سهمٌ ومرآة

مشاهدٌ مألوفة تطالعنا كل يوم، ونشاهدها كل صباح، يقف الكبار مشمرين عن سواعدهم منتفخي الأوداج أمام طفل صغير.. يصرخون في وجهه بكل صلافة بالحروف الثلاثية المعروفة والمشهورة على ألسن الكبار : (عيب)..

كلمة عيب تصيب الأطفال بالجمود، تلتهمهم بالرعاش الساري في العروق والأعماق، هذه الكلمة المدوية يقشعر لها البدن ويقف لهولها الشعر، وكثيراً ما نجد بعدها انهاراً متعمقة من عيون ذلك الصغير، أو تلك الطفلة البريئة المسكينة.. أقيس الفعلة الصغيرة التي فعلتها بحسن نية أو بطفولة عابرة لا تقصد بها إيذاء أحد، فترتطم تلك النفسية الملائكية بكلمة مزعجة مقرفة صماء.. في تلك المياه الراكدة الصافية؛ لتبدو أكثر انزعاجاً وظلامية في نفسية هذا الصغير….

(عيب.. عيب.. عيب..) فاقعة تدوي في آذان الصغار بجرس رهيب، ينخلع له صماخ آذانهم وتتصدع له مجامع قلبهم، فيتهاوى كيانه كالبناء الكبير الذي يسقط دون سابق إنذار.. هذه الروح المحلقة كالطيور الأليفة تتحطم وتنشرخ في أعماق عقله الباطن، وتعلمه الفظاظة في النقد والتوجيه، فضلاً عن تلك العذابات المؤدية التي ما أنزال الله بها من سلطان !!

أتوقف قليلاً متأملاً لحال من يصرخون في وجوه الصغار، وهم يطبعون بصماتهم السوداء بختم مقزز يحمل تلك الحروف الثلاثة؛ لأجد أن هذا الكبير يقفز كالأرانب والأولاد وهو يصرخ في كل مرة متمرداً على الصغار : (عيب.. عيب.. عيب)، وما أن يختلي بنفسه بعيداً عن العيون حتى يرتكب كل ما تصدق عليه كلمة (العيب)!

إذا كان الصغير (الجاهل) يضرب ويوبخ لكونه فعل ذنباً يسيراً لم يتقصده لبراءته، فبذات المنهج وبذات القاموس كيف نتعامل مع ذلك الكبير (العارف) الذي يفعل هذا الجرم الكبير المتقصد؟!

العيب يلاحق الكبار – في هذا الزمن – قبل الصغار؟، ولكن من يجرأ أن يقول لذلك الكبير هذه الكلمة؟!، إنها ذات القصة التي نعرفها جيداً : من سيعلق الجرس؟!

إننا في شهر تتضاعف فيه الحسنات، فماذا عن السيئات ؟! ألا ينبغي أن نستحي من هذا الكرم.. ونغض الطرف عن المحارم فالورع أفضل الأعمال في هذا الشهر الكريم، إنه اللؤم الذي يلاحقنا ونحن نرتكب الآثام والمخازي في هذه الأيام الفضيلة.. فمتى سنسير مع البوصلة؟!

في قصة ينقلها أحد الفضلاء: أن رجلاً منع ابنه أن ينظر إلى علاقة مخلة بين رجل وامرأة على متن الطائرة وهو مسافر إلى دولة أوروبية، قائلاً له وهو مقطب الجبين محمر العيون بنبرة زاجرة : عيب.. لا تنظر إلى هناك !
وبعد أن كانا في النزل، استيقظ الصغير ليقول لوالده: (عيب)، وهو يرى والده يشاهد ذات المشهد في التلفاز!!