البطالة أساس الجريمة

الأستاذ / فوزي صادق *

البطالة مرض عضال يصيب الشعوب في أهم مراحل رجاله، وهم فئة الشباب، فيصعب استئصاله إذا استفحل شره وقوي أمره، وللبطالة دورة انتشار في جسم المجتمع كالسرطان المتوغل بقوة، وفي مراحل تلك الدورة يبدأ ضعيفاً حتى يسيطر على مكامن الشباب وهم كنز وإرث وحاضر كل مجتمع،  فقوة الشباب وضعفها الثقافية والحضارية تتحدد مدى قوة المجتمع .

وتتعدد أسباب البطالة تبعاً لعادات وتقاليد تلك الشعوب ، وتنقسم البطالة إلي نوعين، وتنقسم البطالة إلي نوعين :

 الأولى : بطالة غير مقصودة  ( لا إرادية ) :

وضحاياها المتعلمين و خريجي الجامعات ، وتسمى بطالة مثقفة، وهي موجودة في أغلب بلدان العالم  و خاصة بلدان الشرق الأوسط النامية ودول المغرب العربي، كمصر والمغرب وتونس، حيث يرغب معظم شباب هذه الدول الحصول على عمل يناسب شهادتهم وكفاءاتهم العلمية، فيظلوا في حالة بحث مستمر يمنة ويسرى عن فرص لشغل وظائفهم المكدسة، فتمر الأيام تلو الأيام و تكثر الوعود و يطول الانتظار ويعم اليأس، فلا فرصة تعرض ولا عمل يذكر ...

ثانياً : بطالة مقصودة ( إرادية )  :

 وفيها الشباب غير عصامي ولا يعتمد على نفسه ، بل على غيره ، بحيث يحصل على نفقاته المادية من أقاربه ، وفي حال انقطعت عنه تلك الإعانة، دفعته الحاجة وضعف الوازع الديني إلي الجريمة، وخاصة مدمني المخدرات والمسكرات، فتدفعه نفسه الشيطانية إلي السرقة ، وربما السرقة المنظمة مع عدة أفراد، ليصرف المال الحرام على حاجاته وحوائجه.

ومن محفزات أسباب البطالة الأولى الغير مقصودة ، غياب الفرص الوظيفية للشباب بسبب انعدام قدرة الدول على توفير مجالات العمل في الدوائر الحكومية و الشركات والمؤسسات الأهلية، وهجرة الأجانب العكسية إلي وطننا وخطف الفرص الوظيفية للمواطنين.

 أما محفزات النوع الثاني من البطالة، فهي المجتمعات الغنية ، حيث تنشأ بها أجيال مدللة كسولة، وهم الشباب فيها الانغماس في الملذات والاعتماد على الوالدين في  الإنفاق، وهذه الشريحة هي اخطر أنواع البطالة كما هي الحال عندنا بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، فعندما تتوفر الصحة والمال والفراغ يكون الانحراف ويكون الانغماس في الرذائل  والجريمة المنظمة، حيث يتيه بعض هؤلاء الشباب ( المدللون ) إلي العبث بالأموال التي لديهم في الحصول على هوايات وعادات سيئة كالخمور والزنا والدخول في عالم الجريمة.

القضاء على البطالة ، قضاء على الجريمة :

إن لثقافة الأهل المحيطين بالشاب دور كبير في القضاء على  البطالة، فعندما يتعدى حب الأبناء إلى درجة توفير كل الاحتياجات الضرورية وغير الضرورية وبحجة أن مهمة الأهل هي إسعاد الأبناء من خلال سد احتياجاتهم المادية، حيث تخلق لدى الشاب جو من الكسل والخمول والابتعاد عن الثقة بالنفس وعن جو العمل حتى تفتح للشاب أبواب عالم البطالة، وفيها أسرع الطرق للانحراف، وخاصة في عمر المراهقة الخطرة، فالشباب يمتلكون طاقات جبارة بين سن المراهقة وبين سن النضج، فإذا لم تستغل هذه الفترة في تكوين فكر واعني وناضج، وزرع ثقة العمل والاعتماد على النفس والاستقلالية ورسم خطط مدروسة لمستقبله وعدم الاعتماد على الغير كالأهل والأصحاب ، وحصر دورهم في التربية بالتوجيه والإرشاد من واقع خبراتهم في الحياة، ومن ثم تقع المسئولية على المؤسسات التعليمية من مدراس ومعاهد وجامعات بغرس مبادئ الاعتماد على النفس والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في تنشئة جيل واعي يدرك بأنه تقع على عاتقه بناء الأوطان من خلال الإنتاج لمصلحة المجتمعات وقبول التحدي للرقي بالمجتمعات إلى الاكتفاء الذاتي في حدود الموارد المتاحة  فمكافحة الجريمة لا تتم إلا بمعالجة قضية البطالة وبتعاون وتكثيف الجهود بين البيت والمجتمع والحكومة، وذلك من خلال توفير فرص العمل والوظائف وشغل الفراغ للمواطنين والحد من إغراق السوق بالعمالة الأجنبية .

روائي وباحث اجتماعي