دروس تستفاد..

المجتمع الشيعي السعودي بين التوازن والتغيير

جعفر محمد العيد

يبدو أن المجتمع السعودي يمر في مرحلة تغييراجتماعي سريعة وشديدة ، الى درجة أن الأجهزة الحكومية لم تستطع مواكبتها ولا المسؤولين ، ولا حتى القيادت الاجتماعية من رجال الدين والمثقفين .. وغيرهم ، كنت أعتقد لفترة أن هذا يتم على صعيد جدة والرياض فقط ، لكن يبدو أن الأمر أكبر من ذلك ، ساتناول في هذا الموضوع جانبا من تغييرات المجتمع السعودي في المنطقة الشرقية .


وهذه المنطقة على الرغم من أهميتها الاقتصاديه،اذ تحتوي أكبر حقول البترول على مستوى العالم خصوصا حقل القطيف الذي يحوي الكثير من الغازات .. هذه المنطقة ليست نفطا فقط ، انمامجتمعا فاعلا تعصف به ارهاصات التغيير من كل جانب،ولم تكن الدراسات الاجتماعية عن هذا المجتمع بمستوىالتغيرات السريعة التي تحدث فيه .


إن التغيرات طالما فاجئت غير المراقبين بسيطرتها على الساحة الا أن الاحداث دائما ماتحدث بفعل محرك يحركها،، ففي كل مرة يبدو للرائي أن رتم الحركة والتفاعل في المجتمع الشيعي السعودي عاديا( مستقرا ) مع مافيه من تفاوتات ، وتنافسات في المكانة والنفوذ بين كافة الأطياف الاجتماعية في المجتمع الشيعي.

فجأة تقفز للساحة مجموعة من الأحداث الصغيرة تتكشف من خلفها تغيرات كبيرة  , وهذا ماشهدته الساحة في الأشهر الثلاثة الماضيه (جمادى الثاني رجب وشعبان) من العام الحالي1431هـ مجموعة من الأحداث، بعضها مقصود وبعضها غير مقصود ، انما أملته الأحداث ، قد لايكون الحدث مهما لوحده انما تفسير الحدث ، وترتيب أحداثه ن وتوجيه الاتهام ، وتأليب الراي العام المحلي ، والظرب على نقاط حساسه داخل المجتمع هي هامة ، ومؤثرة بمقدار الحدث نفسه .

نحاول هنا أن نقف وقفة تأمل في الأحداث العاصفة التي ابتدأت من تكريم القاضيين في المحكمة السنية بالقطيف؛ ولأن أحدهما تورط في ظلم الشهيد صادق مال الله الى ان أوصله الى المقصله ،فلم يكن تكريمهما محل رضى شرائح المجتمع القطيفي بشكل عام، الأمر الذي أصاب هذا الشارع بحالة من الغضب والقهر الجمعي لم يعرف الناس أين يفرغونه ،زاد من ذلك عدم اقدام السلطات على خطوة الاعتراف ازالة التمييز الطائفي زاد من حدة الوضع ، وبدا السقوط الدراماتيكي لبعض الشخصيات الفاعلة في تكريم القاضيين واضحا وشبيها لما جرى لبعض الشخصيات الدينية في المجتمع السني ، وتتالت الأحداث التي لاأجد أن المقالة معنية بسردها.

ولم تنتهي هذه الأحداث باستضافة الشيخ حسن الصفار للدكتور البريك .

والذي يبدو لنا أن الأخير لم يدرك الوضع القطيفي الخاص ، عندما جاء محملا برسائل أقل مايقال عنها؛ أنها غير ودية للمجتمع الشيعي ، الأمرالذي لم يكن مقبولاحتى من قبل الشيخ الصفار نفسه والحاضرين في مجلسه ذلك الوقت .

