ريمـوت كونـتــرول !

 

ريموت كنترول كلمة معربة ( دارجة ) ، وتعني بالعربية ( جهاز التحكم عن بعد ) ، وقد أخترع أو ساعد على تطوير عمل جهاز الريموت بدون سلك، المواطن الأمريكي روبرت أدلر عام 1956م ، وخاصة مشروع ريموت التلفاز ( الحاكي المرئي ) ، حيث أرتفع عدد قنوات التلفاز من عشرة أزرار ( خيارات ) إلي أكثر من ألف قناة ! ، ولقد توفي السيد أدلر قبل سنتين عام 2007 م . والحقيقة أن جهاز الريموت كنترول صديق للكل ، إذ يسأل عنه الجميع ( الصغير قبل الكبير ) وبصوت مرتفع ( أين الريموت ! ) ، إذ من الصعب التنقل من قناة 10 إلي قناة 370 خطوة بعد خطوة ، فما بالك بالانتقال إلي قناة رقم 860 ! الأمر سيكون صعب جداً ، ولقد قدرت الوقت الذي نبذله في الانتقال ( الحركة ) من قناة إلي أخرى ( مع إلقاء نظرة سريعة على كل قناة ) بأربع قنوات في الدقيقة، إي نحتاج ثلاث ساعات لـ 720 قناة ، و سنستهلك اليوم بأكلمه لو مررنا بكل قنوات التلفاز بدون ريموت أي ( ذهاب وإياب )، وهذا ما جعل شركات الإعلانات والدعاية تقتصر وقت ( الإعلان ) لثواني معدودة ، كي تجد فرصة عدم هروب المشاهد إلي قناة أخرى ، ولقد لاقى هذا الاختراع العظيم ( الريموت كنترول ) استحسان كل البشر ، حتى أصبح من أهم سمات الحياة العصرية ، ويقدر عدد أجهزة الريموت في الأرض بعدد سكانها ! .

عودة للماضي القريب ، أي قبل أربعين سنة تقريباً ، حيث معظم ( الأغلب ) مساكن الشعوب العربية في أزقة داخل الأحياء القديمة ، وكانت البيوت ملتصقة ( منصهرة )  ببعضها البعض ، وكان عرض الزقاق ( الطريق ) مترين أو ثلاثة تقريباً ، أي عندما يعطس أحدهم ( بالمبالغة المجازية ) ، سيسمعه كل أهل الحارة ، فيبادره جاره بـ ( رحمك الله ) ، لأن قلوب الناس ( في زمانهم ) متقاربة ومتلاصقة كتلاصق طوب وأعمدة منازلهم . فأنقضت العقود ( العقد عشر سنوات ) وتطور الإنسان من حيث الطيلسان والإكسسوارات وطريقة الأكل ، وابتعدت الأجسام و النفوس عن بعضها البعض، وأصبح كل فرد يقطن بعيداً عن ذويه ، وبات الإنسان في أمس الحاجة لإدخال جهاز الريموت في كل مكملات حياته ( ليقرب لهو إليه ) ، فأدخل الريموت في الأبواب والاجهزة المنزلية والستائر والحدائق ، والمطبخ وغرف النوم والشارع والمسارح والسيارات، ومعظم شواغل الحياة ، وبطريقة أوتوماتيكية ، استغنى الإنسان عن كثير من عاداته وتقاليده وزياراته وشؤونه، فاستبدلها بالريموت !

كيف اعترتني مقالة الريموت ؟ .. يوماً ، كان الطاعن بالسن  ( جالس بجانبي ) في دائرة حكومية للعمالة الأجنبية ، فسألته من هذا الذي بجانبك ( ابنك ؟ ) أجاب وبصوت حزين ( لا ) ( هذا سائقي الماليزي ، لكن أصله عربي ) ، فطلبت منه أن يغفر لي أن كنت فضاً ، فقال ( لا لوم عليك ، اللوم على أبني الذي خطفته الحياة ولهوها ) .. لكن تصدق يا أبني : إنه يتصل بي فقط بالريموت ، فسألته كيف بالريموت ؟ ، فقال : ( الجوال هو ريموت العصر ) ، فمنذ طلع علينا هذا الاختراع وأنتشر بين الناس ، أختفت كثير من الواجبات والعادات ( إلا للضرورة القصوى ) ، وأصبح الجوال هو الريموت الذي يحرك الدنيا ، فلا أبن يزور والديه أو أخوته أو عماته أو أصدقائه (فقط اتصال) بالريموت ( الجوال ) ، وأصبحت الزوجة ( كيلوباترا ) تتحكم بزوجها وبالعالم بالريموت ( الجوال ) فتبعثه الأن  وترجعه غداً لإحضار وشراء بعض الأشياء ، وتتحكم ( كيلوباترا ) بالمطعم والسائق وبخدمات الحياة بأجمعها بالريموت ( الجوال ) ، وتدير الدنيا من حولها بضغطة زر أخضر ( اتصال ) ، وهذا هو ( الماستر ريموت ) .

فقلت له : هذه مجلة وجدتها فوق هذه الطاولة ، وتقول أن مخترع الريموت أمريكي ويدعى روبرت .. فأنتفض بصوته الجهور وقال لي : ياليت روبرت لم ُيخلق، وياليته مات ولم  يخترعه ، ( لماذا ؟ ) سألته ، فتزفر وأخرج أهات وأنات ، وقال : الإنسان أخترع الريموت كي ينقص عمره ، ( كيف ؟ ) ، فقال : يجلس مكانه ولا يتحرك ، فيصاب بالتخمة والأمراض ، فلا تغسل الزوجة الثياب إلا بالريموت ! ولاتفتح الستارة والأبواب إلا بالريموت ! ولا تسقي الحديقة إلا بالريموت ! ولا تقوم من مكانها إلا بالريموت ! وتغشل جهاز التكييف بالريموت ! ولا تسمع صراخ طفلها إلا بالريموت ! فقط عليها أن تحرك إصبع واحد .. فنادى بأسمه صوت الموظف ( عبر الجهاز ) ، فقال : أعذرني بني ، الريموت ناداني كي أدخل على المسئول ، أتعرف لماذا ؟ ، فقلت ( لا ) .. لأني سأجدد إقامة الريموت الخاص بي ، ( من تقصد ؟ ) ، فقال : الريموت الحقيقي الذي لا ولن يتركني، كما تركني أبني وأخوته ، إنه ريموت مخلص أحضرته بفلوسي ( أي السائق ) ، فهو يقف معي في كل صغيرة وكبيرة ... فذهب مع سائقه وتركني .. دقائق وإذا بريموتي( الجوال ) يرن وتلقيت أوامر من زوجتي( كيلوباترا ) كي أشتري كذا وكذا وكذا

روائي وباحث اجتماعي