محطات في كتاب (الشيعة العرب: المسلمون المنسيون) (4)

 

 

إن جميع سياسات الأنظمة العربية تدعي المساواة بين المواطنين إلا أنه دائما يوجد هناك مواطنون حقوقهم أقل من آخرين ومنهم الشيعة حيث أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في العديد من هذه الدول وإن كان بدرجات متفاوتة من الحرمان والتمييز.في ظل هكذا ظروف تكونت بعض القناعات المشتركة لدى الشيعة العرب على شكل مطالب قدموها لمختلف السلطات في بلادهم وما زالوا ينادون بها حتى هذا اليوم، بينما تنحصر خياراتهم الاستراتيجية في الوصول إلى هذه المطالب في خيارات محدودة تحتاج إلى تأمل كبير قبل الإقدام على أي عمل في هذا المجال، وهذا ما نتطرق له في هذه المحطة الأخيرة من محطاتنا في هذا الكتاب.

 

#006600 ; mso-fareast-font-family: Wingdings; mso-bidi-font-family: Wingdings">Ø      #006600" lang=AR-SA>مطالب الشيعة العرب:

إن من أشد معضلات الشيعة العرب أنهم إن رفعوا مطالبهم وشكواهم – التي هي  في أغلبها مطالب وطنية عامة لا محصورة عليهم كطائفة- اتهموا بـ "الطائفية، وتدمير الوحدة الاجتماعية، والسعي في إثارة القلاقل وعدم الاستقرار في الدولة" والدعوة لـ "الأجندة الشيعية"، وإن هم صمتوا عن المطالبة بحقوقهم الوطنية والمذهبية لم يفدهم ذلك ولم يلتفت أحد لتحسين أوضاعهم المتردية! (1)

ويرى المؤلفان أن عددًا قليلاً فقط من مطالب "الشيعة" السياسية والاجتماعية هي مطالب خاصة بالشيعة، وأن أغلب مطالبهم تصب ضمن النسق "الوطني" العام الذي تستفيد منه جميع فئات المواطنين الآخرين في الوطن العربي.

كما يريان "أن أكثر ما يهم الشيعة هو المساواة"، وأن الحاجة للديمقراطية والتحرر هما أكثر الأهداف السياسية والاجتماعية المشتركة بين الشيعة العرب (2).

#c00000" lang=AR-SA>وإذا أردنا تلخيص المطالب "الشيعية" الرئيسية في المجمل نجدها تتركز في خمس نقاط متواضعة:

1) حق المساواة في المواطنة.

2) إنهاء التمييز.

3) الإصلاحات الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان.

4) حقوق الأقليات: لاسيما إتاحة حرية التعبير،والحريات الدينية.

5) معالجة آثار الطائفية السياسية: وذلك باتخاذ بعض السياسات المؤقتة والانتقالية لصالح الشيعة – على غرار السياسات الأمريكية تجاه مواطنيها السود بعد إقرار إنهاء التمييز ضدهم-  لتعويضهم عن سياسات التمييز واللا مساواة السابقة، ولتصحيح المعادلات الناتجة عن أخطاء الماضي، ولخلق مناخ ملائم للعدالة الاجتماعية.

"لكن لن يكون هناك أي اعتبار لذلك طالما أن الأنظمة الاستبدادية في هذه الدول لا تجد حوافزًا لتغيير النظام" (3).

 

#006600 ; mso-fareast-font-family: Wingdings; mso-bidi-font-family: Wingdings">Ø      #006600" lang=AR-SA>الاستراتيجيات المتاحة للشيعة العرب:

"إن وجود أهداف مشتركة – للشيعة العرب- لا يشير]بالضرورة[ إلى وجود برنامج مشترك أو جهد مشترك للتخفيف من حدة هذه المشاكل"،وذلك لاختلاف الظروف التي يواجهها الشيعة في كل دولة، ولتفاوت درجات التمييز الذي يعانون منه في كل منها(4). 

ففي البلاد التي يشكل فيها الشيعة أقلية، فإن مهمتهم السياسية هي أن يسعوا لتحرير المجتمع السني نحو نموذج اجتماعي وسياسي لا يميز ضد الأقلية الشيعية مما سيسمح للشيعة بأن يعبروا عن أنفسهم بشكل حقيقي مع الحفاظ على الاستقرار الأمني في ذات الوقت. ومن مصلحتهم أن يعملوا كذلك في سبيل: بناء الثقة المشتركة بينهم وبين الأطراف الأخرى، وإقرار المشاركة العادلة للشيعة في الكيان السياسي، ومكافحة التمييز بشكل فعَّال.

