تنفيس الكربة بضربة أبي لؤلؤة

في أقصى التقديرات المسجلة في المؤلفات التاريخية أن عُمر بن الخطاب أسلم متأخرا فقضى في إسلامه 28 سنة  بعد حياة مثيرة في الشرك ناهزت الـ 35 سنة. ثم قتل في اليوم التاسع من ربيع الأول  بعد حكم دام مدة ﴿عشر سنين، وخمسة أشهر، وإحدى وعشرين ليلة، من متوفى أبي بكر، على رأس اثنتين وعشرين سنة، وتسعة أشهر، وثلاثة عشر يوماً من الهجرة . وقاتلهُ بابا شجاع الدين النهاوندي "أبو لؤلؤة" من الشخصيات التاريخية المهمة جدا التي احتلت مكانا جدليا في العقود الأولى من القرن الإسلامي الأول، لما أقدم عليه من فعل جريء أنهي به عهد عُمر ، وقاضى به مرحلة الحكم بـ"الرأي" التي دامت 12 عاما، ثم هيمن على مرحلة نفوذ الأمويين في عهد عثمان بن عفان فحرض على قتل عثمان.
تعرضت هوية أبي لؤلؤة رضوان الله تعالى عليه إلى حملة تشويه واسعة جدا في مرحلة خلافة عثمان، فنُسب إلى المجوسية ، وكفّر ، وقتلت ابنته ﴿إسلام على يد عبيد الله بن عمر بتحريض من أخته حفصة، وامتنع عثمان عن تنفيذ القصاص فيهما. وألزمت الدولتان الأموية والعباسية دواوينهما بتشويه هوية أبي لؤلؤة ونسبت فعله إلى مؤامرة فارسية كانت مدبرة للقضاء على حكم عمر الذي افتتح بلادهم . بينما مثل أبو لؤلؤة عند عارفيه الموقف المؤمن الشجاع الذي كان له الفضل الكبير في حسم الجدل القائم آنذاك حول شرعية خلافتي أبي بكر وعُمر وما أقدما عليه من غصب لحق علي عليه السلام ، والاعتداء على بيته، وقتل زوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، وتجريد الخلافة من أحكام الدين إدخال الجزيرة العربية في فوضى حكم "الرأي" المبني على عصبية جاهلية وقبلية.
قضى عُمر قتيلا بطعنات خنجر أبي لؤلؤة وهو مضطلع بهوية قاتله قبل أن يقدم "الصانع" أبي لؤلؤة على فعله. فقد تناهى إلى سمع عُمر قول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وفي ظروف مقتله وما يصير إليه قاتله من كسب للجنان بما فعل. كان ذلك على لسان أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يَشك عُمر مطلقا في صدق قوله إذ قال له فيما قال عليه السلام: "فيقتلك توفيقاً، يدخل والله الجنان على رغم منك  . فأنبأه علي عليه

السلام في هذا النص بصحة إيمان وعمل أبي لؤلؤة وصلاح منطلقه الديني ودوافعه التي لم تخل من رعاية تامة لحق أهل البيت عليهم السلام والمودة لهم ، وبما يصير إليه عُمر من سوء فعل وخاتمة عمل حتى لحظة طعنه قبل بزوغ  فجر التاسع من ربيع سنة 23هـ.
وتفصيل ذلك كان شاملا لدوافع قتل عُمر ، ورؤية أهل البيت عليهم السلام في هوية القاتل وصلاح فعله، وسوء عمل عُمر وصاحبه أبي بكر ، وما سيجري عليهما بعد قتلهما إلى قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
يقول الراوي: أن عليا عليه السلام قال لعُمر بعد أن آل أمر الخلافة من أبي بكر إليه بتزوير من عثمان: ﴿من علمك الجهالة يا مغرور. وأيم الله وكنت بصيرا وكنت في دنياك تاجرا نحريرا ، وكنت فيما أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله أركبت وفرشت الغضب ولما أحببت أن يتمثل لك الرجال قياما ، ولما ظلمت عترة النبي صلى الله عليه وآله بقبيح الفعال غير أني أراك في الدنيا قبلا بجراحة ابن عبد أم معمر " وعني به أبا لؤلؤة" تحكم عليه جورا فيقتلك توفيقا يدخل والله الجنان على رغم منك ، والله لو كنت من رسول الله صلى الله عليه وآله سامعا مطيعا لما وضعت سيفك في عنقك ، ولما خطبت على المنبر ولكأني بك قد دعيت فأجبت ونودي باسمك فأحجمت لك هتك سترا وصلبا ولصاحبك الذي اختارك وقمت مقامه من بعده . !
