم الرجال والمنافسين، حتى ولوعكست مظاهرهم البريئة مسحة من تديُّن، أو صورة من زهد، أو ومضة من نور. إحذروا صحوة المهمشين أرجوكم.


 

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 4
1
بوفاطمة
[ السعودية - الخبر ]: 25 / 5 / 2013م - 4:35 م
انت رائع كلام في قمة الذوق الى الامام
2
ابراهيم علي الشيخ
26 / 5 / 2013م - 12:52 ص
الأخ الفاضل : أبو فاطمة
بل أنت المتفضل بمرورك الجميل ، ومتابعتك الطيبة ، تحياتي لك وتقديري
3
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 27 / 5 / 2013م - 3:00 ص
الأستاذ ابراهيم / وفقه الله

المهمشون دائماً صامتون ، قابعون في الظل ، و لكن في بعض الأحيان كثرة الضغط قد تولد الإنفجار !
كثيراً ما نطالب بحقوقنا و نسى حقوق الآخرين ، خصوصاً البسطاء و المهضومين .
لفتة كريمة منك ، و شعور كبير بالمسؤولية ليست غريبة عليك يا عزيزي .
4
ابراهيم علي الشيخ
30 / 5 / 2013م - 1:26 ص
الأستاذ المتذوق للثقافة والفن والأدب
شكراً لك على تواصلك الأخوي المحمود عند أخيك ، وأعتقد أن المهمشين هم في يقظة دائمة ، والصحوة هنا ملازمة وليست طارئة على وعيهم ..
يارعاك الباري ووفقك
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية