مشاريع أم مآزق الشيعة في السعودية؟!

حسين أحمد بزبوز

برزت إلى السطح في الفترة الأخيرة جملة من التساؤلات الحساسة والهامة المتعلقة بالشيعة في السعودية، حريٌ بنا أن نتلقفها وأن نهتم بها وأن تثير في عقولنا مزيداً من التساؤلات المصيرية والمحورية الهامة والضرورية.

فمن خلال استشكالات البعض على (مشروع الشيخ حسن الصفار) والتيارات المنتمية لنفس ذلك المشروع والمتبنية لنفس الآراء، واحتجاج ذلك البعض بعدم قدرته أو بعدم قدرة بعض الأفراد داخل المجتمع الشيعي المحلي البصيرة بأية نتائج إيجابية لذلك المشروع فوق أرض الواقع، تتكشف في الجانب الآخر تساؤلات مضادة حول هوية المشروع الشيعي الآخر المنافس أو المقابل وتفاصيله، ونتائجه - كذلك - فوق أرض الواقع.

ومن هنا سأل البعض السيد منير الخباز: (ما هو مشروعك؟).

وأنا أعتقد، أن سائل السؤال السابق، لو كان يؤمن أو يرى أن للسيد الخباز مشروعاً واقعياً واضحاً يفرض نفسه في الساحة المحلية كحقيقة واقعية، لما قفز ذلك السائل لمثل هذا السؤال بتاتاً. وهذا المعنى طبيعي وواقعي وواضح للعيان ولا يحتاج لأية إيضاحات منا أو تبيين. لكنني قصدت من خلال ذكر ما سبق، أن أبين أنه في مقابل التساؤل المشروع (ما هي نتائج مشروع الصفار؟)، برز سؤال آخر - مشروع كذلك - مختلف تماماً، يعود بنا للجذور، فـ (ما هو مشروعك أنت؟). وكان المفترض أن تكون الكرة أو التهمة التي نتقاذفها بيننا كرة واحدة أو تهمة واحدة، هي (وما هي نتائج مشروعك أنت؟) - مع أن الأفضل والأصح على كل حال، أن نسأل أنفسنا بعيداً عن تلك الشخصنة: ما هو مشروع الطائفة، أو ما مشاريعها؟ وما هي نتائج ذلك المشروع، أو ما نتائج تلك المشاريع؟ -.

وهنا، يمكن أن يفتح الجدل السابق بوابة واسعة من الاحتمالات والتساؤلات الهامة المبنية عليه، يبدو منطقياً أن نستثني منها، أقلاً هنا، التساؤل الذي يقول: (ما هو مشروع الصفار، والتيار المناصر له؟) [(1)] . لأن هناك إقراراً ضمنياً واضحاً في التساؤل السابق، المطروح من قبل البعض في الساحة المحلية (حول نتائج المشروع)، يغنينا عن الخوض في جدلٍ لا داعي له حول وجود المشروع ذاته.

هنا، يقفز للسطح سؤال من أهم وأبرز التساؤلات المصيرية الخاص بالطائفة في المملكة، وهو: ما هي المشاريع المطروحة في الساحة، المنافسة أو الممايزة للمشروع آنف الذكر؟ وما ملامحها؟ وما هويتها؟؟؟!!!.

ويأتي هنا جواب السيد منير الخباز في قوله "إن قضيتنا الأساسية والأولية هي التشيع, بمعنى إبراز فكر أهل البيت وإبراز عظمة أهل البيت ... إننا لا ننكر وجود قضايا أخرى ذات مساس وصلة بواقعنا, ولكن القضية الأساسية هي إبراز التشيع" [(2)] ، وفي قوله "إن اللغة الصحيحة هي أن لدينا مشروع واحد وهو الطائفة وحقوقها"(2)، وفي قوله "عندما نقوم بطرح فكر أهل البيت بربقة جذابة ومدروسة, نجذب الآخرين, وهذا هو المشروع"(2)، وفي قوله "إن لغة أنا لدي مشروع, وأنت لديك مشروع هي لغة صبيانية ... إن اللغة الصحيحة هي أن لدينا مشروع واحد وهو الطائفة وحقوقها"(2)، ليكون صادماً على الأقل للبعض من أبناء الطائفة، خصوصاً في الظروف المعروفة، وأمام التأزمات والإشكالات المطروحة. حيث أن محورية ومركزية المذهب، لدى عموم الشيعة، ولدى الفئات المتنافسة المنظورة - كذلك وعلى وجه الخصوص -، معلومة ومعروفة وواضحة. وبالتالي فإن من التداعيات الممكنة والمحتملة لذلك القول، الطعن والتشكيك في النوايا، وفتح الباب واسعاً لأن يسأل بعضنا بعضاً: "هل تؤمنون بالطائفة وبالمذهب؟ أم أنتم ضدهما؟ وهل تؤمنون بحقوق الطائفة وتسعون لها؟ أم أنتم ضدها؟ وهل المذهب والطائفة وحقوقها هي مشروعكم؟ أم لا؟!". وهذا سيعني في النهاية إسقاط المذهب في معركة يكون فيها هو الخصم ضد الآخرين بالنيابة عن آخرين، في تنافسات اجتماعية لا تستدعي مثل هذا الأمر، وهي عملية أشبه بعملية رفع المصاحف في معركة صفين. إلا طبعاً أن يفهم أن مؤدى كلام السيد - وهو ما يجب أن يحمل كلام السيد عليه، ما لم تكن هناك أية إيضاحات أخرى - هو اتفاق الطائفة وتوحدها وتوحد رجالها وزعاماتها وأبنائها، وهو كلامٌ حسنٌ جميل لا تثريب عليه، إلا أنه لا يجيب عن التساؤلات الجادة المطروحة في الساحة بتاتاً، فهو ليس سوى تحصيل حاصل، بما أننا نتكلم هنا فقط عن (المشاريع الدينية الشيعية) في المنطقة ... فقط وفقط.

وهنا، سنعود مجدداً لنتساءل: هل هناك مشروعٌ آخر غير مشروع الصفار؟؟؟!!!.

وفي الحقيقة، ومن باب الاستدراك على كلام السيد الخباز سابق الذكر، وقبل الخوض في بقية النقاشات، فلو نظرنا خارج التيارات الدينية الشيعية في المملكة، من أجل الواقعية والمنطقية أكثر، فهل سنجد أن هناك من أبناء الطائفة، من سيجد أنه غير معني أو غير ملزم كثيراً أو قليلاً، بالتأويلات والاجتهادات الدينية، ولا بآراء كلٍ من السيد الخباز والشيخ الصفار، وسيرى عوضاً عن ذلك، أن من حقه أن يتبنى أية مشاريع أخرى مغايرة أو لا دينية، يعتقد من وجهة نظره الخاصة، أنها تخدم أبناء الطائفة، باعتبارات إنسانية أو عقلية ومنطقية، تتحرر من كل تلك العناوين الطائفية، التي يطرحها المتدينون؟؟؟ أم لا؟؟؟!!! وهل من حق بعض أبناء الطائفة فعل ذلك فعلاً؟؟؟ أم لا؟؟؟!!!.

وهذا نقاشٌ آخر، سيخرجنا عن النقاش الأهم، لأننا ندرك جميعاً، أن الساحة كما يبدو، وكما هو واضح، يتسيدها الوازع الديني والحس الديني والفكر الديني، لذا فدعونا نعود للتساؤل السابق ضمن الحدود المعروفة والمألوفة، لنتساءل: هل هناك حقاً مشروع آخر يطرح نفسه في الساحة الدينية الشيعية المحلية في المملكة العربية السعودية؟؟؟ أم لا؟؟؟.

وفي الحقيقة، فإنه يمكنني الإجابة هنا بثقة وبجرأة وبصراحة تامة بالقول: "نعم، هناك مشروع آخر منافس، يطرح نفسه على استحياء". لكن ما هو ذلك المشروع؟ وما هي ملامحه، إذاً؟؟؟!!!.

وهنا سأطرح عليكم، رؤية تحليلية للواقع، تعبر عن وجهة نظري الخاصة في الأمر - طبعاً -، وقراءتي للواقع الملحوظ كما أفهمه. وهي ليست لذلك بالتأكيد، رؤية أو قراءة ملزمة للبعض، ممن قد نتحدث عنه، ولا تعبر بالضرورة عن قناعاته وآرائه، إن أراد هو - أي ذلك البعض - التنكر لهذا الأمر. لكن ذلك التحليل، بالتأكيد، حقٌ فكريٌ مشروعٌ، يحق لنا ممارسته.

يقول السيد الخباز في حديثه: "من يقول أن التواصل مع أهل السنة هو مشروع المذهب الشيعي فهو خاطئ، بل هي وسيلة ضرورية وليست مشروعاً على الإطلاق"(2). وهذا - وليسمح لنا سماحة السيد - نقاشٌ لا داعي له، ونوعٌ من الجدل العقيم، والهروب غير المعلن من الواقع، أو التفكير الخاطئ، أو المغالطة، كما يمكن أن نفهمه. وهو أشبه عندنا بحال من يقول لدولة تتبنى مشروع بناء جامعة علمية، أن: "من الخطأ أن تقولوا أن لديكم مشروع بناء جامعة علمية، فالصحيح هو القول أن لديكم مشروع بناء كفاءات علمية".

هذا الجدل الذي يدخلنا فيه كلام السيد الخباز، يكشف عن خلافات جذرية يجب التنبه لها جيداً، تتعلق بموضوع التواصل برمته داخل الوطن الواحد، فهو يقول: "إن التواصل موجود, ولكن علينا أن نبحث عن ترشيد هذا التواصل, مع من نتواصل, وما هي حدود هذا التواصل"(2).

وهنا يمكننا أن نثق وأن نتأكد وأن نتذكر، أن هناك بالتأكيد خطاباً شيعياً محلياً يؤمن بضرورة التواصل مع جميع أطياف الوطن دون استثناءات تذكر، من أجل التأسيس لمرحلة جديدة، ومن أجل تحقيق مصالح عليا لأبناء هذا الوطن. وهناك خطاب شيعي آخر، يعزز القطيعة وعدم التواصل مع بعض بل مع شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن، ليس فقط مع أولئك المنغلقين والمتشددين جداً الرافضين للتواصل فحسب، بل أيضاً حتى مع أولئك الذين يبدون بعض الاستعداد المقيد والمشروط للتواصل، وذلك كله أساساً بسبب حساسيات مذهبية وتاريخية متوارثة. بل ولن تجد لهذا البعض الآخر في الغالب أية (ممارسات) أو دلائل، تؤكد أن لديه حقيقة أية استعداد أو رغبة أو إيمان حقيقي بضرورة التواصل مع الآخر المختلف، حتى مع أولئك المنفتحين والمتنورين من أبناء المذاهب الأخرى التي يحتويها الوطن.

إن البعض يطرح قضية التواصل مع بعض أطياف الوطن باعتبارها جريمة تستوجب المساءلة والمحاسبة والعقاب، بينما يرى البعض الآخر أن التواصل مع جميع فئات وأطياف هذا الوطن ضرورة ملحة يفرضها الواقع، ومشروع مهم - أو أداة مهمة كما يحب أن يعبر السيد الخباز - من مشاريع - أو أدوات - إصلاح وتقوية هذا الوطن.

وهنا، لتتضح الصورة أكثر، يمكن أن نصوغ السؤال التالي: "هل التواصل مع الآخر، داخل الوطن، مفتاح لتعزيز اللحمة الوطنية، وتقوية الوطن؟؟؟ ومشروع نهوض، مقبول شرعاً وعقلاً؟؟؟!!! أم أن ذلك التواصل، ليس سوى خطيئة وذنب وهزيمة، شرعاً وديناً أو عقلاً وفكراً ومنطقاً؟؟؟!!!.

وفي الحقيقة، لا يمكن لي من وجهة نظر شخصية، أن أتصور أية مبررات تؤدي بي لقبول تلك الحالة من القطيعة والتشرذم وعدم التواصل، التي يتبناها ويدعو لها البعض. والتي من الطبيعي أن تجر - إن أنصفنا -، كل وطن تسود فيه، من حالات السلم والرخاء والتماسك بين أبنائه ومكوناته، ومن حالات الإنتاجية والفاعلية، لحالات الشتات والتشرذم والصراع والاحتراب والتمزق والضياع. خصوصاً في مثل هذا العصر - الذي تنتظم فيه الدولة الحديثة بالصور التنظيمية الحاضرة المعروفة على شكل آلة واحدة، لا تنتظم ولا تنتج ولا تكون صالحة إلا بصلاح وانتظام جميع أجزاء الوطن ومكوناته -.

لذا، يمكنني هنا، أن أقول باختصار، أننا هنا أمام فكر ومنهج لو تسيد الساحة والمشهد السعودي، فإنه بلا شك سيؤدي بنا - لا قدر الله - إلى الهاوية والجحيم.
 
ولذا، فإنني أدعو هنا، جميع "من يدعي وصلاً بليلى"، وكل "من يدعي وصلاً بالتواصل والتعايش"، من مخلصي أبناء هذا الوطن وهذه الطائفة، أن يبرهن للجميع، فوق أرض الواقع، بالأفعال الواضحة والمعلومة، أو أقلاً بالأقوال الصريحة والواضحة، الغير قابلة للتفسيرات السيئة والسلبية، أنه من دعاة اللحمة والتواصل والسلام والحب والحوار والتعايش والتسامح، رحمة بهذا الوطن الحبيب.

وقد أعرب السيد الخباز - حفظه الله - عن قناعته بضرورة وأهمية التواصل، ونتمنى أن نجد ضمن جهوده وأقواله المباركة القادمة، وجهود وأقوال البقية من رموزنا وعلمائنا الأعلام، مزيداً مما يؤيد ويشجع هذا الاتجاه الديني والوطني والإنساني الإيجابي والمثمر. خصوصاً أنهم جميعاً، وعلى رأسهم السيد الخباز، بالتأكيد، أسمى وأرفع من أن يكونوا في مصاف من يخالف الأقوال بالأفعال، أو حتى الأقوال بالأقوال فقط. ونحن نتلمس في الشخصية القيادية للسيد الخباز خصوصاً، كما في الشخصية العظيمة للشيخ الصفار، روح القيادة المميزة الفاعلة والإيجابية والمسؤولة، التي يمكن - حين تتبلور لديها الرؤية أو الرؤى الواضحة والصحيحة - أن تخدم وتفيد وتنفع جميع أبناء الطائفة الكرام، بل أيضاً جميع أبناء هذا البلد الحبيب والعزيز على قلوبنا جميعاً.

من جهة أخرى، فلقد فتح السيد الخباز، ملفاً حساساً آخر، يجب أن لا نتجاوزه بسرعة، بل يجب أن نتوقف عنده كثيراً، وأن نتأمله ملياً. وهو ملف (التواصل مع الحكومات، والتعاطي مع الساسة والسياسة). ذلك الملف، الذي ضل مأزقاً من مآزق الشيعة طوال التاريخ المعروف. والذي تجلى حين قال السيد الخباز في حديثه: "إن هذا التواصل مهم وضروري في القضايا المصيرية والمهمة, وليس أن يتحول هذا التواصل إلى مدح وثناء وعلاقات بحيث تفقد العمامة موقعها وتفقد كونها امتدادا لسيرة النبي وأهل بيته , فهذا الذي نرفضه, ولا نسير فيه"(2). وأتمنى أن يكون هذا الحديث من سماحة السيد، مجرد حث من سماحته - حفظه الله - لأبناء الشيعة وقياداتهم، على الممارسة المنضبطة الواعية والنزيهة للسياسة قدر المستطاع، ومجرد توضيح منه لطبيعة تلك الممارسة، الشائكة والمعقدة والضرورية، التي يجب أن يهتم بها جميع أبناء الشيعة. وأن لا يكون المقصود من حديث السيد آنف الذكر، هو المعنى السلبي، أي الطعن في الظهر لمن يمارس مثل ذلك الدور السياسي في المنطقة من أبناء المذهب، ولمن يفعِّله فوق أرض الواقع من أبناء الطائفة.

إن إسقاطات السيد الخباز، في الحديث السابق، حول التواصل مع الحكومات، لشخصيات ورموز عظيمة، كشخصية النبي ، وشخصيات أهل بيته ، على واقع اليوم وشخصيات اليوم، وهي ممارسات رائجة في الوسط العلمائي الشيعي، مارسها آخرون كثر غيره من خطباء المنبر، يمكن أن يفهم منها استصحاب تلك الصراعات التاريخية بين النبي وأئمة أهل البيت من جهة، باعتبارهم جهة نزيهة معصومة، وبين الحكومات الظالمة التي حكمت في أزمنتهم من الجهة الأخرى، بعيداً عن كل الاعتبارات والتعقيدات والتغيرات في السياسة وواقعها والأشخاص والهويات والظروف والزمان والمكان. وهي بهذا الشكل ستكون بالتأكيد إسقاطات ظالمة، الغرض منها، تصنيف الساحة المعاصرة بعيداً عن الموضوعية، وفق إسقاطات تاريخية ماضية، تجرنا بالضرورة لساحة الصراعات بين حكومات جاهلية وأموية وعباسية ظالمة مغضوب عليها بالضرورة عند الشريحة الشيعية الواسعة، ضد قيادات معارضة دينية صالحة مصلحة معصومة مرضي عنها بالضرورة عند نفس تلك الشريحة، فيدخل الشيعة بهذا التصنيف، وعبر مثل هذا الخطاب، في مغالطات ومآزق كبيرة وخطيرة، لم يخرجوا في الواقع منها أبداً طوال الفترات التاريخية السابقة.

لقد دأب البعض في الوسط الشيعي، على نعت كل حكومة سنية، أياً كانت، بأنها بكل بساطة، حكومة أموية أو يزيدية، مفسدة وظالمة، وتصنيفها، بعيداً عن حجم أخطائها وممارساتها السيئة، على أنها معادية لأهل البيت ، تستوجب من جميع الموالين المقاطعة والعداء. حتى لو كانت، تلك الحكومة، حكومة دنيا لا دين، يتحقق من خلالها كثير من مصالح الوطن والمواطنين. وتحت هذا التصنيف السطحي، وهذا المبرر، وهذه العناوين الفضفاضة والمضللة، فإن من الطبيعي أن ينجح الشحن الطائفي العاطفي، وأن تتشوش الرؤية السياسية لدى الجمهور الشيعي، الباحث عن السلم والحقوق الطبيعية، وأن تنجح دعوات العداء والمعارضة والمقاطعة السلبية اللامنطقية. ولا أظن أن البعض يمكن، أن يمارس نفس ذلك الدور، وأن يصنف نفس تلك الحكومات السابقة، لو كانت تحت سيطرة رجال من الشيعة، بنفس تلك التصنيفات، وأن ينعتها بنفس تلك النعوت، خصوصاً لو كان المسيطرون عليها من رجال الدين الشيعة. حتى لو كانت الأخطاء الواقعية السياسية والإقتصادية، هي نفسها. ما لم يجد ذلك البعض، مبررات كافية وافية كثيرة ومستفيضة، من القهر والظلم والاستبداد - خصوصاً الديني -. بل حتى في ظل وجود مثل تلك المبررات، فقد يصعب على الكثيرين من أبناء الطائفة ورموزها، مثل هذا الأمر.

إن التعامل والتعاطي مع جميع الحكومات السنية عبر التاريخ من خلال ذلك المنظور الضيق، الذي يستصحب صراعات الخلافة الإسلامية القديمة، بين أهل البيت ومناوئيهم، دليل أكيد وواضح، على غياب الوعي والفهم السياسي، لدى من يتعاطون مع السياسة، من خلال مثل ذلك المنظور.

إن من الضروري أن نؤمن، أن الدولة والحكومة والسياسة، باعتبارها منتجات بشرية، ليست طاهرة تماماً، وليست معصومة، كما يحب أن يتخيل البعض، بل هي واقعاً "شرٌ لابد منه". وهذا منسجمٌ تماماً مع إيماننا، بعدم عصمة الأفراد، وبعدم عصمة الجماعات، وبالتالي عدم عصمة الدول، تبعاً لما سبق. كما أن من الطبيعي، أن نؤمن، أن أخطاء الدول، والتي تنجم عن أخطاء وظلم الأفراد والجماعات، هي أسوء بكثير وأكبر وأعظم من أخطاء الأفراد والجماعات، في بقية الساحات الإجتماعية الضيقة، أو من خلال بقية ممارسات الناس الطبيعية، لسلطاتهم البسيطة والمحدودة. وهنا يمكن أن يتكشف ويتضح مدى سوء أن نقيِّم الدول وكذا الجماعات والأفراد، فقط من خلال بعض الأخطاء، وفقط من خلال النظرة الضيقة، للدين والمذهب والانتماءات الدينية والمذهبية.

