لكي تنجح المبادرة

المبادرة هي عنوان النجاح وهي وسلاح اغتنام الفرص واستثمار الظروف والفرد المبادر الايجابي يحقق الانجازات ويحظى بالمكاسب وكذلك المجتمع الذي يتحلى بهذه الصفة فانه يتمتع بالحيوية ويطور واقعه الى الافضل بشكل دائم مستمر، والمبادرة عند اهل السياسية هي معنى لتلبية حاجات موضوعية وضرورات ماسة، يطلقها من استشعروا درجات الخطر، وتفهموا طبيعة المشكلة.

فالمبادرة وكما وصفها أحد الأشتراكيين اليمنيين تعني فيما تعنيه: المبادأة والمسارعة، أي الاسراع للبدء في عمل شيء ما، والمبادرة في اللغة من بادر يبادر، وهو الشخص الذي بدر عنه شيء ما أو بدرت عنه فكرة، فسارع لتنفيذها وفقا للهدف الذي ارتسم داخل وفي إطار الفكرة التي حددتها وبالتالي حددت الخطوات الجلية لتحقيق ذلك الهدف. فالمبادرة حالة ايجابية، وفعل مرحب ومرغوب فيه، إذا ما انطلقت لأجل إصلاح وضع معطوب ومعالجة اختلالات، وكسر جمود ثورات وحركات.

علي أول مبادر في الإسلام:

بعد ثلاث سنين من حين البعث أمر الله رسوله أن يظهر ما خفي من أمره، وأن يصدع بما جاءه منه ونزل الوحي: «أن أنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين، وقل إني أنا النذير المبين، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين «.

ودعا محمد عشيرته إلى طعام في بيته وحاول أن يحدثهم داعيا إياهم إلى الله فقطع عمه أبو لهب حديثه واستنفر أقوم ليقوموا. دعاهم محمد في الغداة مرة أخرى، فلما طعموا قال لهم: ما أعلم انسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، وقد جئتكم بخير الدنيا، والآخرة.. وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه. فأيكم يؤازرني على هذا الأمر [وأن يكون أخي، ووصيي وخليفتي فيكم] فأعرضوا عنه، وهموا بتركه لكن عليا نهض وما زال صبيا دون الحلم وقال: «أنا يا رسول الله عونك، أنا حرب على من حاربت »

هذه القصة هي أنموذج بسيط لمبادرة أمير المؤمنين في نصرة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، في ظروف كانت قاسية على رسول الله، وكان القريب قبل البعيد متخاذل فيها عن نصرته، لم تكن هي الأولى، ولم تكن الأخيرة، فتاريخ أمير المؤمنين مليء بالمبادرات الناصرة لمظلومية رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقصة مبيته في فراش رسول الله تروي فصل آخر من فصول التضحية والفداء في المبادرة للنصرة.

و خديجة بنت خويلد أم المؤمنين كانت كذلك من أوائل المبادرات لنصرة رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقدمت من أجل نصرة قضيته، مالها، وجاهها، وتنازلت عن أن تكون ضمن طبقة الأغنياء المخملية، لتقاسي ماقاست في زمن الدعوة المكية مع رسول الله، صابرة، مجاهدة، مبادرة لإستباق الخيرات. « لذا أصبح أهل البيت هم حقيقة الإسلام وفي بيتهم نزل الذكر لإنهم حملوا على عاتقهم مهمة الدعوة الى الله وضحّوا من أجل القرآن والإسلام تضحيات جسيمة برزت بحدها الأقصى يوم قدّم الإمام الحسين نفسه وأهل بيته وكل ما يملك في نصرة الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولبّى دعوة أهل العراق عندما استنصروه ضد الحاكم الجائر عبيد الله بن زياد، مع أن الجميع قد حذّره من غدر أهل الكوفة. ولكن نفس الحسين سلام الله عليه تأبى إلا أن يكون ناصراً للمظلوم، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر».

المبادرة لحقن الدم وتحقيق الأهداف الثورية:

تنجح المبادرات عندما تتوفر شروط وعوامل نجاحها. ومن عوامل وشروط النجاح. أن يكون لدى المبادرين الاستعداد التام لتنفيذ مبادرتهم، وتفسيرها، وشرحها وتقبل الأراء والملاحظات حولها. كما أنه يجب أن تكون المبادرة دائماً تخدم صالح المظلوم لا الظالم، وأن تكون بعيدة عن المصالح الشخصية والحزبية.

فتستمد أي ثورة قوتها السياسية من إصرار الثوار على أهدافهم وعدم تنازلهم أو تراجعهم عن أهدافهم، خصوصاً في المفاوضات التي يجرونها مع أعدائهم، فكل ثورة ستواجه ظروفاً تفرض على السلطات الموافقة على التفاوض. وطبعاً هدف كل سلطة من كل ثورة هو تنازل الثوار عن مبادئهم، ويكاد هذا الأمر يجري كقاعدة ثابتة في كل الثورات، وحتى ثورة الإمام الحسين واجهت هذا الظرف الصعب، فقد قُدِّمت إغراءات كبيرة لقائد الثورة، ولعناصر الثورة الأساسية، فماذا كان موقفهم هل تنازلوا عن مبادئهم أو تراجعوا إلى الخطوط الخضراء التي تُريدها السلطات، لقد كان الإمام مصراً على أهدافه منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها رفضه لبيعة يزيد بن معاوية، منذُ أن وقف قبال الوليد ليقول له: أيها الأمير: أنّا أهل بيتِ النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمرة، قاتل النفس المحرمة، معلنّ بالفسق، ومثلي لا يُبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أينا أحقُّ بالبيعة والخلافة، ثم خرج .

إن الملاحَق أو المنهزم لا يفوت على نفسه فرصة النجاة لو حصلت، بينما حصل للحسين، وعُرض عليه العديد من فرص «النجاة».. وكان الحسين لا يبحث عن فرصة لنجاته وإنما كان يريد إنقاذ الدين، وإحياء ما مات منه حتى لو أدى ذلك إلى أن يكون شهيدا في هذا الطريق.

فما رأى السبط للدين الحنيف شفــا.... إلا إذا دمه في كربلا سفكــا

وهذا هو ما لم يفهمه بعض من عاصره، ولذلك طفقوا يقترحون عليه مرة أن يعتصم بالبيت الحرام حتى ينجو فإنه أعز واحد في الحرم!!، وأخرى يشار عليه بأن يذهب إلى اليمن فإنهم شيعة أبيه، وثالثة يشاور في أمر الذهاب إلى جبال آجا وسلمى!! بل أشار عليه بعضهم بأن «أوَلا تنزل على حكم بني عمك؟ فإنهم لن يُروك إلا ما تحب!!».

وعرض عليه عمر بن سعد ذلك، ولكن الحسين ، ما كان يبحث عن نجاته هو وإنما كان يبحث عن تحقيق هدفه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إصرار الثوار على مطالبهم لا يعني تعنت أو رفض عن قبول المبادرين ومبادراتهم، لكنهم رسموا لأنفسهم أهداف يرون أنه من الصعب التنازل عنها، أو أن التنازل عنها يؤدي الى تهاون بحجم التضحيات التي قدموها في ثورتهم. لهذا من اللازم أن يعي المبادرون أن ورقة الكسب يجب أن تكون في صالح المستضعف لا المتسلط والمتجبر. ويجب أن تكون بحجم التضحيات لا أدنى منها، ومن اللازم والضروري أن تكون هناك آليات تضمن تنفيذ الوعود، لا أن تكون المبادرات مجرد حالة تخديرية تؤدي إلى عودة أساس المشكلة إلى مربعها الأول، بل يجب أن تكون مضمونة المستقبل.