ويبقى الحسين(2) المنبر و الحاجة لتأسيس خطاب سياسي حسيني

 

يرى الإمام #الراحل " target="_blank"> #الخميني أن (#الشعائر الحسينية بمختلف أشكالها تعبيرا مكثفا لعمل #سياسي #مستبصر)[1] ، كما أن سيرة أهل #البيت عليهم السلام ونضالهم وسجنهم وتحركاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية ..

تمثل مفهوم قيمي إنساني راق جداً يؤسس لعلاقة الإنسان بالحياة بشكل كبير على مستوى الموقف السياسي والاجتماعي والثقافي، لهذا يجب ابراز اهداف النهضة الحسينية والتي جسدت الانصهار بين القيادة والقاعدة، وكيف اصبح لا فرق بين الابيض والاسود، وبين الخادم والسيد، و قد عززت الجانب الانساني لذلك ينبغي ابراز هذا الجانب، لهذا يجب أن يكون الخطاب العاشورائي، خطاب حضاري و يعكس الوجه المشرق للاسلام ولا يختلف المنبر الحسيني عن كتب التوعية.

لهذا نحن بحاجة الى استنفاد الأبعاد الاجتماعية والسياسية للمأتم الحسيني وبقية الشعائر التي خطط لها أئمة أهل البيت ( عليه السلام ) منذ البداية ، لتكون مركزا لتحشيد المسلمين واستثارة طاقاتهم وتعبئتها ، لتحقيق أهداف الإسلام في كل مرحلة .

فالأصل في المأتم الحسيني ومراسم الاحياء الأخرى انه صادر عن تخطيط سياسي مستبصر بمقاصد الحياة الإسلامية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، يقول الإمام الخميني الراحل : ( ان الثواب الجزيل المذكور لسطرين من الدعاء ، لا يمكن إدراكه وهضمه ، الا بالتوفر على ادراك البعد السياسي لهذه الأدعية ، الكائن بالتوجه الى الله ، وتوجيه الناس جميعهم وسوقهم الى نقطة واحدة والبعد السياسي يتمثل ايضا بتحشيد الأمة باجمعها وسوقها نحو مقصد إسلامي واحد والهدف من مجالس العزاء ليس البكاء على سيد الشهداء واكتساب الاجر وحسب ، فمثل هذا الأجر والثواب موجودان ، بيد ان المهم هو الجنبة السياسية التي خطط لها ائمتنا في صدر الإسلام لتبقى الى النهاية ، والماثلة في الاجتماع تحت راية واحدة، والالتفاف حول فكرة واحدة )[2].

يقول سماحة المرجع المدرسي: إن أول وأعظم هدف لوسائل الإعلام الحسيني ، إظهار الجانب المأساوي لواقعة الطف ، لتبقى راسخة في ضمير الأجيال المتصاعدة ، ولتكون شعلة متقدة في أفئدة المؤمنين ، تستثير فيهم حوافز الخير والفضيلة، وتدعوهم إلى الإجتهاد والإيثار، وليقولوا على مدى العصور : يا ليتنا كنَّا معك فنفوز فوزاً عظيماً، وليكونوا أبداً جنود الحق المتفانين في سبيل اللـه لكي لا تتكرر فاجعة الطف مرة أخرى؛ أو ليكونوا. إذا وقعت مشاركين فيها بسهم واق، ومدافعين عن الحق بكل قواهم . ومن هنا نجد الإمام زين العابدين واحداً من البكَّائين الخمسة في عداد آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد عليهم جميعاً صلوات اللـه وسلامه .

لقد بقي باكياً بعد واقعة الطف ثلاثاً وثلاثين عاماً ، ما وُضع أمامه طعام إلاّ وخنقته العبرة وقال : لقد قتل ابن بنت رسول اللـه جائعاً ، فإذا جيء إليه بشراب انهالت دموعه فيه وقال : لقد قتل ابن بنت رسول اللـه عطشاناً . وإذا مرّ على جزّار استوقفه وسأله : هل سقى الشاة ماءً ، ثم طفق يبكي ويقول : لقد قتلوا سبط رسول اللـه ظامئاً على شط الفرات .
وقد ضج لبكائه مواليه وأهل بيته . قال له أحد مواليه مرة : جُعلت فداك يابن رسول اللـه ، إني أخاف أن تكون من الهالكين ، قال : إنما أشكو حزني إلى اللـه ، وأعلم من اللـه مالا تعلمون . إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة.

