الجفوة والفجوة بين الزوجين !

الأستاذ / فوزي صادق *

أول  ما تسقط عيني القارئ على عنوان مقالنا ، سوف يلاحظ الشقـلبة لأحرف كلماتنا (الجـفـوة و الفجوة ) ، اللتان تبدوان غليظتان على العين و ثقيلتان على اللسان ،واللتان تـتـنافـسان في تدمير الحياة الزوجية ،فكل واحدة أخطر من الأخرى ،وكلاهما ينبت كالكمأة ( الفقع أو الفطر ) في أرض أي مشروع زواج بكر يتم بين أثنين ،بغض النظر عن ديانتهم أو أفكارهم أو انتماءاتهم المذهبية ،بحيث إن كمية وجود هذين الفطرين في أسس أي زواج ، تحدد مدى نجاح و استمرار بقاء هذه الزيجة ، ومدى عناية الزوجين بهاذين الفطرين السامين( الجفـوة و الفجوة ) بدون قصد ،سوف يثمر عن تكاثره كوباء داخل قفص الزوجية ، وحينئذ سوف يصبح قفص الحب تحت مستعمرة ( الجفوة و الفجوة ).

كل عروسين يقبلان على مشروع الزواج ، سوف يعدان برنامجاً حافلاً قبل دخول معترك الحياة الزوجية الجديدة ، وسوف يتسلح كلاً منهما بالكلمات المعسولة والحركات الوردية التي سيشارك بها مع الطرف الآخر ، وسيّعد كلاً منهما الآخر بتقديم كل ما لديه من إمكانيات وتضحيات لإنجاح هذا الاستمرار الفطري .

أول ما يخطوان خطوتهما الأولى نحو القفص ، ستبدأ المواجهة الجميلة ، واللباقة اللطيفة ، وإثبات الميل للآخر، سيرفرف جناحي كل منهما نحو الآخر بحنية ، وسيضع كليهما راحة يديه بسلاسة على كف الآخر ، سيصبحان أعظم من ليلى ومجنونها ، وسيقدم كل منهما الآخر على نفسه ، في النفس ،والهمس،والمأكل والمشرب ، سيحلق طائر الوروار عالياً في سماء قفصهم مخترقاً قزح العشق ، سيشم الجيران نسيم الورد  مهما كانت نوافذهم موصدة ، وسيكتب عنهما الشعراء قصائد الحب والغزل ، وسيكمل كل منهما الآخر ، وأعتقد حينها ، لو حضر ملك الموت لا سمح الله ، لتفانى ولجاد كلا منهما بنفسه .
                                             
تمر الأيام والليالي ، فتقل لزُوجة الكلمات وتتبخر رائحة العطر ،وتـنشف قطرات الندى فوق الأوراق ،،فتـذبل ،وتطأطئ أعناقها للأسفل ، فتبين أطلال الأحبة ، وستقع أشعة شمس ( الجفـوة ) عليهما وستغطيهما من رؤوسهما حتى أخمص قدميهما ،
سيظهر رأس الفطر كرأس الدبوس في أرضهما الخصبة،ستتسع المسافة والفرقة بينهما ،.حتى تلد ( الـفـجـوة ) ، سيحل الأولاد وتحل الأعمال وسيبدلون ويملئون وقت عشقهما بأعمال أخرى ،سيبتعدان من الداخل عن بعضهما ،حتى لو تلاقيا وتعانقا من الخارج ليلاً !

ولكن إذا دخلت رتابة الحياة والانسياق وراء عواصف العمل ،وتجاهل أحدهما شريكه ،فإنها بداية النهاية ،وخاصة إن كانت الأنثى مرتبطة بحصاد أو عمل ما ،ستزداد الطينة ابتلالا، وستصبح أكثر إنشغالاً من ذي قبل ، فتكبر فتحة الخرق في اللباد ، وسيصعب على راقعها إصلاحها ، وستزداد ( الجفـوة ) نمواً ،.وتزداد ( الفجـوة ) حجماً ،وكل هذا سببه الإهمال الذي طرأ من أحدهما أو كليهما ،فأوجدوا وحصدوا الفطر السام في أرض العشق ، فتهاونا ولم يحاولا مرة واحدة نزعه وتنظيف مكانه ، وزرع أرضهما من جديد ، كي لا يزيد الحمل على الحمال ، وكي لا تقف القافلة في وسط الطريق .

أسئلة ستطرحها العقـول الباخـصة :

لماذا ازدادت (الـجـفـوة) نمواً ، ولماذا كبرت (الـفـجـوة ) حجماً ؟
هل مات الحب بينهما ؟
هل كان تمثيلاً أو مجاملة ؟
هل كان هناك حب أصلاً ؟

لا يختلف اثنان أن موضوع الحب في نجاح أي زواج أساسي و هام ،فكل البشر يمارسون الحب لأنهم في أمس الحاجة لهذا الإحساس السامي و النبيل لرباطهم  ، والأشخاص المعقدون الوقاتـون ( خاصة بعض الرجال من مجتمعنا ) يعتقدون أن الكلام عن الحب غير مهم وتافه ، وإن الحياة الزوجية سوف تسير بالمجاملات والتنازلات الوقتية على حساب الآخرين  .

إن العقل الذي يحرم الكلام عن الحب أو تجديد الحب عقل مهزوم ومكبل ،فلا يمكن للعقل أن يعمل بنجاح كما رسمت له السماء ،فالكبت يستعمره و يفقده الاتزان ،والمجاملة العبرية سوف تنهيه وتفضح أمره يوماً ما .

الحب المقصود هو الإحساس الروحي الجميل الذي خلقه الله فينا جميعاً و المطلوب ممارسته في إطار حدود الله ،الحب هو نقاء الروح من الشوائب تجاه الآخر ،الحب هو المصارحة ،الحب هو فتح القلب للآخر ،الحب هو المرآة التي من خلالها نرى أنفسنا في الطرف الآخر  .

كثير من الرجال يحب زوجته في أول الزواج فقط ( حب وقتي ) كما قال قاموس الحب ، لكن لماذا ؟

لأن الحياة جديدة بالنسبة لهما ، فكما يستسيغ الآكل طعم اللقمة في حلقه أول دقائق فقط ، وكما يقطع الطفل الغلاف عن هديته ، وكما يستمتع الشاب كالشهوة بقيادة سيارته الجديدة لساعات ! يشعر الزوجان أول زواجهما بنشوة حب هائمة ، جامحة ، لذيذة ، لكن مع الأسف كالسحابة العابرة .

كل شئ جديد ، زوجة ،شقة ،غرفة ، طقم جلوس ،مطبخ ،أثاث ،حتى الملاعق جديدة ،كل شئ داخل إطار خلاب ، يتمنى الزوج إن لا يفتح الأغلفة ،وأن تبقى الأكياس تغطيها طول الدهر ، فتمر الأيام والليالي ، حتى يواجه الزوج السطحي أجمل الفتيات والحسناوات عن طريق أياً كان ، أمام الشاشات أو على الطبيعة .

فتتغير تصرفاته مع زوجته ،وتضعف المحبة والمودة بينهما ، فيحصل تنافر بينهما في أغلب الأحيان ، وخاصة إذا كانت الزوجة غير متفهمة ومطلعة على سلوك زوجها ،وتعيش معه عيشة روتينية ،أما في بعض الحالات الشاذة ،فيحدث توازن طبيعي ،حيث يبتعد هو عنها ،وتميل هي نحوه ،كي تملأ الفراغ الذي وقع بينهما ( الفجوة ) .

في الحالة الأولى والرائجة في مجتمعاتنا العربية ،تصبح الزوجة المسكينة بين مطرقة ( الجـفـوة ) وسندان ( الفجـوة ) ،وربما هو مكانها في بعض الأحيان ، فهو بين خيارين أحدهما مر ،فأما أن يصارحها أو يجاملها (المقصود بالمجاملة هنا إعطاء الحقوق ،فإن لم يحبها لم يظلمها كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فالأمر سيان بالنسبة للزوج ،أما للزوجة فالمجاملة تعتبر حب لذيذ لا يقاوم أما المصارحة بعدم الإحساس بالحب من قبل زوجها ،سيصيبها بالألم والنزف الحاد في قلبها وستزداد (الجفـوة ) من قبلها وتكبر رقعة ( الفجوة ) بينهما .

بعض الأزواج العقلاء الغير حمقى ،يحب التعامل بالحسنى مع زوجته ( وكذلك مع باقي الناس) حتى لو لم يكن يؤنسها ويحبها من فؤاده ،فيضع كفه فوق كفها ويألفها قربة إلى الله تعالى .
سيكون هناك تراحم يجري في عروقهما وخاصة بعد الإنجاب ،وكلاً الطرفين سيعرف حقوق شريكة أولا وواجباته ثانياً ، وسيتعاطف آدم مع حواء، وسيتعامل معها كزوج مؤمن يحبها من الخارج فقط لوجه الله .

إخوتي .. الحياة ليست جنس كالبهائم ، وما سبق طرحه ليس نفاقاً للزوجة ، إنما هو القناعة والصبر على ما أوتينا من الله ، فمهما ارتبطنا وتزوجنا بأجمل فتيات العالم ، سوف تبحث عيوننا  الواسعة وقلوبنا الفارغة عن البديل السرابي الذي يعيش في مخيلتنا ولو لقليل من الوقت ، ومهما حلقنا بعيداً مع الطيور المهاجرة ، ومهما تذوقـنا ماء كل بحيرات العالم ، في النهاية سنعود وسنقع عند شاطئ بحيرة وطننا ،التي شربنا منها أول مرة ، والعاقل من أقصى ( الـجـفـوة ) و ردم ( الـفـجـوة ) من حياته الزوجية وقنع بما جاد به الخالق  .

بعض الأحيان ، يعتريني وأنا أكتب هذه المقالة رغبة في لعن تلك الكلمتين ( الجفوة والفجوة ) ، أو كتابتهما في ورقة وحرقهما لكي تتخلص البشرية من سمهما القاتل .. لكن ما باليد حيلة ، فهما لا تـنبتان كبذرة أو غرس ! فيمكن التخلص منها ، إنهما تنبتان كالكمأة في أرض بكر جرداء من صنع الزوجين ، وتسقى بدلوهما .

روائي وباحث اجتماعي