الدعاء للآخر لغة حب

من الطبيعي أن يدعو الإنسان لنفسه، لأن حبه لذاته أمر فطري يجعله يطلب لها ما يظن أنه خير يصب في صالحها. أما أن يدعو الإنسان لغيره في ظهر الغيب، فهذا يدل على صفاء النفس وطهارة القلب وحب الخير للغير.

وفي القرآن الكريم نجد أمثلة للدعاء للآخر في مثل قول نبي الله نوح : «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» وقول نبي الله إبراهيم : «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ» وفي دعاء المؤمنين: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ».

الدعوة للآخر بظهر الغيب واحدة من الدعوات المستجابة كما ورد في الحديث عن رسول الله أنه قال: أَرْبَعَةٌ لَا تُرَدُّ لَهُمْ‏ دَعْوَةٌ إِمَامٌ عَادِلٌ وَوَالِدٌ لِوَلَدِهِ وَالرَّجُلُ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَالْمَظْلُومُ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْتَصِرَنَّ لَكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.

ولذا حثت الأحاديث والروايات عليها، من ذلك ما رُوي أن الله سبحانه أوحى إلى موسى : يا موسى ادعُني على لسان لم تعصني به، فقال: أنَّى لي بذلك؟! فقال: ادعُني على لسان غيرك. كما بينت آثارها العظيمة، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب. وعنه أيضا: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعُمَّ فَإِنَّهُ‏ أَوْجَبُ‏ لِلدُّعَاءِ وَمَنْ قَدَّمَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ إِخْوَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِمْ وَفِي نَفْسِهِ. وعن الإمام محمد بن علي الباقر : ‏ أَسْرَعُ‏ الدُّعَاءِ نُجْحاً لِلْإِجَابَةِ دُعَاءُ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ يَبْدَأُ بِالدُّعَاءِ لِأَخِيهِ فَيَقُولُ لَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ آمِّينَ وَلَكَ مِثْلَاهُ. أما الإمام جعفر بن محمد الصادق فقد نقل ما كانت تمارسه عمليا أمه فاطمة الزهراء من الدعاء للآخرين بظهر الغيب. يقول : كانت فاطمة إذا دعت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، فقيل لها، فقالت: الجار ثم الدار.

وهكذا كان الإمام زين العابدين كما ورد في الصحيفة السجادية يدعو للآخرين من أمثال أتباع الرسل ومصدقيهم من لدن آدم إلى محمد ، ولأبويه، ولوُلده، وجيرانه، وأوليائه، والمرابطين على ثغور الدولة الإسلامية، ولأهل الحقوق والتبعات.

ما أجمل أن نعبر عن حبنا للآخرين بالدعاء لهم، فإن ذلك مما يجعل المجتمع أكثر ألفة، ويزيد في نقاء النفس من ملوثات الشحناء والتباغض. فالدعاء الصادق بظهر الغيب للآخر علامة على سلامة القلب وتشبعه بالحب.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..

شاعر وأديب