فقال عمر : يا أبا الحسن أما تستحي لنفسك من هذا إليك.  فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما قلت لك إلا ما سمعت وما نطقت إلا ما علمت . قال: فمتى هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السلام: إذا أُخرجت جيفتاكما عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قبريكما اللذين لم تدفنا فيها إلا لئلا يشك أحد فيكما إذا نبشتما ، ولو دفنتما بين المسلمين لشك شاك ، وارتاب مرتاب ، وستصلبان على أغصان دوحة يابسة فتورق تلك الدوحة بكما وتفرع وتخضر بكما فتكونا لمن أحبكما ورضي بفعلكما آية ليميز الله الخبيث من الطيب ، ولكأني أنظر إليكما والناس يسألون ربهم العافية مما بليتما به .
قال "عُمر": فمن يفعل ذلك يا أبا الحسن . قال عليه السلام: عصابة قد فرقت بين السيوف أغمادها ، وارتضاهم الله لنصرة دينه فما تأخذهم في الله لومة لائم ، ولكأني انظر إليكما وقد أخرجتما من قبريكما طريين بصورتيكما حتى تصلبا على الدوحات ، فتكون ذلك فتنة لمن أحبكما ، ثم يؤتى بالنار التي أضرمت لإبراهيم صلوات الله عليه ولجرجيس ودانيال وكل نبي وصديق ومؤمن ومؤمنة وهي النار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وابني الحسن والحسين وابنتي زينب وأم كلثوم ، حتى تحرقا بها ، ويرسل الله إليكما ريحا مدبرة فتنسفكما في اليم نسفا ويأخذ السيف من كان منكما ويصير مصيركما إلى النار جميعا ، وتخرجان إلى البيداء إلى موضع الخسف الذي قال الله تعالى : (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ) يعني من تحت أقدامكما .
قال: يا أبا الحسن تفرق بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وآله. قال: نعم. قال : يا ابا الحسن إنك سمعت هذا وأنه حق . قال : فحلف أمير المؤمنين أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله. فبكى عمر وقال: أعوذ بالله مما تقول ، فهل لك علامة . قال: نعم، قتل فظيع ، وموت سريع ، وطاعون شنيع ، ولا يبقى من الناس في ذلك إلا ثلثهم وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي وتكثر الآفات حتى يتمنى الأحياء الموت مما يرون من الأهوال ، وذلك مما أسئتما ، فمن هلك استراح ومن كان له عند الله خير نجا ثم يظهر رجل من عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يأتيه الله ببقايا قوم موسى ويحيى له أصحاب الكهف وتنزل السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها .
قال له عمر : فإنك لا تحلف إلا على حق فإنك أن تهددني بفعال ولدك فوالله لا تذوق من حلاوة الخلافة شيئا أنت ولا ولدك ، وإن قبل قولي لينصرني ولصاحبي من ولدك قبل أن أصير إلى ما قلت . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : تبا لك أن تزداد إلا عدوانا فكأني بك قد أظهرت الحسرة وطلبت الإقالة ، حيث لا ينفعك ندمك .
