تعلومنا يا معالي الوزير

في كتابك الذي كتبتَه قبل تقلدك منصب الوزارة، والذي أسميتَه «تعلومهم - نظرة في تعليم الدول العشر الأوائل في مجال التعليم عبر تعليمهم الأساسي» كتبتَ مبينا في المقدمة هدفك من الكتاب: فالمقصود إذن هو أن نستلهم روح التجارب التربوية والتعليمية في دول العالم المتقدم، وأن نستفيد من ملامحها وأفكارها ومقوماتها وتطبيقاتها الناجحة؛ للخلاص من روح التخلف والجهل، الذي يأخذنا بعيدا عن ركب الحضارة والتقدم.

الآن، وقد أصبحت وزيرا للتعليم أو «التعلوم» كما يسميه آباؤنا، نتطلع إلى تطبيقاتك العملية لنرى كيف ستستلهم تلك التجارب، وكيف ستجسدها في أرض الواقع التعليمي عندنا الذي يشكو كثيرا من التخلف وعدم مواكبة العصر.

واحتراما لوقتك الثمين الذي يُفترض فيه أن يُخصص لتطوير أهم مرفق يصنع مستقبل الأجيال والبلاد، سأستلُّ من كتابك بعض الفقرات والأفكار التي نطمح أن نشهد أمثالها حاضرة في صروحنا التعليمية.

سأبدأ من فنلندا وتعليمها الناجح، حيث اختصرتَ مزايا التعليم فيها في كلمات ثلاث: التعليم من أجل أن يكون المتعلم فاعلا ومنتجا في المجتمع يستطيع مواجهة الحياة، والمساواة، والثقة.

من نجاحات فنلندا يمكن استلهام المعايير العالية جدا لاختيار المعلمين، وبالتالي لا يلتحق بهذه المهنة إلا المتميزون. ويتميز المعلمون بأمرين اثنين: لديهم منهاج يستحق التدريس، ويتمتعون بنوع من الاستقلالية في مقاربة هذا المنهاج.

ومن كوريا الجنوبية، بلد سامسونج وإل جي وغيرهما، نستلهم تجربتهم في التركيز على نشر التكنولوجيا واستخدامها في الصفوف الدراسية. ومن هونغ كونغ تغيير التركيز من التعليم إلى التعلم والتشديد على عملية التعلم بدلا من حفظ الحقائق عن ظهر قلب، والتعلم من أجل الحياة وعبر الحياة.

ومن اليابان إعداد المعلم إعدادا راقيا مستمرا، حيث يتلقى المعلمون تدريبا مدرسيا يومين في الأسبوع يشمل جميع جوانب عمل المعلم كالتعليم، وإدارة الصف، وتمويل أنشطة إضافية لنادي المدرسة، وإدارة معدات التعليم البدني وتفهم نفسية الطفل وإرشاد الطالب. ويوم آخر خارج الحرم المدرسي، يشمل محاضرات وحلقات بحث وتدريب مهارات...

ومن سنغافورة تعليم الرياضيات الذي أصبحت به مشهورة، وتشجيع الطلبة على حل المشكلات على نحو جماعي، والتمكن من مهارات التفكير الإبداعي. أما من المملكة المتحدة فيمكن أن نستفيد مما لديها من قانون يُلزم المدارس بأن يكون لديها نطاق واسع من التعامل مع أهالي الطلبة. ولدى كل من الأبوين الحق في المساهمة في اتخاذ قرارات بشأن تعليم أولادهم. ومن هولندا العمل بمبدأ المعاملة بالمساواة الذي يضمن وصول التعليم نفسه للطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة دون أي تمييز. ومن نيوزيلندا الالتزام بمبادئ المساواة القوية بما في ذلك: 1» ضمان التوقعات العالية لجميع الطلبة. 2» احترام الأسس ثنائية الثقافة لنيوزيلندا. 3» تقدير التنوع الثقافي وضم جميع التلاميذ بطريقة لا تمييز فيها بحسب النوع الاجتماعي أو العرق. ومن سويسرا التركيز على البحث العلمي، حيث تُصنف، بحسب كتابك، بين البلدان الأكثر توجها نحو البحث والتطوير في العالم. وأخيرا من كندا يمكن أن نأخذ بمبادرة نجاح الطلبة التي أطلقتها وزارة التعليم في أونتاريو وذلك لرفع معدل التخرج في المدارس الثانوية على 85%، عن طريق تحديد الطلبة الذين من المحتمل أن ينقطعوا عن الدراسة في وقت مبكر. فيجري التركيز عليهم ومتابعتهم وتقديم المساعدة والدعم لهم لتجاوز هذا الفشل.

تعلم يا معالي الوزير أن «تعلومنا» بحاجة ماسة لتطوير بنيته التحتية، ولمواءمة مخرجاته مع متطلبات السوق من ناحية، ومواكبة العصر من ناحية أخرى، وأن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار في التعليم الحقيقي الذي يُخرّج أفرادا مبدعين قادرين على إدارة أنفسهم وإنتاج الأفكار وفهم العالم من حولهم بصورة أفضل.

المهمة كبيرة، ولكنها مستقبلنا ومستقبل الوطن، وهي لا تحتمل التأخير. في نهاية المطاف لن نحكم عليك من خلال كتابك وأفكارك، بل من خلال أدائك وقدرتك على تحويل الأفكار إلى واقع ملموس. سنحكم عليك من خلال الاختبارات الدولية التي تقيس مهارات الطلبة المختلفة من مثل برنامج بيزا «PISA» واختبارات تيمس «TIMMS» واختبار بيرلز «Pirls» وأمثالها من المقاييس التي لا تجامل أحدا.

شاعر وأديب