مجزرة الدالوة وإلغاء الآخر

خلق الإعلام التضليلي شعوب تهوى عملية دفن رأسها في التراب في مواجهة أي مشكلة حقيقية يعاني منها الشعب، بل جعلت هذه الأنظمة الإعلامية البوليسية هذه الشعوب عبر إعلامها الى تبني ثقافة «المؤامرة» ونظريات «المؤامرة» وتخويفها من الآخر المختلف معها فكرياً وعقائدياً وتخوينه على الهوية.

شعوب تراها تكثر من الزعيق والعويل بتحميل الآخرين ما بها من مصائب، وتبرئ ذاتها، كي لا يقع عليها لوم للذات، وبهذا لا تسعى للتغير الحقيقي المفروض من داخل النفس.

شعوب تطلق العبارات وتكيل الاتهامات لكل شي عدا نفسها، صحفها مليئة بالمصطلحات والعبارات العريضة التي تنطلق كلها من نظرية التآمر “الكل متآمر علينا، الكل يقف ضدنا، الكل يحاول كسرنا.. الكل.. الكل.. ” ولم توجه للحظة اللوم على نفسها، أو لمن كانوا السبب وراء مصائبها من عقر دارها، ومن ذاتها “.

لهذا تجد هذه الشعوب تتبنى قوانين الغابة في إلغاء الآخر، فالبقاء للأقوى، والحق لمن يملك السلطة!! لهذا ليس عجيب ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يتواجد بيننا قطيع حيوانات مفترسة متلبسة بلباس البشر همها فقط خطف الآخر المخالف لها وقتله.

ثقافة إلغاء الآخر سواء كانت بصورة عشوائية كما هو الحال مع تنظيم القاعدة الإرهابي الذي يقوم بعمليات تفجير إرهابية، تستهدف مصالح محددة عشوائياً، أو كانت بصورة دولة كما هو الحال اليوم في دولنا القمعية، أو عبر الوليدة الجديدة بالفكر الإقصائي القديم الحديث والمسماة بـدولة العراق والشام «داعش».

داعش والقاعدة هي وليدة هذا الفكر الذي يقوم على عدم تقبل الألوان المتعددة في الحياة، ورفض كل ماهو مخالف لفكرها في الأرض، وبالنتيجة إلغاءه من الحياة عبر قطع رأسه أو خنقه أو تفجيره، عبر ماتسميها هي بـ «المحاكم الشرعية».

داعش تمثل بركان الغضب الذي في داخل كثير من الدواعش الذين يعيشون بيننا ويحيطوننا، لهذا هي تقوم بالتقدم السريع عبر الإسراف في سفك الدماء، ولكي يكون سفكها للدم «إسلامياً»، فهي ما أن تبسط سيطرتها على أي بلدة فأول ما تؤسسه هو «المحاكم الشرعية» وبخدمات قضائية سريعة لا تحتاج فيها لدستور ولا ورق ولا قانون، الكتاب والسنة، بالطريقة التي تفسرهما به.

دولنا لا تختلف كثيراً عن داعش، إلا أنها تتسم عادة بالهدوء وبالنفس الطويل وبإستخدام أحدث الأساليب العلمية المبرمجة، وقد يكون ايضاً لهذا الإلغاء خططاً خمسية أو عشرية لمحو الهدف أو الإحاطة به وإستنزافه رويداً رويداً وإمتصاصه من الداخل حتى النفس الأخير، لكن النتيجة واحدة وهو إلغاء الآخر المخالف الذي يمثل وأتباعه أرقاً لا يمكن تحمله.

«إن عملية إلغاء الآخر ليس لديها إلا وجه واحد وهو وجه غير مشروع تُؤكد فيه ذات ما على حساب الذوات الأخرى متشبثة بحياة الغاب لكن حياة الغاب لها مشروعيتها وطبيعتها وهو سبب من أسباب ديمومتها وهو يخلف العكس في حياة البشر ولأن إمتصاص وجود الآخرين لا يعطي بالضرورة البقاء الأزلي للأول إلا لأجل محدود ثم يبحث الأول عن ضحايا جدد حتى يصبح كالنبات القاتل يعيش من خلال إمتصاص الفرائس »[1] .

إن ماجرى على أتباع أهل البيت في الأحساء من مجزرة إرهابية جبانة وقذرة، لا يمكن فصلها عن الجرائم الجبانة التي تقوم بها منظمات التكفير أو الأنظمة القمعية التي تسعى بكل قوتها إلى وقف صوت الحسين عبر التضييق على أتباعه، وسجن علمائهم وخطبائهم، واغلاق مساجدهم وحسينياتهم، أو ازالة شعائرهم الدينية والتعدي عليها.

سياسة الإلغاء هي قوة مبطنة بضعف، ومثاله أنك لا تجد دولة مارست إلغاء الآخر استمرت في الحكم بل تسقط لأنها استخدمت الظلم، بينما العدل اساس الحكم، وقس على ذلك التعاملات اليومية مع الناس، وإذا كان الإلغاء هو السياسة المنتهية فإن السياسة الأقوى هي: الإحتواء وكسب الآخر، لهذا نقول لكل دول القمع، ومنظمات الإرهاب والتكفير، ما صدعت به زينب بنت علي بن أبي طالب في قصر الطاغية يزيد بن معاوية: فكد كيدك يايزيد، واسعى سعيك، وناصب جهدك، فو الله لن تمحوا ذكرنا.

 

[1]  فلسفة إلغاء الآخر أو فلسفة القتل / د. ناهدة محمد علي