المواطنة المنقوصة

#المواطنة_المنقوصة
كي يتضح المقصود بالمواطنة المنقوصة، فإنه لا بد من تعريف المواطنة وبيان قيمها المحورية. فالمواطنة بحسب دائرة المعارف البريطانية دائرة المعارف البريطانية هي علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق متبادلة في تلك الدولة.

ونفهم من هذا التعريف أن المواطنة لا تتحقق إلا في وجود دولة ذات مجتمع وطني قائم على اختيار إرادة العيش المشترك بين أبنائه، وفي وجود دستور ينظم العلاقة بين الدولة وبين أفرادها، ويكفل لكل فرد منهم العضوية الكاملة والمتساوية في مجتمعهم؛ يتمتعون بنفس الحقوق، ويؤدون نفس الواجبات.

وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الميلاد أو أي وضع آخر.

وترتكز المواطنة على أربع قيم محورية هي قيمة المساواة التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات والمعاملة المتساوية وتكافؤ الفرص؛ وقيمة الحرية التي من مصاديقها حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وحرية التنقل داخل الوطن، وحق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين حول مشكلات المجتمع ومستقبله، وحرية تأييد أو الاحتجاج على قضية أو موقف أو سياسة ما، حتى لو كان هذا الاحتجاج موجها ضد الحكومة؛ وقيمة المشاركة التي تتضمن الممارسة السياسية الفاعلة في الانتخابات وتأسيس الجمعيات المختلفة التي تساهم في بناء الوطن؛ وقيمة المسؤولية الاجتماعية المتضمنة احترام القانون واحترام الشركاء الآخرين في الوطن.

بناء على هذا، فإن المواطنة تكون منقوصة حين تنتهك إحدى القيم المذكورة. وعندها لن يشعر المواطن أنه مواطن حتى لو حفظ كتاب الوطنية عن ظهر قلب، إذ المواطنة شعور مبني على وقائع خارجية، وليس على نصوص بعيدة عن ملامسة الواقع وشجونه.

هل يمكن أن يشعر المواطن بالمواطنة الكاملة وهو محظور عليه الوصول لبعض الوظائف العامة بسبب انتمائه الفرعي المختلف عن بقية شركاء الوطن؟

هل يمكن أن يشعر المواطن بالمواطنة الكاملة وهو يرى الأقل كفاءة منه أو الأقل مطابقة للشروط المطلوبة في شغل الوظيفة قد تم قبوله وهو لم يُقبل؟

هل يمكن أن يشعر المواطن بالمواطنة الكاملة وهو يشهد أمام عينيه نقص الخدمات التنموية من صحة وتعليم وإسكان وبنية تحتية وغيرها في منطقته التي ينتمي إليها مقارنة بمثيلاتها من مناطق الوطن، فتلك تنشأ بها جامعة مثلا، وهذه تستثنى برغم انطباق المعايير عليها؟

هل يمكن أن يشعر المواطن بالمواطنة الكاملة وهو يتعرض للقصف الإعلامي المشكك في هويته ووطنيته من آن لآخر، خصوصا عند بعض الأحداث أو المنعطفات؟

هل يمكن أن يشعر المواطن بالمواطنة الكاملة وهويته الفرعية لم يتم الاعتراف بها، بل تُعامل معاملة الهويات المنبوذة؟

هل وهل وهل،... هليات لا تنتهي تضع الوطن على محك المواجهة مع لحظة الحقيقة بعيدا عن الرومانسيات التي لا تسمن ولا تغني من جوع المواطنة الكاملة.

شاعر وأديب