تكثير السواد في معسكر ابن زياد


 

إن في كل #حركة وسكنة يتحركها الإنسان حق لله تعالى. وتتفاوت الحقوق بطبيعة الحال من حقوق كبيرة  إلى أصغر منها، وتختلف من  حقوق أوجبها الله سبحانه وتعالى له أو أوجبها عليك لنفسك أو أوجبها عليك لغيرك ، وتتشعب استراتيجيات المطالبة بهذه الحقوق من  فرد لآخر ومن مجتمع لآخر ومن مؤسسة لأخرى، ولاشك أن كل ذلك من نتاج المخزون الفكري الذي يمتلكه الفرد أو المجتمع أو المؤسسة من معرفة الحق  نفسه أولاً ووضع خارطة واضحة مبنية على أسس مدروسة للمطابة به ثانيا.

ويمكن رصد الكثير من المطالبات التي انتهت بالفشل إما لعدم وضوح الحق نفسه أو لسوء اختيار طريقة المطالبة به، وكل هذا بسبب ضعف الدراسة الموضوعية لهما، وتحت كل هذا تنحدر عناوين كثيرة جداً لا يمكن حصرها ومنها الوازع الثفافي للمجتمع نفسه تجاه الحق المطالب به ، فيمكن أن تطالب بحق في مجتمع بسهولة ، وبصعوبة جداً في مجتمع آخر لا لشيء عدا اختلاف الثقافة تجاه هذا الحق وكيف ينظر إليه ذلك المجتمع.

وبنائاً على هذه المقدمة يمكن أن نصنف الناس في مطالبتهم بالحقوق في مجتمعنا إلى فئتين أساسيتين:

الفئة الأولى:

ترجح هذه الفئة الحيادية عن المجتمع فتأكل وتشرب وتعمل وتقضي يومها في بيتها - الموجود أساسا بالمجتمع - و تسافر منفردة دون أن تنخرط فيه أو تدعم قضاياه، لاتدعمه مادياً أو معنوياً أو حتى تضم صوتها لصوته، وتسمع أخبار المجتمع وربما تتابعها دون أن تتدخل أو تشارك في شيء، وربما تحمل شهادة يمكن أن تخدم بها مجتمعها لكنها تفضل أن تعيش يومها بعيدة عنه.

 تعيش هذه الفئه على فتات الآخرين، فهي تعيش بيننا  لكنها لا تشاركنا أفراحنا وأحزاننا وفي نهاية مطاف المطالبة إذا انتهت لصالح المجتمع تحصل على ما  حصل عليه  المُطالبون.
 يجب أن يعلم هؤلاء أن الانعزال عن تكوين جزء من معادلة المطالبة بالحقوق يجعلهم في الجزء الآخر منها ويجب أن تعرف هذه الفئة أيضاً أن السلطة المسيطرة على المجتمع  بطبيعة الحال تسعى جاهدةً لتكوين اتفاق والتفاف شعبي كامل يؤيد مواقفها التي تتبناها. فإذا ما خرج فرد من هذه المعادلة ليكون محايداً فإنه بالنسبة لها شريك مجانيَ.

الفئة الثانية:

وعلى الجانب الآخر فئة تتولى هذه المهمة وتتكبد المشاق والمضايقات وربما تعدى ذلك لمضايقات شخصية كمنع عطاء فردي أو حرمان من أمر معين بسبب هذه المطالبة، وقد توضع على قائمة خاصة لحرمانها من حقوق عامة أيضاً وعلى الرغم من ذلك تستمر في نضالها من أجل مجتمعها وأجياله القادمة. نعم إنهم يناضلون من أجل المجتمع كله بما فيهم تلك الفئة الميتة التي التزمت الحياد وأبت حتى أن تشارك بصوتها، وحينما تينع ثمار المطالبة وتؤتي أكلها تشمل هذه الثمار كل فئات المجتمع بما فيهم من يعيشون على الفتات.

وجدير بالذكر قصة الرجل الذي فقد بصره  لأنه اتخذ موقف الحياد في معسكر ابن زياد - لعنه الله- فما ضرب بسيف ولا طعن برمح ولم يرم سهماً لكنه كثَّر السَّواد أي أنه كان ممن زادوا عدد الجيش المخالف وبالتالي زادوا معنوايات الجيش وإليكم القصة:

روى السيد في كتاب الملهوف وابن شهرآشوب وغيرهما، عن عبد الله ابن رباح القاضي قال: لقيت رجلا مكفوفا قد شهد قتل الحسين عليه السلام فسئل عن بصره فقال: كنت شهدت قتله عاشر عشرة، غير أني لم أطعن برمح، ولم أضرب بسيف ولم أرم بسهم، فلما قتل رجعت إلى منزلي وصليت العشاء الآخرة، ونمت، فأتاني آت في منامي فقال: أجب رسول الله! فقلت: مالي وله؟ فأخذ بتلبيبي وجرني إليه فإذا النبي جالس في صحراء حاسر عن ذراعيه، آخذ بحربة، وملك قائم بين يديه وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة، فكلما ضرب ضربة التهب أنفسهم نارا فدنوت منه وجثوت بين يديه، وقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي ومكث طويلا ثم رفع رأسه وقال: يا عدو الله انتهكت حرمتي، وقتلت عترتي، ولم ترع حقي وفعلت وفعلت، فقلت: يا رسول الله ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولا رميت بسهم، فقال: صدقت ولكنك كثرت السواد، ادن مني! فدنوت منه فإذا طست مملوء دما فقال لي: هذا دم ولدي الحسين فكحلني من ذلك الدم فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئا (١)

هذا لا يعني أن من يختار الحياد عن المطالبة سيكون أعمى لكنه وكما ذكرت سيشكل الشق الآخر من معادلة المطالبة، وعليه فإن من الأمور المهمة التي ينبغي النظر لها بعين الإعتبار هي المطالبة الجماعية بالحقوق، ولا يمكن أن يراود شخص أدنى شك أن نتاج المطالبة بهذه الطريقة أكبر بكثير من المطالبة الفردية، ولكن وللأسف الشديد يوجد من يرجح المطالبة الفردية في الحقوق المشتركة الإجتماعية والبعض الآخر يلتزم الصمت فيلقي الحمل على الآخرين ليطالبوا بحقه، فلتتحد الآراء ويُلم الشمل تحت سقف المطالبة المشتركة بجميع صورها سواء كان الدعم بالمادة أو بالعمل أو حتى بالصوت.

(1)بحار الانوار جزء 45