وهنا يمكننا القول، أن التواصل - في العصر الحديث - مع الساسة ورجال الحكم، في أي دولة، بعيداً عن التصنيفات المذهبية التقليدية المقيتة، المنتمية لعهود التاريخ القديمة البائدة، يعني: صناعة تفاهمات وأفكار ومصالح مشتركة وإيصال مطالب وتطمينات. ومحصلة ذلك كله في النهاية، هي بلا شك، إصلاح الحكومات، وصناعة واقع أفضل، ولو بشكلٍ جزئي.

إنني أرى أننا كطائفة، لازلنا نعاني في الجانب السياسي، حتى الوقت الراهن، من ضيق أفق قاتل، يمنعنا من قبول السياسة ومن فهم السياسة، من خلال طبيعتها الواقعية، باعتبارها (ممارسات بشرية) غير معصومة، يتخللها الكثير، من الأخطاء الكبيرة، والكثير من الظلم. وأنه لذلك، فلا مناص من ضرورة  التعامل مع السياسية باعتبارها، بحاجة للترميم والإصلاح المستمر. الذي يفرض بالتأكيد خصوصاً في العصر الراهن، الكثير من: تواصل الشعوب المحكومة مع الفئات والقوى المتسيدة والحاكمة، للشعب وللأمة.

لقد طرح السيد الخباز، في حديثه آنف الذكر، تحفظات جادة وخطيرة، في ساحة التعاطي مع السياسة ومع الحكومات، وفي ساحة التعاطي مع الآخر، المخالف في المذهب. وهي تحفظات، لا شك يمكن أن تعبر بالتأكيد، عن آراء شريحة واسعة من أبناء الطائفة الشيعية في المملكة، بل وفي بقية دول العالم. لذا، فلا بد من فتح هذه الملفات الحساسة، بجدية واهتمام، وأن نناقشها بوضوح وصراحة تامة، ليتم عبر النقاش الهادئ والواضح والصريح لتلك الملفات، تنوير عقول الكثيرين، من أبناء المذهب، ومن رجالات الطائفة. كي لا يزج بهم البعض، أو بالطائفة برمتها، في بحار ظلامٍ أسود، لا يمكن الخروج منها.

وتبقى هنا بالتأكيد مساحات واسعة للتفكر والتأمل، في أسئلة كثيرة مطروحة في الساحة على جميع أبناء الطائفة، تقول لهم: (ماذا أنجز مشروع الصفار؟ وماذا أنتج مشروع المؤيدين له؟ وماذا أنتجت المشاريع المضادة أو المنافسة؟ بل ما هي المشاريع الموجودة في الساحة؟ وما طبيعتها؟ ومن يحركها؟ ومن يؤمن بها؟ ومن يؤيدها؟ وهل هي مشاريع ثقافية؟ أم إجتماعية؟ أم إقتصادية؟ أم سياسية؟ وأي تلك المشاريع يجب أو يجوز أن يستفرد بالساحة؟ وهل يقبل جميع أبناء الطائفة بتسيد المشاريع الدينية أو غيرها؟ أم لا؟ وكيف سنتعامل مع من يرفض مشروعاً هنا أو آخر هناك، بذرائع دينية أو بذرائع أخرى لا دينية؟ وكم رأياً لدينا بخصوص مشاريع التواصل مع الإخوة السنة؟ وكم رأياً لدينا بخصوص مشاريع التواصل مع الحكومات؟ ومن سيفرض رأيه على من؟ ولماذا؟ وكيف؟ وبماذا؟ وما هي النتيجة؟ ... الخ).

وهنا، أقول لكم جميعاً، تصبحون على خير ... وإلى لقاءٍ آخر قادم قريب قد يتجدد فيه نقاش حول بعض تلك الأسئلة الحساسة.

[(1)] ورغم كل شيء، سيبقى من المشروع - لنا ولمن أراد - فتح هذا الملف في أي موضع أخرى، ويبدو أنني قد أوضحت رأيي في هذا الموضوع تحديداً في مقالة أخرى حملت عنوان: (إسقاط الصفار ... لا يسقط القضية).

[(2)] شبكة الخط الإلكترونية - تحت عنوان: (السيد الخباز :مشروعنا الطائفة وحقوقها , والتواصل وسيلة لا مشروع).