فلما حضرت عمر الوفاة أرسل إلى أمير المؤمنين، فأبى أن يجئ، فأرسل إليه جماعة من أصحابه فطلبوه إليه أن يأتيه ، ففعل . فقال عمر : يا أبا الحسن هؤلاء حالوني مما وليت من أمرهم فإن رأيت أن تحالني ، فافعل . فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: أرأيت إن حاللتك فمن حالل بتحليل ديان يوم الدين ، ثم ولى وهو يقول: (واسروا الندامة لما رأوا العذاب) ، فكان هذا من دلائله  عليه السلام الذي شهد أكثرها وصح ما نبأ به فهو حق
 
وقريب من ذلك يُبين الإمام الهادي عليه السلام في العقد الأول من القرن الثاني الهجري قولا لرسول الله صلى الله عليه وآله ولأمير المؤمنين علي عليه السلام في مدح يوم أبي لؤلؤة الذي قُتل فيه عُمر، وجعل الله تعالى على يديه فيه خلافة أبي بكر وعمر (هباء منثور) ، وذم ما أقدم عليه عُمر من فعل في بيت فاطمة عليها السلام وفي حق علي عليه السلام والمسلمين في عهد أبي بكر وخلال مرحلة خلافته التي دامت 10 سنوات تقريبا.. هذان القولان الشريفان تضمهما رواية عن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان أمين سر الرسول صلى الله عليه وآله في أسماء المتآمرين على قتله صلى الله عليه وآله في عقبة هرشى ، وهو ممن امتنع عن الصلاة خلف جنازة أبي بكر وعُمر وعثمان عفان ، فحُكِم بنفاقهم وتآمرهم:  

فعن الإمام الهادي عليه السلام قال: حدثني أبي عليه السلام أن حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم - وهو التاسع من شهر ربيع الأول - على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله. قال حذيفة: رأيت سيدي أمير المؤمنين مع ولديه الحسن والحسين عليهم السلام يأكلون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتبسم في وجوههم عليهم السلام ويقول لولديه الحسن والحسين عليهما السلام: كُلا هنيئا لكما ببركة هذا اليوم، فإنه اليوم الذي يهلك الله فيه عدوه وعدو جدكما، ويستجيب فيه دعاء أمكما.. كُلا ، فإنه اليوم الذي يقبل الله فيه أعمال شيعتكما ومحبيكما.. كُلا ، فإنه اليوم الذي يصدق فيه قول الله: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا).. كُلا ، فإنه اليوم الذي يتكسر فيه شوكة مبغض جدكما.. كُلا ، فإنه يوم يفقد فيه فرعون أهل بيتي وظالمهم وغاصب حقهم.. كُلا، فإنه اليوم الذي يقدم الله فيه إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباء منثورا.
قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله ، وفي أمتك وأصحابك من ينتهك هذه الحرمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم يا حذيفة، جبت من المنافقين يترأس عليهم ويستعمل في أمتي الرياء، ويدعوهم إلى نفسه، ويحمل على عاتقه درة الخزي، ويصد الناس عن سبيل الله، ويحرف كتابه، ويغير سنتي، ويشتمل على إرث ولدي، وينصب نفسه علما، ويتطاول على إمامه من بعدي، ويستحل أموال الله من غير حلها، وينفقها في غير طاعته، ويكذبني و يكذب أخي ووزيري، وينحي ابنتي عن حقها، وتدعو الله عليه ويستجيب الله دعاؤها في مثل هذا اليوم.
قال حذيفة: قلت: يا رسول الله ، لم لا تدعو ربك عليه ليهلكه في حياتك . قال: يا حذيفة ، لا أحب أن أجترئ على قضاء الله لما قد سبق في علمه، لكني سألت الله أن يجعل اليوم الذي يقبضه فيه فضيلة على سائر الأيام ليكون ذلك سنة يستن بها أحبائي وشيعة أهل بيتي ومحبوهم، فأوحى إلي جل ذكره، فقال لي: "يا محمد، كان في سابق علمي أن تمسك وأهل بيتك محن الدنيا وبلاؤها، وظلم المنافقين والغاصبين من عبادي من نصحتهم وخانوك، ومحتضتهم وغشوك، وصافيتهم وكاشحوك وأرضيتهم وكذبوك، وانتجيتهم وأسلموك، فإني بحولي وقوتي وسلطاني لأفتحن على روح من يغصب بعدك عليا حقه ألف باب من النيران من سفال الفيلوق، ولأصلينه وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه، ولأجعلن ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر، ولأحشرنهم وأوليائهم وجميع الظلمة والمنافقين إلى نار جهنم زرقا كالحين أذلة خزايا نادمين، ولأخلدنهم فيها أبد الآبدين. يا محمد، لن يوافقك وصيك في منزلتك إلا بما يمسه من البلوى من فرعونه وغاصبه الذي يجتري علي ويبدل كلامي، ويشرك بي ويصد الناس عن سبيلى، وينصب من نفسه عجلا لأمتك، ويكفر بي في عرشي، إني قد أمرت ملائكتي في سبع سماواتي لشيعتكم ومحبيكم أن يتعيدوا في هذا اليوم الذي أقبضه إليّ، وأمرتهم أن ينصبوا كرسي كرامتي حذاء البيت المعمور ويثنوا علي ويستغفروا لشيعتكم ومحبيكم من ولد آدم، وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلهم ثلاثة أيام من ذلك اليوم ولا أكتب عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لك ولوصيك، يا محمد، إني قد جعلت ذلك اليوم عيدا لك ولأهل بيتك ولمن تبعهم من المؤمنين و شيعتهم، وآليت على نفسي بعزتي وجلالي وعلوي في مكاني لأحبون من تعيد في ذلك اليوم محتسبا ثواب الخافقين، ولأشفعنه في أقربائه وذوي رحمه، ولأزيدن في ماله إن وسع على نفسه وعياله فيه، ولأعتقن من النار في كل حول في مثل ذلك اليوم ألفا من مواليكم وشيعتكم، ولأجعلن سعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا، وأعمالهم مقبولة".
قال حذيفة: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل إلى بيت أم سلمة، ورجعت عنه وأنا شاك في أمر الشيخ حتى ترأس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وأتيح الشر وعاد الكفر، وارتد عن الدين، وتشمر للملك، وحرف القرآن، وأحرق بيت الوحي، وأبدع السنن، وغير الملة، وبدل السنة، ورد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، وكذب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله واغتصب فدكا، وأرضى المجوس واليهود والنصارى، وأسخن قرة عين المصطفى ولم يرضها، وغير السنن كلها، ودبر على قتل أمير المؤمنين عليه السلام، وأظهر الجور، وحرم ما أحل الله، وأحل ما حرم الله، وألقى إلى الناس أن يتخذوا من جلود الإبل دنانير، ولطم وجه الزكية، وصعد منبر رسول الله غصبا وظلما، وافترى على أمير المؤمنين عليه السلام وعانده وسفه رأيه.
قال حذيفة: فاستجاب الله دعاء مولاتي عليها السلام على ذلك المنافق، وأجرى قتله على يد قاتله رحمة الله عليه، فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام لأهنئه بقتل المنافق ورجوعه إلى دار الانتقام.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا حذيفة ! أتذكر اليوم الذي دخلت فيه على سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا وسبطاه نأكل معه، فدلك على فضل ذلك اليوم الذي دخلت عليه فيه. قلت: بلى يا أخا رسول الله صلى الله عليه وآله . قال الأمير عليه السلام: هو والله اليوم الذي أقر الله به عين آل الرسول، "وإني لأعرف" لهذا اليوم اثنين وسبعين اسما، قال حذيفة: قلت: يا أمير المؤمنين ، أحب أن تسمعني أسماء هذا اليوم، وكان يوم التاسع من شهر ربيع الأول، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا يوم الاستراحة، ويوم تنفيس الكربة، ويوم الغدير الثاني، ويوم تحطيط الأوزار، ويوم الخيرة ، ويوم رفع القلم، ويوم الهدو، ويوم العافية، ويوم البركة، ويوم الثارات، ويوم عيد الله الأكبر، ويوم يستجاب فيه الدعاء، يوم الموقف الأعظم، ويوم التوافي، ويوم الشرط، ويوم نزع السواد، ويوم ندامة الظالم، ويوم التصفح، ويوم فرح الشيعة، ويوم التوبة، ويوم الإنابة، ويوم الزكاة العظمى، ويوم الفطر الثاني، ويوم سيل النغاب، ويوم تجرع الريق، ويوم الرضا، ويوم عيد أهل البيت، ويوم ظفرت به بنو إسرائيل، ويوم يقبل الله أعمال الشيعة، ويوم تقديم الصدقة، ويوم الزيارة ،ويوم قتل المنافق، ويوم الوقت المعلوم، ويوم سرور أهل البيت، ويوم الشاهد، ويوم المشهود، ويوم يعض الظالم على يديه، ويوم القهر على العدو، ويوم هدم الضلالة، ويوم التنبيه، ويوم التصريد، ويوم الشهادة، ويوم التجاوز عن المؤمنين، ويوم الزهرة، ويوم العذوبة، ويوم المستطاب به، ويوم ذهاب سلطان المنافق، ويوم التسديد، ويوم يستريح فيه المؤمن، ويوم المباهلة، ويوم المفاخرة، ويوم قبول الأعمال، ويوم التبجيل ، ويوم إذاعة السر، ويوم نصر المظلوم، ويوم الزيارة، ويوم التودد، ويوم التحبب، ويوم الوصول، ويوم التزكية، ويوم كشف البدع، ويوم الزهد في الكبائر، ويوم التزاور، ويوم الموعظة، ويوم العبادة، ويوم الاستسلام.
