في أهمية الترويج لثقافة القراءة

لعل ما يلفت النظر في زمن الثورة الإلكترونية، والتقنيات الحديثة، والاختراعات الجديدة المتوالية التي تغزو الأسواق، هو انتشار برامج الألعاب التي تخطف ألباب الأطفال، وتجعلهم أسرى الثقافة الاستهلاكية. ففي ظل هذا التأثير الكبير الذي تتركه وسائل التكنولوجيا الحديثة على الطفل وثقافته ووعيه، أصبح ملحاً خلق وتكوين الأطر المناسبة التي تشجع على عملية القراءة بين الأجيال الجديدة، وتنمي المعرفة لديهم، وترتقي بالطفل وتسمو به، وتهتم بثقافته والكتابة له، وتقدم له أفضل فرص التعليم والتثقيف والترفيه.

إذ لا ينبغي للطفل أن يكون شيئاً مهملاً في مجتمعاتنا، أو كائناً هامشياً في العملية الثقافية، بل من المهم أن يوضع في الاعتبار عند القيام بأي مشاريع أو نشاطات ثقافية وترفيهية، من خلال إقامة البرامج الحيوية والفعاليات والانشطة التي تتوجه إلى الطفل وتستدرجه إلى حب الكلمة المكتوبة. حيث يمكن أن تنشأ علاقة حميمة بين الطفل والكتاب، وبين الطفل والقراءة، وتنمي ميوله القرائية مع الوقت، ويصبح الكتاب جزءاً من شخصيته ومن تربيته، وتنمو قيمة القراءة لديه وتتكرس.

وهنا يجب التأكيد على أن الترويج لعادة المطالعة والتشجيع عليها لا ينبغي أن يكون عملاً إعلانياً دعائياً مناسباتياً آنياً ومؤقتاً، تنتهي حملات الترويج لها بانتهاء المناسبة، بل يجب أن لا يتوقف الترويج لأهمية القراءة أبداً، وأن يتحول إلى مشروع مستدام، وشعار للمستقبل على الدوام، من خلال ترسيخ ثقافة المطالعة في المؤسسات والبيئات التي يولد فيها الطفل ويتربى وينشأ ويتعلم، ابتداءً من البيت والمدرسة والجامعة، مروراً بالمسجد والمؤسسات الدينية، وانتهاءً بالمؤسسات التربوية والشبابية، وكل المؤسسات التي لها دور في عملية التثقيف والتوجيه في المجتمع، أو من خلال إقامة أطر جديدة تسهم في تنمية هذه الثقافة وتجذيرها، إلى أن تتحول عملية المطالعة إلى عادة يومية مثل الطعام والشراب تخصص لها أوقات وفترات محددة.

وعليه فإن المشاريع والنشاطات والبرامج المدرسية، والتي تمت الإشارة إليها في المقالة السابقة، يمكن أن تساهم في حماية مستقبل الطفولة، وتحد من هذا التغول التكنولوجي، ويكون لها وقعاً إيجابياً في نفس الطالب، وتترك أثراً حميداً على شخصية، حيث يمكن أن تنشأ علاقة حميمة بين الطالب والكتاب وموضوع القراءة، وهو الأمر الذي يسهم مع مرور الوقت في التأسيس لثقافة القراءة وتكريسها. فعندما يكبر الطالب مع الكتاب وعادة القراءة، يصبح الكتاب جزءاً من شخصيته ومن تربيته منذ نعومة أظافره، خصوصاً بين الفئات العمرية الصغيرة وطلبة المدارس.

إن حماية مستقبل الطفولة من هذا التغول التكنولوجي يتطلب وضع الخطط والبرامج والفعاليات والانشطة التي تتوجه إلى الطفل/الطالب وتدربه على ثقافة المطالعة، وتنمي عنده حب القراءة وتجذبه إليها، وتُعوِّدُه عليها، وتوسع أفق الخيال لديه، وتزرع فيه القيم والعادات والتقاليد التي ترتقي بثقافته، وتزوده بما يؤهله للتعامل مع الحياة بنجاح، وتقوي مناعته ضد سائر الملوثات التي تحول بينه وبين تحقيق آمال وطموحات المستقبل. فالتكنلوجيا إذا ما أحسن استخدامها، وأرْشِد الصغار إلى التعامل السليم مع برامجها، فإنها بالتأكيد ستغدو أمراً إيجابياً في تنمية عادة القراءة لديهم، وتغرس حبها في نفوسهم، إلى أن تصبح عادة لهم يمارسونها ويستمتعون بها.