أما الدول التي يشكل الشيعة الأكثرية فيها، فإنها ستواجه "مشكلة سنية" تتمثل في عدم تقبل الديمقراطية لأنها سوف تتطلب "التنازل" عن جزء من القوة والتركيبة السياسية التي كانوا يسيطرون عليها لقرون متطاولة من حكم الأقلية السنية لصالح الأكثرية الشيعية بعد تغيير التركيبة السياسية للتحول لنظام أكثر عدالة وتمثيلاً.

ويرى الكتاب أن إدامة المجتمعات السنية لحالة اللامبالاة إزاء ما تمارسه الأنظمة ضد الأكثرية الشيعية تخلق وضعًا اجتماعيًا وسياسيًا محتقنًا وقابلاً للانفجار في أي لحظة، خصوصًا عندما يصل الشيعة للاعتقادبأنه لا يوجد أمل بالتوصل لحل متفاوض عليه وأنه لا يوجد ما يخسرونه.

ومن الملاحظ أن جميع التحسنات والانفراجات التي طرأت على أوضاع المجتمعات الشيعية في الدول العربية في تاريخنا الحديث سبقتها ثورات أو حروب، ففي لبنان كان التغير نحو الأفضل بعد نهاية الحرب الأهلية، وكان في الكويت بعد حرب الخليج وتحريرها من قوات صدام، ]وفي العراق كان تغير حالهم بعد إطاحة القوات الأمريكية لنظام صدام حسين[، كما لم تحضَ قضايا الشيعة العرب بشكل عام باهتمام الساسة على المسرحين العربي والدولي إلا بعد الثورة الإيرانية ]رغم وجود الحركات والنضال السياسي للشيعة العرب قبل الثورة الإيرانية بعقود طويلة كما فصلنا في المحطة السابقة[، وهذا لا يعني كونارتباط الثورات والحروب بأي تحسن في أوضاع الشيعة العرب من المحتوم، لكن هذا ما حدث في الماضي القريب على الأقل ومن الوارد تكرره مستقبلاُ أيضًا (5).

وبشكل عام، فإنه يجب على الشيعة أن يختاروا بين استراتيجيتين – حسب وجهة نظر الكاتبين-:

#c00000 ; mso-fareast-font-family: 'Arabic Transparent'">1)      #c00000" lang=AR-SA>الاستراتيجية الدينية: #c00000" dir=ltr>

يلمس القارئ عدم تشجيع الكتاب لهذا الخيار من الناحية السياسية "العملية"، فالتلبيغ والدعوة كوجه التقليدي للاسترتيجية الدينية لا يسعيان للحصول على القوة السياسية مباشرة عبر مؤسسات سياسية، بل عبر عملية تغيير تدريجي طويل الأمد للبيئة الأخلاقية بالتعليم وتغيير المجتمع من الداخل.

وفي المقابل، فإن الاستراتيجية الدينية في وجهها الآخر غير التقليدي التي تسعى لتأسيس الحركات السياسية الإسلامية مرهونة بمدى تسامح الحكومات مع وجود هكذا حركات، وبناء على ذلك تتحدد طبيعتها وكونها سرية أم معلنة،ديمقراطية أم استبدادية، ومفتوحة أم مغلقة، كما يتحدد نشاطها تبعًا لذلك من ناحيةالسلمية أو العنف.


ويخلص الكتاب إلى أنه عندما يزداد الضغط والظلم على الشيعة في منطقة ما، فإن المتوقع أنهم –وبشكل طبيعي- سيميلون للخيار الديني أكثر.

 

وفي محور آخر، يصرح الكتاب أن السنة في بعض الدول التي يمثل الشيعة فيها اقليات لن يخسروا حتى أقل القليل عند منح الشيعة حقوقهم، فالشيعة فيها قليلو العدد نسبيًا، ولا يشكلون خطرًا على النظام، كما أنهم معزولون، ولا يمتلكون قوة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية معتبرة، فـ "عداء" الأنظمة لمطالبهم يجب تفسيره على أنه ديني/أيدولوجي في هذه الحالة(6) لعدم وجود دواعي أخرى لذلك، وبالتالي فإن تبني خيار الاستراتيجية السياسية الدينية من قبل شيعة هذه الدول– في نظري- يؤدي لتعزيز هذا العداء والمقاومة للمطالب المحقة لهم.