ولم يكن البُكاء الرسالة الوحيدة التي حملها الإمام زين العابدين إلى التاريخ ، فقد كانت رسالة الكلمة الثائرة هي المشكاة الصافية التي تشع من خلالها رسالة الكلمة . فمنذ الأيام الأولى لملحمة كربلاء عملت كلماتُ آل البيت وفي طليعتهم الإمام السجاد والصديقة زينب الكبرى في هدم جدار الصمت والتردد والخوف ، في الكوفة ، وفي الشام ، ثم في المدينة المنورة .
وحينما فرّق عامل يزيد " الأشدق " أهل البيت في البلاد الإسلامية خشية انتفاضة أهل المدينة حسب بعض الروايات التاريخية ، رُفِعَ لظُلامة الحسين في كل حاضرة منبر وجهاز إعلامي مقتدر .

ومن أشهر خطب الإمام تلك الرائعة التي أوردها في مسجد الشام ، والتي تحتوي على منهاج المبنر الحسيني الذي لو اتَّبعناه ، لكان أبلغ أثراً وأنفذ في أفئدة الناس . وها نحن نتدبر في مفردات هذا المنهج قبل أن نستوحي معاً نص الخطاب :

ألف : حدد الإمام أهداف المنبر إذ قال للخاطب الذي سبقه إلى المنبر : اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوَّأ مقعدك من النار .. وتوجه إلى يزيد وقال له : أتأذن أن أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلام فيه لله رضاً ولهؤلاء الجلساء نفع وثواب .

إذاً لابد أن تكون توجيهات الخطيب خالصة لوجه اللـه ، وأن يبحث عما يرضي اللـه ، حتى ولو أسخط الطغاة ، وأن ينطق بما ينفع الناس لا بما يضرهم .

باء : ثم بدأ الحديث بذكر اللـه سبحانه ، وحذَّر الناس عقابه ، وذكَّرهم بالموت والفناء ، ولا أبلغ من الموت موعظة ولا من الفناء رادعاً .

وجاء في بعض الروايات أن الناس قد أجهشوا بالبكاء عندما أكمل الإمام حديثه عن الآخرة ، مما جعل قلوبهم خاشعة تستقبل ما بيَّنه بعدئذ من البصائر السياسية .

جيم : وبيَّن الإمام خطه السياسي الأبلج الذي ينتهي إلى سيد المرسلين محمد وأهل بيته المعصومين ( صلَّى اللـه عليه وعليهم اجمعين ) ، وأسهب في بيان صفاتهم التي هي المثل الأعلى في اليقين والإستقامة والجهاد .

دال : وأشهر الإمام ظُلامة السبط الشهيد ، وحملها راية حمراء تدعو الضمائر الحرة إلى الجهاد من أجل اللـه وفي سبيل نصرة المظلومين .. وهذه هي أشد محاور المنبر الحسيني : إثارةً للعواطف وتهييجا لكوامن الحزن والأسى .

هاء : وبعد أن أمر يزيد بأن يقطع عليه المؤذن حديثه لم يترك الإمام المنبر كما كان معهوداً ، وإنما استوقفه عند الشهادة الثانية وحمّل يزيد مسؤولية قتل والده ، مما يعني - في لغة العصر - وضع النقاط على الحروف . فلا يكفي للخطيب الحسيني أن يشير من بعيد إلى الحقائق السياسية ، بل لابد أن يصرّح بها بوضوح حتى يتبصر الناس وتتم الحجة عليهم .

وهكذا استطاع الإمام السجاد عبر هذا المنهاج الرائع أن يزلزل عرش يزيد زلزالاً حتى تنصَّل من جريمته النكراء ، وتوجه إلى الجماهير الغاضبة التي كادت تبتلعه قائلاً : أيها الناس ، أتظنون أني قتلت الحسين ، فلعن اللـه مَن قتله عبيد اللـه بن زياد عاملي بالبصرة.

لهذا نجد أن لدينا حالة نقص في منطقتنا يعيشها الخطاب الحسيني في التأسيس لهذا الطرح الذي بإمكانه أن يستشرف الحالة السياسية والاجتماعية والثقافية، فكم خطيب بين  شرعية ثورة الإمام الحسين ؟ و كم خطيب اجاد ببحث منطلقات هذه الثورة و من أين تأسست تلك الشرعية، وما هي مرتكزاتها؟

التأسيس يعطينا المساحة للتحرك في الحالة السياسية والحالة الاجتماعية ويعطي مجالاً لإستشراف الواقع وأن أضع خطوات للمستقبل .. وهذا الخطاب للأسف ليس موجود لدينا مما يوقعنا في حالة جمود.

[1] قيام عاشورا، روح الله الموسوي الخميني
[2] ميلاد مجتمع، روح الله الموسوي الخميني : 88