إن تضخيم زيارة الدكتور البريك للشيخ الصفار جاء كحالة انتقاميه للفتق الذي أحدثه المكرمون للقاضيين. مرورا بمجموعة من الأحداث يجب التوقف عندها لأخذ العبر ، وكان من المفترض على كل الأطراف ( خصوصا ) المتنازع منها التوقف عند ها ( بعد هدوء العاصفة) لأخذ الدروس والعبر ومراجعة الحساب ، والتساؤل بوضوح مع الذات عن مدى تأثير هذا الصراع على المجتمع وأفراده ، وعدم الاصرار على موقف معين كعصبية جاهلية لايمكن تغييرها.سنسلط الضوء على نقطتين أرى لهما الأهمية أكثر من غيرها ( 1 / كيف يمكن أن يتم التوازن الإجتماعي 2 / المناسبات الشيعية ومحاولات الاستغلال)·

التوازن الاجتماعي متى( يفيد .. لايفيد)المجتمع


واحدة من صفات المجتمع( أي مجتمع ) أنه يحاول العودة الى التوازن بعد أي خضة تصيبه .. تراءى لي في خضم هذه الأحداث الأخيرة أن المشتركون في الصراع غير مدركين ( أو غاب عنهم على أقل التقادير ) الخطورة المنعكسة على الوضع الاجتماعي ، ففي هذه الأيام الذي نتكلم فيها بهدوء كانت الأحداث كفيلة بزعزعة كل القوى من أماكنها ، وممارسة مايطلق عليه حالة الجبر الاجتماعي للإصطفاف خلف جهة أو تجمع اوفرد قد رايناه في ذلك الوقت مظلوما، أو معتدى عليه ..إنها ( هذه الأحداث ) اصابت المجتمع بالذهول والتصدع والتفكك ، بسبب دخول علماء الدين في حلبة الصراع ،وهنا يحاول المجتمع استيعاب الصدمه،من أجل ايقاف هذا الانهيار للحفاظ على التوازنات المجتمعية .


وبالعودة الىموضوع التوازن المجتمعي الذ ليس سهلا كما يتصوره البعض ، الجماهير ليست جاهلة وليست مغفلة بالمرة كما يتصورها البعض، فكثير من الناس ( ونظرا لانتشار التقنية ووسائل الاتصال ) باتوا واعون لمايجرى في الساحة العالمية من احداث ، بحيث لايمكن لمن هب ودب أن يملي عليها ماتفعل دون علم ودون تفكير كوصاية الهيه.


وقصة العودة الى التوازن قد تكلف البعض ثمن تصرفاته ، فالذين يستغلون الدين لتحطيم القيم الدينية في المجتمع ، ويمارسون الغيبة والنميمة والفحش من القول في دور العباده أمر مرفوض من قبل الناس العاديين ، وعليه فهؤلاء قد سلكوا طريقا خاطئاقد يوصلهم الى القطيعة من قبل افراد المجتمع .. نتمنى من هؤلاء أن يعودوا الى رشدهم لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا كما أن التجمعات التي تمارس الوصاية على القطيف ، وأهل القطيف بمسميات شتى مناطقيه ، أو عرقيه ، لم يعد الأمر كذلك .. وإن استخدام الكذب والخديعة والتزوير ، وان بدا للفترة الأولى اسلوبا ناجحا فإنه لايمكنه الاستمرار ، ان الساحة واسعة لمن يريد العمل ، الأهم أن تكون المنافسة شريفة ، وفق شروط اللعبه ، ولندع المتنافسين يعملون ففي ذلك فائدة للجميع ، مايمكن أن يعاب في هذا الصدد ، هو السعي للاطاحة بالخصم ، أو اسقاطه دينيا عن طريق التسقيط ، وتضخيم القضايا الصغيرة للخصم كفرصة للهجوم عليه ،لم يكن مقبولا في السابق ولا في الوقت الحالي أن يعمل رجل دين للتجيش على رجل دين آخر ، والعمل على اسقاطه.

فالبروز عندها سيكون وهميا خلقه اسقاط الخصم ، وليس بروزا اثبتته الجدارة والعمل .


فقبل هذه الأحداث كانت شخصية رجل الدين محترمة في بلادنا ولها وزنها عند كل افراد المجتمع .. اذا واصل بعض رجال الدين استخدام هذه الوسيلة فسيسقط معظم رجال الدين في صورة المجتمع .. وبالتالي فرجل الدين لن يتحلى بتلك المكانة الاجتماعيه ، وسيكتب التاريخ في صفحاته هذه الأحداث انها بداية الانهيار وسيخلد اسماء هؤلاء ، ولن يدوم الفرح طويلا ، فالدنيا دولاب يمكن أن يجور على هؤلاء حينها لايمكن أن يجدوا لهم ناصرا ، ولن يعذروا لأنهم بدأوا هذا الخط الخارج عن الطريق.