قال حذيفة: فقمت من عنده - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - وقلت في نفسي: لو لم أدرك من أفعال الخير وما أرجو به الثواب إلا فضل هذا اليوم لكان مناي
وبحسب ما جاء من روايات في مقتل عُمر على يدي أبي لؤلؤة؛ أن عُمر أُعلم في مرات كثيرة بموته قتلا . فمرة من خلال رؤية رآها:﴿أن ديكا نقره نقرتين ، فأوله برجل من العجم سيقتله  . ومرة علم بذلك مما جاء على لسان علي عليه السلام إخبارا منه عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان فيه تعريفا بهوية قاتله. ومرة علم عُمر بمقتله بما جاء على لسان فاطمة الزهراء عليها يوم مزق عُمر كتاب ملكية فدك للزهراء عليها السلام ، وصرحت له بدعائها عليه بطريقة القتل. ﴿فلما وعظت فاطمة عليها السلام أبا بكر في فدك، كتب لها بها كتاباً ورودها عليها، فخرجت من عنده فلقيها عمر، فخرق الكتاب، فدعت عليه بما فعله أبو لؤلؤة به »  ، فقالت عليها السلام له: بقر الله بطنك، كما بقرت صحيفتي .
ومرة علم من الجن - بحسب رواية عن عائشة - أنها قالت : ﴿ناحت الجن على عُمر قبل أن يقتل بثلاث   !
أبو لؤلؤة ليس شخصا عاديا أقدم على قتل عُمر ثم ولى هاربا أو انتحر من ساعته ، بل عُرف ﴿من خيار شيعة علي عليه السلام  ،﴿وكان من أكابر المسلمين والمجاهدين، بل من خُلص أتباع أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان أخا لذكوان ، وهو أبو أبي الزناد عبد الله بن ذكوان عالم أهل المدينة بالحساب والفرائض والنحو والشعر والحديث والفقه ، ﴿وعبد الله بن ذكوان أبو عبد الرحمن هو الإمام أبو الزناد المدني مولى بني أمية ، وهو أخو أبو لؤلؤة قاتل عُمر ، ثقة ثبت روى عنه مالك والليث والسفيانان، مات فجأة في شهر


رمضان سنة 131 . وقال ابن حبان في أبي الزناد في أخيه ،هو « عبد الله بن ذكوان كنيته أبو عبد الرحمن مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة "زوجة عثمان" وكان ذكوان أخا أبى لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب وكان أبو الزناد من فقهاء المدينة وعبادهم وكان صاحب كتاب لا يحفظ ، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة . سمع أبو الزناد الأعرج روى عنه مالك والثوري وأهل الحجاز» .﴿وهذا أجلى دليل على كون فيروز المذكور من الشيعة، وحينئذ فلا اعتماد بما قاله الذهبي من أن أبا لؤلؤة كان عبدا نصرانيا لمغيرة ابن شعبة. وكذا لا اعتداد بما قاله السيوطي في تاريخ الخلفاء من أن أبا لؤلؤة كان عبدا لمغيرة ويصنع الأرحاء . وقال الواقدي ومصعب الزبيري والطبري : فما دام أبو لؤلؤة عم إمامكم أبي الزناد، فلماذا لا يكون مسلماً   
وذُكر أن أبا لؤلؤة انذر عُمر من قبل بقتله بعد حادثة رفعه للشكوى إلى عُمر بما أُثقل به كاهله ، إذ قال عُمر لأبي لؤلؤة ﴿ليس بكثير في حقك ، فإني سمعت عنك أنك لو أردت أن تدير الرحى بالريح ، لقدرت على ذلك . فقال له أبو لؤلؤة : لأديرن لك رحى لا تسكن إلى يوم القيامة .فقال : إن العبد قد أوعد ولو كنت أقتل أحدا بالتهمة لقتلته. وفي خبر آخر ، قال له أبو لؤلؤة : لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب . ثم إنه قتله بعد ذلك .
