طَعم الحياة... لمن تَذوّق جوهرها

هل للحياة نكهة؟

نعم، للحياة نكهة خاصة لا يشعر بها إلا من عاشها بقلبٍ ممتلئ بالإيمان، وعقلٍ منفتح على الجمال، وروحٍ ترى في كل صباح بداية جديدة لا تكرارًا مملاً.

إنه طَعم لا يُدركه من يحيا بنصف وعي، أو من غلبت عليه ظنون التشاؤم، أو من خنقته نظرة ضيقة لا ترى في الدنيا إلا وجعًا وخوفًا.

الذين لا يلمسون طَعم الحياة هم أولئك الذين عاشوا على هامشها، لا لأن الحياة لم تُعطِهم، بل لأنهم لم يُقبلوا عليها بكامل أرواحهم.

من يبتسم للحياة... تبتسم له الحياة

الحياة تفتح أبوابها للمقبلين، لمن يستيقظ وفي قلبه نية للخير، وفي عينيه ضوء رجاء، وفي فمه كلمة طيبة يزرع بها الأمل من حوله.

هي تميل لمن يتوكأ على الأمل لا على الشك، وتمنح ثمارها لمن يزرعها بالعمل لا بالحزن.

قال الإمام الصادق : الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين «1».

فمن قبِل بكل ما يأتيه من الله، وتيقّن أن الخير خلف كل أمر، سيتذوق طَعم الرضا... وهو أشهى طَعم في الدنيا.

حين يختبرك الألم... اصنع منه أملاً

أروي لكم قصة ”عبدالرحمن“، شابًا في مقتبل العمر، يملأ الوجوه حوله نورًا بابتسامته.

ذات يوم، مرض فجأة. وبعد فحوصات طويلة، قال له الطبيب: ”أنت بحاجة إلى عملية دقيقة، وقد تكون خطيرة.“

سكتت الحياة في عينيه، وابتلع الحزن ضوء وجهه.

جلستُ بقربه وقلت:

- ”عبدالرحمن، أنت لست مجرد تشخيص طبي، أنت روح قادرة على التجاوز، قلب مملوء بالإيمان، ألا تصدق أن الله لا يختار لعباده إلا الخير؟“

أُجريت العملية، وتعافى عبد الرحمن، بل عاد أقوى من قبل، يزرع الأمل في قلوب المرضى، وينشر النور في ممرات المستشفيات.

لا تيأس... فالله أقرب مما تظن

قال تعالى:: ”وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ“ يوسف «87»

هي صرخة السماء في وجه اليأس، دعوة مفتوحة للاستمرار مهما اشتدّ الظلام.

نعم، لا تسمح لكلمة، أو موقف، أو تقرير، أن يُغلق فيك أبواب الحياة.

اليأس وهم... أما الأمل فحقيقة يراها كل من أغمض عينه عن السواد، وفتح قلبه للنور.

العمر ليس بعدد السنوات... بل بروحك التي تُضيء

ذات مرة، رأيتُ رجلًا في التسعين من عمره، يمسك كتابًا، يناقش، يكتب، يحلم.

قلت: هذا هو من تذوّق طَعم الحياة حقًا.

لم يسمح للعمر أن يُقيده، بل جعله سُلّمًا نحو المعرفة والبهجة.

إنها الروح التي لا تشيخ، والنفس التي ترى كل يوم فرصة، لا عبئًا.

الحياة نعمة... فاجعلها رصيدًا للآخرة

يا لها من دعوة نبيلة نُرددها في دعائنا: ”واجعل الحياة زيادة لي في كل خير.“

لم نُخلق عبثًا... وكل لحظة نعيشها يمكن أن تكون لبنة تُضاف إلى بناء الآخرة.

فلماذا لا نجعل من الحياة ساحة عبادة، وحقل خير، ومنصة عطاء؟

وازن بين دنياك وآخرتك... وكن إيجابيًا دائمًا

قال الإمام الحسن المجتبى : واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا «2».

فلا تُهمل دنياك فتندم، ولا تغفل عن آخرتك فتخسر. تذكر قوله تعالى: ”وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ“ القصص /77

وازِن بين الطَرفين، لتصنع حياةً ملؤها المعنى، وتستشعر فيها طَعم الحياة الحقيقي.

عش الحياة كما يجب أن تُعاش

الطَعم الحقيقي للحياة لا يأتي من غياب الألم، بل من الإيمان وسط الألم، ومن الأمل بعد الانكسار، ومن العمل حين يفتك الكسل.

فكن إيجابيًا، واسعِ في الخير، واملأ صباحك بالتفاؤل...

تذوّق الحياة، فهي تستحق.

1. ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج2 - ص 1093
2. موسوعة كلمات الإمام الحسن - لجنة الحديث في معهد باقر العلوم - الصفحة 198.
أخصائي التغذية العلاجية