 

2)      الاستراتيجية العلمانية (وبتعبير أدق: السياسية التي لا تكون بواجهة دينية) #c00000" >:

ذكرنا سابقًا أن الشيعة لديهم مشكلة كبيرة في تحريك مجتمعاتهم تحت مظلة غير دينية أو "علمانية" خصوصًا مع تصدي رجال الدين الشيعة للعمل السياسي وتبؤهم للمراكز القيادية العليا في الحركات السياسية الشيعية خلافًا للحالة السنية-  فهذه المظلة العلمانية ستواجه أسئلة كثيرة وامتحانات صعبة من الداخل والخارج، ومنها:

- ما هي أهداف هذه الحركات؟ فإن كانت أهدافًا تصب في صالح "المجتمع" الشيعي، فإن تجنب الأدوات والرموز الدينية سيضعف من جاذبية هذه الحركات في المجتمع الشيعي.

وإن كانت أهدافًا أوسع من مصالح المجتمع الشيعي فقط، فإذا لماذا تحصر ضمن الإطار "الشيعي" بدلاً من السعي لتحالفات أكبر؟ وفي نفس الوقت،فإن فتح الباب لغير الشيعة يعني تخلي هذه الحركات عن كونها "شيعية" خالصة.

- ما هو موقف هذه الحركات من القضايا الدينية؟ وهل ستتنازل عن الكثير من الحقوق والحريات؟

- الحركات العلمانية لا يمكنها الاستفادة من القوة العاطفية الهائلة جدًا للتشيع وتسخيرها لنشاط سياسي (7). 

 

 

وبناء على كل ذلك، فسوف يتوجب على قادة هذه الحركات أن يتخدوا قرارات مصيرية وحاسمة في وقت مبكر جدًا تجاه هذه القضايا.

كما يمكن لهذه الحركات أن تتعاون مع الحركات السياسية الإسلامية الشيعية لتحقيق الأهداف والمصالح المشتركة كما هو حاصل في الكويت ولبنان، وإن كان هذا التعاون صعبًا في بعض الظروف خصوصًا في الدول التي يمثل الشيعة الأغلبيةفيها لكون خيار "الدولة الإسلامية" ممكن التنفيذمن الناحية النظرية على الأقل، وإن كان السنة بشكل عام يميلون إلى الاعتقاد بأن الغرب لن يسمح أبدًا بدولة إسلامية شيعية وخصوصًا في البحرين والعراق.

 

كما يملك العلمانيون الشيعة خيارًا آخر، وهو: العمل في المنظماتالفاعلة الأخرى غير الشيعية وغير الدينية.

 

وفي الجهة المقابلة، هناك تجارب شيعية "علمانية" مثل حركة "أمل" في لبنان  وبعض الشخصيات السياسية الشيعية في العراق، فهذه الشخصيات ليست أيدولوجية وهدفها هو "الشيعة" لا "التشيع".. هدفها هو تطوير وضع الشيعة كمجتمع، وزيادة حصة مشاركتهم في النظام السياسي.

وكذلك توجد "جبهة تحرير البحرين" والتي رغم وجود تمثيل علمائي كبير في قيادتها إلا أنها في جميع بياناتها العامة طوال سنين المعترك السياسي كانت تعلن الأهداف العلمانية فقط مثل: إحياء دستور 1975م وإعادة فتح البرلمان البحريني، وتتجنب الأجندة الدينية الصريحة.

وتبقى هنالك استراتيجية ثالثة قد تضطر بعض الأنظمة العنجهية مواطنيها الشيعة إليها كردة فعل على "اليأس" من حالة "اللامبالاة" بمطالبهم، وهي: #c00000" >التعاون معالقوى الخارجية عبر منظمات حقوق الإنسان، والإعلام، والمنظمات غير الحكومية، واللوبيات البرلمانية وما شابه، وهذه التكتيكات في حال نجاحها فإنها لن تعود بالنفع على المجتمع الشيعي فقط بل على بقية فئات المواطنين كذلك.

وفي ختام هذه المحطة الأخيرة، أنوه أن الكتاب أفرد خمسةأبواب مستقلة ليتحدث بشكل مفصل عن طبيعة وتاريخ وواقع وحراك ومطالب الشيعة العرب في كل من: العراق، البحرين، السعودية، الكويت، ولبنان، ولم يمكننا التطرق لها في هذه المحطات السريعة.

(1) ص 35.
(2) ص53.
(3) ص58.
(4) ص53.
(5) ص69.
(6) ص65.
(7) ص62.
وهي لا تكون بالضرورة معادية للتدين كما قد يُفهم، وإنما تركز على الأهداف السياسية فقط بعيدًا عن تبني أي خطاب ديني مباشر.