لا يشغلنا الحبيب عن قضايانا الكبرى

محسن الصفار

لا زلنا نتابع توالي ردات الفعل وبيانات الاستنكار -من السنة والشيعة- حول الاحتفال اللندني البغيض، والذي إلى الآن تم احتواء إرهاصاته، التي كان من الممكن أن تأخذنا لنعرة طائفية عمياء، في ظل التوتر الطائفي في البحرين، وضبابية العلاقات الإيرانية الخليجية، وكان من الممكن استخدام مثل هذه الحوادث لمذهبة الصراع السياسي أكثر وأكثر! ولكن، والحمد لله.. عقلاء وعلماء ومثقفو الشيعة وقفوا وقفة جميلة تجاه هذا العمل المتطرف، وأيضاً في الجانب السني كانت هناك قراءات متعقلة تعي ما تحتاجه المرحلة، ولزوم اشاعة الهدوء والتريث في ردات الفعل؛ لكي لا تدخل المنطقة في دوامة لا نعلم إلى أين نهايتها، وبالطبع لا يمكن إنكار استفادة البعض من هذه الحادثة للتنكيل بالشيعة ولتشويه ملامح مذهبهم ولإجهاض خطوات الوحدة بين المسلمين.

علماء الخارج ارحمونا يرحمكم الله:

العالم أصبح كقرية صغيرة، وتطور أجهزة الاتصال والتواصل نسف مفردة المجتمعات المغلقة، فما تقوله اليوم في حسينية صغيرة في أقصى بقاع الأرض لا تستغرب إذا رأيته في اليوم التالي منشوراً في كل مواقع الانترنت. لم يعد بإمكان الشيعة أو غيرهم أن يعيشوا حياة منعزلة عن بقية الطوائف والأطياف، فما تتفوه به ألسنة العلماء والمنابر الإعلامية له تأثيراته وتبعاته التي لا يمكن تجاهل أثارها السلبية أو الإيجابية على الواقع الشيعي. لذا ينبغي الاستفادة من حرية التعبير عن الرأي الموجودة في بلاد الخارج بتوجيهها بالاتجاه السليم، أي بطرح المعتقدات الصحيحة لمذهب أهل البيت ولجذب الناس لمذهب أهل البيت عبر عرض محاسنهم والالتزام بأخلاقهم وسيرتهم في التعامل مع المغايرين لنهجهم، ولا يوجد شاهد أفضل من كلام الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حينما سأل عن كيفية إحياء أمر أهل البيت فأجاب "يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا".

فبإمكاننا جذب الملايين لمذهب أهل البيت بذكر محاسنهم ومآثرهم، وهو ما يغنينا عن استخدام الأساليب المنفرة، أي بالعمل على تبيين ضلال المذهب الآخر، وإن رموزه في النار! وكلامي ليس رفضاً للتنقيح والقراءة التاريخية المنصفة المهذبة ، ما ارفضه هو التربص لكتب التراث واختيار النصوص الضعيفة او الروايات الموضوعة لغرض تأليب الناس ضد هذا المذهب أو ذاك  .

الشيخ الحبيب والسيد مجتبى الشيرازي ومن على خطهما، عليهم أن يتقوا الله بالأقليات الشيعية في بقاع المعمورة، فهم يطلقون الكلمات البذيئة واللعنات والذي يدفع الثمن هو ذاك المسكين الذي يعمل في منطقة ذات أكثرية سنية أو تحت إمرة رئيس سني! وانأ أطلقت كلمة سني عمدًا، ولم أخصصها على التفكير المتشدد (السلفي) لأننا وجدنا الليبرالي والمعتدل أثناء الاصطفافات المذهبية يصبح أكثر صلافة من المتشدد إلا ما رحم ربي.

 

حالة فردية ولا للتعميم:

خرج علينا العريفي بسلاطة لسان وبكلمات جارحة وأساء للسيد السيستاني -حفظه الله- وارتفعت موجة الاستنكارات والامتعاض ولكننا كشيعة لم نعمم ولم نُحمل أهل السنة مسؤولية هذه الآراء بل تعاملنا مع المسألة بمنحى شخصي، أي من يتحمل مسؤولية الكلام السيئ هو العريفي نفسه. ونفس الحالة مع الكلباني وغيرهما من التكفيريين.

بالمختصر المفيد : لماذا حين يخرج الحبيب أو غيره من المنحرفين وهم قلة، ويسب ويفعل أفعالاً ليست من معتقدات الشيعة، كفعلته الأخيرة يتم تعميم الرأي على الشيعة كمذهب كامل، وتشن الحملات لغرض التهييج ضد الشيعة وعرقلة الجهود التي تهدف إلى الوحدة وإلى لم شمل المسلمين؟

نحتاج إلى قرار وعزيمة جماعية سنية وشيعية بهدف مواجهة التطرف بكل أشكاله وعدم التأثر بمثل هذه الحالات الشاذة وعدم إعطائها زخم إعلامي كالذي جرى لحادثة لندن، لأن مثل هؤلاء المتطرفين الموجودين في كل المذاهب لن يسكتوا ولن يملوا، وأفضل تنظير لهذا الواقع هو كلام أمير المؤمنين عليه السلام حول الخوارج ومثيري الفتن إذ يقول: "إنهم لا يفنون, إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة". فانشغالنا بمثل هذه الترهات هو تلبية لهدف أعداء الإسلام، المتمثل في إحداث التفرقة وإشغال المسلمين عن قضاياهم الكبرى، ورسالتي للجميع: لا نجعل النقط السوداء في أثوابنا البيضاء تؤثر في جمالية وزهاء الصورة.