لا ترحم أي كتاب

يختلف الناس في نظرتهم إلى التعامل مع الكتاب بعد شرائه؛ فمنهم من يعده كنزًا تجب المحافظة عليه من الغلاف إلى الغلاف، ولذلك فإنهم لا يكادون يمسون أي صفحة منه بأي سوء، ولا يحاولون كتابة أي حرف أو أي خط على سطوره، بل إنهم لا يقومون حتى بثني أعلى صفحاته لتكون علامة دالة على الصفحة التي يصلون إليها، ولذلك لا تكاد تعرف أي الكتب في مكتباتهم قد قرئت وأيها لم تقرأ. وقد كنت أرى في صغري بعض قراء الكتب يغلفون أغلفة كتبهم بجزء من جريدة حتى يبقى الغلاف نظيفًا، وربما حتى لا يعرف الآخرون اسم الكتاب الذي يقرؤونه. وهذا النهج يبدو لي أنه مبالغة في المحافظة على الكتب تحرم صاحبها من الاستمتاع الكافي بها. فالكتاب الذي ينبغي أن يعد صديق العمر وليس مجرد رفيق سفر للقارئ لا يحسن التكلف في التعامل معه، بل يحسن أن يكون مع قارئه في جميع حالاته؛ وقوفًا وجلوسًا واضطجاعًا وسفرًا وحضرًا، وحتى على مائدة الطعام وفي أي مكان يكون فيه، ويدخل في جميع تفاصيل يومياته. لذا فإن مزيدًا من الحرص عليه يعني بالضرورة تقليلًا في التعامل معه، وهو ما لا نتمنى حصوله.

لكن هناك فئة من الناس لا ترحم الكتب، معتقدة أن عمر الكتاب ينتهي بانتهاء قراءته على أحسن تقدير، ولذلك فإنهم لا يتركون الكتب نظيفة، بالطبع إذا كانت الكتب ملكهم؛ فيكتبون عليها ملاحظاتهم، ويضعون خطوطًا تحت الجمل المفيدة والجذابة، وربما شطبوا بعض الجمل بأقلامهم، وقد يستخدمون أقلامًا لماعة تبرز المعلومة وتسهل على متصفحها إيجادها لاحقًا. وقد يضعون دوائر حول الأرقام والإحصاءات اللافتة، وأسهمًا وعلامات «صح» ورسمات قلوب أمام ما يحبونه من معلومات، وعلامات «إكس» أمام ما يكرهونه. وهم بذلك قد لا يعتقدون بأن ذلك يقلل من سعر الكتاب إذا ما حاولوا بيعه مستقبلًا، وقد لا يهتمون لذلك أبدًا، لأنه في الأساس كتاب مستعمل حتى لو اشتُرِي قبل ساعات، بل إنه قد تكون تلك العلامات مفيدة لمن يقرؤه أو يشتريه مستقبلًا. وقد يبالغ بعضهم فيمزق أوراق كل كتاب يقرؤه بعد أن يفرغ منه ويصنع منها زوارق صغيرة مثلا، كما كان يفعل الشاعر الإنجليزي بيرسي شيللي «1792 - 1822م».

شخصيًّا أحافظ على الكتب التي أقتنيها، لكنني لا أبالغ في ذلك، فقد أثني صفحة كتاب إن لم أجد علامة ما أضعها فيه، وقد أكبه على وجهه إن قمت مستعجلًا، لكنني نادرًا ما كنت أكتب على صفحات الكتب أي ملاحظات، بل قد أكتب إما على أوراق خارجية أدسها داخل الكتاب، وإما في دفتر أخصصه لذلك. أما في عصر القراءة الإلكترونية فقد أصبح الأمر أسهل بالنسبة لي؛ إذ إنني أصور الشاشة وألصق صورتها في أحد الملفات التي أخصصها لموضوع الكتاب.

عزيزي القارئ بعد أن تشتري الكتاب فإنه يصبح ملكًا لك، تستطيع أن تفعل به ما تشاء ولا علاقة لأحد غيرك بذلك، حتى مؤلفه. فالمهم أنك قد قرأته ولم تَضِعْ سُدى تلك الأموال التي دفعتها ثمنًا له.