الطائفية السياسية

 

 

 

كلنا يعرف أن الطائفية تمارس بسبب الإنتماءات المذهبية والدينية، والتعصب الديني والمذهبي. لكن قراءة أكثر دقة وعمقاً للواقع تكشف لنا تفاصيل أعمق للطائفية، إنها تلك الطائفية السياسية في العمق.

وأنا لا أقصد هنا طبعاً بالطائفية السياسية ما تمارسه بعض الدول من طائفية نتيجة طبيعتها الدينية أو المذهبية، باعتبار الدين أو المذهب الفلاني هو المذهب أو الدين الرسمي للدولة، أو الدين أو المذهب السائد والمتغلغل في أوصال الدولة وأجهزتها المختلفة ... ما يؤدي في النتيجة نتيجة الطبيعة الحادة لبعض الأديان والمذاهب للحدة والتشدد والتزمت تجاه الآخر بناءً على تلك الطبيعة.

في الحقيقة، هناك دول لا دينية بلبوس ديني فقط (أي أن الدين والمذهب لا قيمة له في الواقع)، وهنا يعد الإصطفاف الديني والمذهبي حالة مؤقتة ومرحلية، تفرضها طبيعة المرحلة فقط والمواقف السياسية للدولة.

هنا تبرز اصطفافات الحرب، فليس مهماً (ما هو مذهبك؟)، بل المهم: ما هو موقفك؟!.

المطلوب هنا هو أن يقف أبناء جميع المذاهب نفس الموقف السياسي للدولة، فإما أن تكون معنا أو أنت ضدنا. وهنا تتحول تلك الضدية من ضدية سياسية لضدية مذهبية عندما يتناقض موقف الجماعة المذهبية مع الموقف الرسمي لذلك النوع من الدول، وعندما تعجز الدول عن تغيير بعض القناعات والتوجهات السياسية المرتبطة بالحالة الدينية أو المذهبية والعقدية (بعيداً هنا عن طبيعتها: الرجعية أو التقدمية)، فيولد هنا خطاب الإستعداء والكراهية والفرز الديني والطائفي، للضغط على الجماعة الدينية أو للإنتقام منها ومحاسبتها أقلاً.

إن من الطبيعي أن تتباين المواقف السياسية داخل الوطن الواحد، ولهذا وجدت تلك الأحزاب السياسية المختلفة في الدول الديمقراطية، ومن حق كل إنسان أيضاً أن يكون له رأي وقناعة سياسية خصوصاً عندما لا يقوم بتوظيفها ضد وطنه، وعندما تكون نقطة الخلاف فقط هي: هل هذا الموقف إنساني وعقلاني أم لا؟!.

إن إشكالية العامة والجمهور مع الطائفية السياسية هي غالباً حدتها السياسية تجاه الآراء المخالفة أولاً، وثانياً عدم وضوح مطالبها، حيث يبدو في الظاهر مطلب تغيير الموقف الديني والعقدي والمذهبي، بينما المطلب الحقيقي هو تغيير الموقف السياسي والتخندق للحرب في خندق الدولة ضد جهات أخرى، أياً ومهما كان إنتماء الفرد أو الجماعة المذهبي أو الديني أو العقدي.

ولا شك في النهاية، أن هذا اللون من المطالب والتخندق (السياسي/الطائفي)، بحاجة لوقفات تأمل وفهم ... لأن الرسالة التي يستلمها الجمهور في الواقع هي خلاف الظاهر وتُعسر التفاهم والفهم مضافاً لكون طبيعتها القيمية والعقلية والأخلاقية بحاجة لأن تكون تحت مجهر المحاسبة والمساءلة والنقد ... والسلام.