المخاطرون بحب «1»

من الناس من يحبذ المشي بجنب الحائط دائما، يتوقع السقوط في أي لحظة ويخشاه، فيحتاط لنفسه بالبقاء خارج المخاطرة. الخوف من المجهول يسيطر على تفكيره، ويحد من انطلاقته. لا يسير إلا في طريق معهود مسلوك، تيقن أن المخاطرة فيه تكاد تكون صفرا. مثلُ هذا سيبقى أسير خوفه، وسيحبط أي محاولة داخله لإطلاق سراح نفسه بحجة الحفاظ عليها. وسيظل دائما يكرر المثل الشعبي الذي يدعو للاكتفاء بطلب الرزق على الساحل دون خوض غمار البحر «وش لك بالبحر وأهواله ورزق الله على السِّيف».

ومن الناس من لا يقنع بالمكوث على الساحل أو السير بمحاذاة الجدار، بل هو في حالة طموح دائم، وتطلع إلى أفق بعيد. يسعد بتجريب الطرق التي لم يكتشفها مكتشف قبله، ويحب ركوب أمواج البحار الصعبة، وتسلق الجبال الشاهقة، مؤمنا بقدراته وطاقاته التي أودعها الله فيه.

في مقابلة تلفزيونية مع قناة cbc سُئل الدكتور أحمد هيكل رئيس شركة القلعة للاستثمارات المالية عن سر نجاحه، فأجاب باختصار: التعليم الجيد والمخاطرة. هذه الشركة المصرية تأسست في 2004 برأسمال لا يتجاوز 2 مليون جنيه، وبعد عشر سنوات ضاعفت رأسمالها ليصبح 8 مليار دولار، وتعمل في قطاعات اقتصادية استراتيجية هي الطاقة والتعدين والاسمنت والإنشاءات والأغذية والزراعة والنقل والدعم اللوجستي.

لا أقصد الدعاية للشركة، ولكنها نموذج أتطلع لمثله في مجتمعنا، لما له من مردود إيجابي كبير يتمثل في توظيف الموارد البشرية والمالية واستثمارها، ولما يمكن أن يساهم به في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فهذه الشركة أنشأت على سبيل المثال مؤسسة خاصة بها للمنح الدراسية.

كلنا يعرف ستيف جوبز، الشخص الذي اختار أن يكون مختلفا، وأن تكون معادلة المخاطرة حاضرة بقوة في مدخلات مشاريعه، فترك خلفه بصمات عميقة. كان جوبز يعشق المخاطرة، ولذا وصل إلى ما وصل إليه من نجاح.

بعد وفاته وصفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه كان واحدا من « أعظم المبتكرين الأمريكيين، وكان يملك من الشجاعة ما يكفي ليفكر بطريقة مختلفة، ومن الجرأة ما يكفي ليؤمن أن بوسعه تغيير العالم، ومن الموهبة ما يكفي لتحقيق ذلك».

أما عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ فقال إن «أمريكا خسرت عبقريا سوف يبقى في ذاكرتنا مثل أديسون وأينشتاين، وستحدد أفكاره شكل العالم لعدة أجيال».

يتبين الفرق بين من يخاطر ومن لا يخاطر بالمقارنة بين جوبز وبين أحد شريكيه. فقد تأسست شركة أبل على أيدي ثلاثة شركاء هم: ستيف جوبز وستيف وزنياك، بحصة 45% لكل منهما، ورونالد واين، بحصة 10%. قام واين بتصميم الشعار وصياغة عقد الشراكة ومنشور إرشادات الاستخدام لجهاز أبل1، ولكنه بعد أسبوعين فقط قام ببيع حصته بالشركة مقابل 800 دولار فقط، خوفاً من الوقوع في مديونيات. كان ذلك في العام 1976. الآن هذه الحصة تُقدر بنحو 35 مليار دولار.

في النهاية فاز ستيف جوبز المحب للمخاطرة، وصار اسمه مقرونا بالإنجاز والابتكار، أما شريكه رونالد واين، فلا يكاد أحد يتذكر اسمه.

المخاطرة التي نتحدث عنها هي تلك التي تعني امتلاك الشجاعة والإقدام على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وليس التهور كما يفهم البعض. إنها القدرة على تصيد الفرص الذهبية واقتناصها. وفي هذا يقول الإمام علي : «قُرنت الهيبةُ بالخيبة، والحياء بالحرمان. والفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير».

في عالم اليوم كما هو معلوم أصبحت إدارة المخاطر علما له أصوله وقواعده، وسرا من أسرار نجاح قطاع المال والأعمال.

لذا أدعو الجيل الجديد من الشباب أن يغامر في الشرف المروم في مختلف المجالات النافعة، وأن لا يقنع بما دون النجوم، كما قال عمنا المتنبي. وأذكره بمقولة متنبي العصر ستيف جوبز: السبيل الوحيد للقيام بشيء عظيم هو أن تحب ما تفعله.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب