الخـير يخـصّ والـشر لـصّ !

الأستاذ / فوزي صادق *

إنه شعور جميل أن نهتف بالقومية العربية، وإحساسه يكون أجمل عندما أصرخ بين إخوتي ( أنا عربي ! ) .. لكن السيئ الذي أثنى وأحبط من عزيمتي، عندما قال لي أجنبي ( خواجات ) كان يوماً رب عملي : أنتم العرب بلا ( أخلاق ) .. مع الأسف إنه رجل (ختيار) كما يقولها إخوتنا الشامييون ( كهـل ) ولا أستطيع أن أجادله إلا بالتي هي أحسن .. لكن المصيبة ، إنه قالها  دون أن يشرح لي وجهة نظره ! أو على الأقل يبرهن لي ( بمثال ) ، فربما أقبله أو أرفضه .. والأسوأ من ذلك ، أني أموت حسرة كلما تذكرت كلمته وتذكرت إنه بعث فينا معلم مكارم الأخلاق الكامل !  لقد تركني (الخواجات) وأنا في معمعة مع نفسي ، لقد تركني وعلامات الاستفهام تتراكم وتكبر معي كالجبل في صومعتي، حتى واريت الثرى تلك الحادثة دون أن أزيح حصحصة من ترابها .

مرت الأيام وكبرت معي تجاربي في كلا الاتجاهين ( مع نفسي ومع الآخرين ) ، فقابلت وعاصرت وأشكلت وحاورت مع عدة عـقـول ( بألوان الطيف ) من مجتمعنا ومجتمعاتهم ، حتى بان الفيض من جوانب إناء عقلي الصغير .. وإذا الأيام تثبت بشهادة الشهود من أبناء جلدتي ، إن كلام  الختيار ( الخواجات ) صحيح ! ........( مع احترامي لآراء الآخرين ) .

يوماً كنا في جمع غفير بين جدران العمل، وكان معظمهم واقفاً، والقلة جلوس على كراسي متحركة ، وكان من بينهم أجنبي (آسيوي) يحرك كرسيه الدوار ليصلحه.. وصدفة ! وقع على الأرض ( للخلف )، فإذا بكل إخوتي العربان ( وأنا معهم ) يضحكون، والأجانب بقوة ( يصفقون ! ) وهم يرددون ( It’s OK )  أي لا بأس .. صراحة هذا الموقف أخجلني من نفسي أكثر من أن يدهشني من فعلهم ، وسجل لي موقف سيئ ، فما كان من الأسيوي إلا أن أخذ بجلالبيبه وأنصرف ليغتسل ، فقال لي أحدهم ( أجنبي ) لماذا تضحكون على الرجل ؟ إنه يحتاج تشجيع كي لا يحـرج أمامنا ، فأفترق الجمع ، فقلت ( لن أغفر لنفسي أبداً ).

بعد أيام أقنعتني نزعة الشر وقالت : ( الخير يخص والشر يعم ) ونحن لا نمثل إلا مجموعة صغيرة من بين الملايين ، ولن أصدق مقولة ( الخواجات ) إننا بلا ( أخلاق ) ، فمرت السنون ، وإذا بي يوماً أشاهد التلفاز .. كان برنامجاً  مشوقاً في أيامه كما يقال ، فهذا العربي الأحدب ( مع احترامي ) يعترف أمام الملأ إنه هاجر وطنه العربي بسبب إساءة المجتمع له ، ليسو الأطفال ! بل الشباب والكهول ، فقال له المذيع أخبر المشاهدين كيف ولماذا ؟ ، فقال الأحدب : كنت بوطني العربي قبل سنوات ، كنت دائماً في حالة هروب من الأطفال ، حيث يرمون علي الحجارة أينما يثـقـفـوني ( يجدوني ) ، وكان الكبار يفعلون نفس الشيء ، فحصلت لي فرصة الهجرة إلي المانيا ، فهربت إلي الأبد .. فقال المذيع وما الغريب في الأمر ؟ فجاوبه ( الأحدب ) : أول مرة دخلت فيها حديقة البلدة ، لاحقني أطفالهم برمي الورود والنقود ! ، فقال المذيع ، أخي : ( الخير يخص والشر يعم ) ، فجاوبه : حتى معلمي وأقربائي يسخرون مني ويلـقبوني بالـقـط  !

إلي الأن لم أقتنع ، وقلت كلام ( الخواجات ) غير صحيح ، وما زلت مؤمن بأن : ( الخير يخص والشر يعم ) ، حتى قابلت منذ فترة أديب عربي معروف ( بمعرض دولي للكتاب ) ، وأخبرني إنه لا يحبذ السياحة في دولة عربية ، فلم يعجبني كلامه البتة، وقلت له : ( الخير يخص والشر يعم ) فقال لي سيدي ، آخر مرة عملنا سياحة بتلك الدولة العربية الجميلة ، حيث كنا بالسوق ، وإذا بمواطن منهم يصرخ : إن محفـظته سرقت ! ، فاجتمعنا حوله ( ومعي زوجتي ) وحولنا بعض صبيتهم ونسائهم ، والرجل في حالة يرثى لها ( يبكي )، هذا يقول مسكين ، وذاك يقول عوضوه .. دقيقة وإذا بهم تفترقوا ، فصرخت زوجتي :(سرقت محفظتي!) .. فجأة اختفى الرجل المسروق !  فإذا بأحد الباعة المتجولين  يمر بقربي ويردد : ( الخير يخص والشر لص ) .

روائي وباحث اجتماعي