أزمة الفكر المُضاد

 لم يدرِ الكاتب والمًفكر المصري فرج فودة أنه سيكون واحداً من ضحايا فكره ، حيثُ تبنيه لفكرة الانفصال اللازم بين الأمور السياسية وقيادة الدولة و الأحكام الدينية تحت مفهوم العلمانية وتوضيحه لدوافعه و أهدافه في كتبه المشورة والتي كان أحدها كتاب ( الحقيقة الغائبة ) سيدفع مناوئيه لتأليب الرأي العام ضِده بدعوى الكفر والإساءة للرموز التاريخية ، مما حدا بقاتلٍ أمي - يجهل من اللغة أحرفها – بإطلاق النار عليه ليقضي نحبه صريع الجهل المُستغل من قِبل فكرٍ مُضاد له في التوجه و الاتجاه .


الحقيقة الغائبة للدكتور فودة ، فن الهوى للشاعر الروماني أوفيديوس – مسند علي بن أبي طالب للنسائي عناوين لكتبٍ مختلفة لفكرٍ مختلف لكنها تصبُ في نهر واحدٍ وتجمعها قضية واحدة ، أن أصحابها قضوا ضحايا الفِكر المتبنى المُدرج ضمن سطور الكتاب ، مع اختلاف الأدوات والعوامل و اختلاف المناوئ .


بالنظرة الواقعية لمتشابهات المذكور نجد أن البشرية وقفتْ موقفاً مضاداً لكل فكرٍ مختلف عنها حتى صارت حالة مأزومة تفتت من ترابط الوسط الواحد وتهدر من قواه في الصراعات وتداعياتها .


لم تعرف قضية الاختلاف مبدأ الاعتدال والوسطية و القبول من الآخر من الآخر المختلف ، فلم يُنتج الاختلاف الفكري أو المنهجي أو العرقي وصولاً للاختلاف الديني أو العقائدي إلا خلافاً تتسع دائرته بين أفراد الوسط الواحد فضلاً عن الأوساط المختلفة .


ذلك أن العقل البشري حين يُحكم بقيودٍ فكرية أو دوافع نفسية أو غايات شخصية بحتة فإنه يقع صريع الفكرة الواحدة واللا تعددية .. فهو مكبلٌ أمام الآخر رافضٌ لوجوده ، إضافةً لدافع الميل النفسي للمشابه المُقارب والذي بحد ذاته له دورٌ فعّال لدفع الإنسان في رفض الآخر المُختلف ومعاداته .


هذه الدوافع ولعلّ دوافع أخرى سواها تفرض على أصحابها رؤية معينة تحكمها في تصنيف الآخر وفي أيدلوجيا تعاملها معه .
فالآخر معرضٌ إما : للتهميش أو الإسقاط أو مصادرة الحرية أو الاغتيال .


خاصةً حين يحتكم لعامل الأقلية والأغلبية الذي يفرض سيطرة الأخيرة على الأولى .


وهذا لا يعطي حالة نفي لوجود ضحايا آخرين لهذه الأزمة هم رعايا الفكر المُضاد أنفسهم ، فهم عرضةً للاستغلال الفكري والعاطفي والتعبئة الفكرية والشحن النفسي من قِبل مثقفي أو علماء جهته عن طريق تسخير نقاط الثقة بهم و استخداماً لمكانتهم ووضعيتهم ، استخداماً للجهل و حالة انعدام الوعي في تحريك الرأي الشعبي أو العام لإسقاط الآخر أو إيغار الصدور ضده و التأليب عليه ، ليُنفى ( أوفيديوس ) أو يُغتال ( فرج فودة ) .


وقد يكون صاحب الفكر نفسه هو الأداة العملية في ارتكاب جريمته كما حدث للنسائي حين رفض الاستجابة بتأليف مصنف في فضائل معاوية كما فعل في مناوئه الإمام علي بن أبي طالب في كتابه مسند علي بن أبي طالب .


تحتاج البشرية لفضاء واسع و أفق رحب تنطلق فيه ضمن القبول بمبدأ الاختلاف دون الخِلاف وقبول الآخر تحرراً ن جميع الأغلال النفسية ، السياسية أو الشخصية لتضمحل هذه الأزمة مضمومةً للمنطلق الإنساني المكفول ضمن البند الثامن عشر من بنود حقوق الإنسان ( لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ، وحرية الإعراب عنها بالتعليم والدراسة والممارسة و إقامة الشعائر سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة ) أو ذلك الذي عبّر عنه الأديب الفرنسي فولتير بقوله [ قد أختلف معك في كثيرٍ من الأمور ، لكني على استعداد للموت في سبيل حقك للدفاع عن رأيك ] أو حقك في تبني فكرك يا فولتير .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - ام الحمام ]: 8 / 4 / 2010م - 10:52 ص
الأخت الكريمة عايدة / وفقها الله
سنظل نراوحك مكانك سر إلى أمد بعيد مادام هذا الفكر الشمولي الأحادي هو المسيطر على عقولنا ونفوسنا , فكل يقول أنا الصواب وماعداي فهو هراء !!
فرج فودة أو محاولة اغتيال نجيب محفوظ ونفي نصر أبو زيد بل وحتى حرق الحلاج لن تنتهي وتتوقف فمسيرة الفكر الديني الصارمة مستمرة ,رغم أن هذا الدين يسر وليس عسر , وله قراءات أخرى تختلف عن قراءة هذا الذي يكفر أو يتحزب أو يتخندق .
نحيي الشبكة على الجرأة في طرحها لفكر جديد نحتاج له كثيرا , وتحية تملأ الصباح لك يا أستاذة على هذا التفوق الثقافي .
رعاك الله .
2
حسين الحرز
[ السعودية - القطيف/ أ الحمام. ]: 10 / 4 / 2010م - 12:07 م
أنا قلت لك من قبل ، أنا دون مديحك وأنت فوق تشجيعي ، بارك الله فيك على هذا القلم الذي ينزف حكمة وينطق إبداعا ويسكب بحر كلمٍ يحلق بنا في ملكوت روعة ما تخطين وجميل ما تكتبين