ميكيانزم المناسبات الشيعية

الأمر الثاني والذي أثبتته الأحداث الأخيره ، هو أن هناك مجموعة من الناس تحاول استغلال المناسبات الاسلامية أو الشيعية منها لتجييرها لمصالحها الخاصه ، سواء كانت مصالح فردية أو جماعيه، وهذا أمر غاية في الخطورة .


ومع تسليمنا بحرية الناس في التصرف الا أن هناك قواعد مشتركة قد اتفق الجميع على احترامها خصوصا اتباع المذهب الشيعي ، وهي عدم تجيير الصراع باسم الدين لنصر جماعة معينة ، وعدم استخدام السب والشتم ، واستغابة الناس والتعريض بهم في بيوت الله أو الأماكن المطهرة كالحسينيات ، اضافة الى ذلك عدم الخروج عن الاطار الأخلاقي الذي رسمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، من استخدام الفحش من الحديث ، او الكلمات الخارقةلأخلاق البشريه ( لايحب الله الجهربالسوء من القول الا من ظلم ) ولقد استخدم بعض المتنافسون من الشيعة جميع الأساليب السالفة الذكر .

لكن الملفت للنظر أن هذه المناسبات الدينية تمتلك استقلالية ، وديناميكية الاستمرار ، ولم تخلذه المناسبات ( في فترة من الفترات)من محاولات الاستغلال على مسيرة التاريخ ،لكن الأحداث أثبتت هذه المناسبات مهما حاول البعض استغلالها ، فإن ذلك مدعاة للفشل وجرت الكثير من المحاولات سواء من قبل الدول الاستعماريه ، والحكومات ، والأحزاب على شتى مشاربها؛ خصوصا في فترات الاضطراب السياسي ، والقلق الاجتماعي والتردي الأخلاقي كما حدث في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية), راجع( الحيدري، ابراهيم ـ تراجيديا كربلاء ـ سوسيولجيا الخطاب الشيعي ـ صـ 432 دار الكتاب اللبناني 2002م).


ومع اننا لانذهب الى درجة الحصانة لهذه المناسبات ، لكن الواضح أن ابناء المجتمع الشيعي بجميع تفاصيله كانت تبعد وتنزه المجالس ، والمناسبات الشيعيه عن المصالح والاستغلالات الثانويه ، من هنا فإن الخطوة التي قام بها أحد الخطباء بالاسفاف في الحديث على شخصية عالم محترم له مكانته ودوره في المجتمع كالشيخ حسن الصفار لقيت استهجانا واسعا من قبل الناس العاديين قبل المثقفين ،.. إن كل هذه الأحداث تفيد مجتمعنا ، وتعطيه دروساً كثيرة . وذلك عندما يبادر المحسنون والصالحون في المجتمع لايقافه، ووضع معايير للتنافس والصراع الاجتماعي داخل ادائرة الشيعيه.

أي وضع خطوط حمراء لايجب أن يتخطاها الفرد أو الجماعة تجاه الجماعات الأخرى ،و تبادر جهات اجتماعية للمصالحة وإصلاح ماجرى ..قد تكون مبادرة جمع المثقفين وبيانهم الذي حاولوا فيه وقف التراشق الاعلامي تصب في هذه الخانة ؛لكن الوصول الى أي واحدة من النتائج السابقه اذا ماتمت فهي تعتبر أقل النتائج الخطيرة التي يواجهها هذا القسم من المجتمع السعودي ..وأخطر النتائج هو انقسام المجتمع وتناحره ، اذا ماقرر قسم من الجماعات الشيعية التمترس حول مواقفه حتى وإن كانت خاطئه ، وقد تؤدي الى نتائج كارثية لاسمح الله .


الخلاصة / ان التغيرات الحادثة في المجتمع شرقي الجزيرة العربية .. تحدث بفعل اجتماعي من قبل المتنافسين .. يتأمل أن يحترموا قواعد اللعبة من أجل ديمومة المجتمع وسلامته .