بين عصري القلم وكرة القدم

بين القلم وكرة القدم مسافة طويلة لا يمكن أبدا اختصارها في بضع كلمات بل تحتاج إلى كتب ومجلدات؛ ذلك أنهما يمثلان عند البعض خطين متوازيين لا يلتقيان إلا قليلا، بينما يراهما آخرون في ذات السياق.

وينسب للكاتب الكبير توفيق الحكيم أنه عندما سمع بأن لاعب كرة قدم في العشرين من عمره حصل على ثلاث ملايين جنيه، قال «انتهى زمن القلم وجاء زمن القدم»، مضيفا بعد أن قام بعملية حسابية أن جميع المفكرين والكتاب منذ آدم وحتى عصره لم يحصلوا مجتمعين على هذا المبلغ!

كما أن الكاتب الأرجنتيني الشهير خورخي بورخيس والذي اشتهر بأنه من أكثر الأشخاص الذين قرؤوا كتبا في العالم لم تكن كرة القدم تروق له بل كان يعتبرها نوعا من المراوغات المنفرة ومن أسوأ ما أنتجه الإنجليز، بل كان يعتبرها محاولة لخداع الناس عبر منحهم انتصارات وهمية!

ولكن في المقابل فإن هناك من الكتاب والمثقفين والشعراء من يهوى هذه الرياضة الساحرة، حتى إن أحد الشعراء المصريين «خالد السنديوني» كتب ديوانا كاملا عن كرة القدم هو الأول في العالم عن هذه الرياضة أسماه «اللاعب» وذلك بعد أن قرأ مقالا تحت عنوان «كرة القدم والشعر لا يجتمعان» للشاعر والناقد الأميركي أرشيبالد ماكليش فرد عليه حينها بقوله: كرة القدم والشعر شيء واحد، أنا شاعر ولاعب كرة قدم.

وقد تحدثت بعض الكتب بمختلف اللغات عن مؤيدي كرة القدم بين الكتّاب منهم الكاتب أشرف عبدالشافي في كتابه «المثقفون وكرة القدم». فقد ذكر عبدالشافي أن منهم الكاتب الكبير نجيب محفوظ الذي كان يقول: قد لا يصدق أحد أنني كنت في يوم من الأيام كابتن في كرة القدم، واستمر عشقي لها حوالي عشر سنوات متصلة، في أثناء دراستي بالمرحلة الابتدائية والثانوية، ولم يأخذني منها سوى الأدب، ولو كنت داومت على ممارستها فربما أصبحت من نجومها البارزين.

كما كان من محبي هذه الرياضة الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي «1875 - 1945م» والشاعر الفلسطيني محمود درويش «1941 - 2006م» اللذين كتبا أبياتا فيها. وكان درويش يعتبرها أشرف الحروب وكتب قصيدة في اللاعب مارادونا عندما فازت الأرجنتين بكأس العالم.

وقد كان الشاعر الإنجليزي ت. س. إليوت «الحاصل على جائزة نوبل 1948» مغرما بها وكان يرى أن الكرة هي العنصر الأساس في الثقافة المعاصرة «ويعترف بأنه كان يتهرب من الندوات التي يتصادف موعد انعقادها مع إقامة مباراة»، وقال في حقها: أغبياء أولئك الذين يكرهون كرة القدم، إنها لا تقل أهمية عن القصة والرواية.

كما جاء في الكتاب أعلاه أيضا أنه كانت هناك محاولات من جهات كروية للترويج للقراءة والأدب منها ما حصل في مونديال 2006 في ألمانيا حيث تم توجيه الدعوة لبعض أدباء العالم لحضوره وتم تخصيص قسم لأدب كرة القدم بحيث يشاهده الجمهور قبل دخوله الأستاد الرياضي، وتم دعوة الأديب الألماني الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1999م وهو جونتر جراس «1927 - 2015م» لكي يقرأ مقاطع من أعماله في الأستاد الرياضي الرئيسي للمونديال.

وكان ممن حاول التقريب بين محبي القراءة ومحبي كرة القدم الكاتب ادواردو غاليانو الأوروغوياني في كتابه «كرة القدم بين الشمس والظل» حيث كان هذا الكاتب محبا لكرة القدم في صغره لكنه لم يفلح كثيرا فيها واستمر في تعلقه بها. ولأنه أجاد فن الكتابة مع حبه للقراءة فإنه ارتأى أن يكتب هذا الكتاب محاولا فيه أن يقرب الطرفين من بعضهما البعض. فهو يجذب محبي القراءة إلى هذه الرياضة الجميلة عبر إيراد قصص رائعة حولها منذ بداياتها قبل آلاف السنين وحتى يومنا هذا، كما أنه وبالأسلوب الرائع التي كتب به الكتاب والمعلومات الثرية والطريفة يحاول أن يدفع محبي كرة القدم نحو القراءة.

· أنا من جهتي أفضل متابعة المباراة حتى لو كان من سيحيي الأمسية المتنبي. «قالها محمود درويش في إحدى أمسياته التي تزامنت مع مباراة فرنسا واسبانيا».