بعد طعنه عُمر ؛ لم يرض أبو لؤلؤة بحكم يفصل بينه وبين عُمر  غير أمير المؤمنين عليه السلام ، فألقى على عُمر حجته البالغة، فصعق عمر لهذه الحجة فلفظ أنفاسه ومات. وفي ذلك روي عن جابر الأنصاري رضوان الله تعالى عليه، أنه قال: لما طَعن أبو لؤلؤة عُمرا ، فقال عُمر: يا عدو الله، ما حملك على قتلي، ومن الذي دسك إلى قتلي. قال: إجعل بيني وبينك حكماً حتى أتكلم معك. فقال عُمر: بمن ترضى بيننا حكم عدلٍ. قال: بعلي بن أبي طالب عليه السلام.. فلما جاءه الإمام علي عليه السلام، قال عُمر لأبي لؤلؤة: تكلم، فقد حكم بيننا حكم عدل. فقال: أنت أمرتني بقتلك يا عُمر. قال: وكيف ذلك. قال: إني سمعتك تخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنت تقول: كانت بيعتنا لأبي بكر فلتة وقانا الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، وقد عدت أنت إلى مثلها. فقال له: صدقت. ثم أغمي عليه ومات..
وبشأن ما رُوج له في مجتمعي مكة والمدينة وباقي ولايات البلاد الإسلامية عن هوية أبي لؤلؤة وما هدف إليه من طعنه لعُمر ، وفيما تناقلته المصادر التاريخية عن أبي لؤلؤة ؛ تجد الصورة فيها متهافتة ومشوهة ومنقلبة رأسا على عقب ، وزاد فيها سوء الربط بتهمة

مؤامرة عظمى حيكت ضد عُمر ظُن فيها مسعى للقضاء على مشروع فتح بلاد فارس ، والحال أن هذا الفتح لم يقم إلا على جهود أهل البيت عليهم السلام حيث كان عُمر مبسوط اليد على مكة والمدينة ولم تكن له كفاءة مستوية، ولا شجاعة في إدارة الحروب، ولا قدرة على إدارة البلاد المفتوحة إلا بما قدمه الإمام علي عليه السلام من مشورة ومن خلص بنيه وأهله ورجاله الذين تقدموا مسيرة الفتح وكسبوا أهل البلاد المفتوحة وساسوهم بأحسن السياسة.
ومن جملة ما نقل من وضع مسرف وخلط في الحقائق بالكذب والوضع حول هوية أبي لؤلؤة وقصة قتله لعُمر والأسباب الكامنة وراء ذلك، أنه كان ﴿عبدا للمغيرة بن شعبة ، وكان يصنع الرحى، قال فكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، قال: فلقي أبو لؤلؤة عمر فقال يا أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي "غلتي فكلمه"  أن يخفف علي، قال فقال عمر اتق الله وأحسن إلى مولاك، قال ومن نية عمر أن يلق المغيرة فيكلمه في التخفيف عنه، قال فغضب أبو لؤلؤة وقال يسع الناس عدله كلهم غيري، فغضب وأضمر على قتله، قال فصنع خنجرا له رأسان، قال فشحذه، "وسمه ثم أتى به الهرمزان فقال كيف ترى هذا قال أرى أنك لا تضرب به أحدا إلا قتلته"  قال وتحين عمر، "وقبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف ، قال كيف فعلتما أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق قالا حملناها أمرا هي له مطيقة ، ما فيها كبير فضل . قال انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق ، قال قالا لا . فقال عمر لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدى أبدا . قال فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب . قال إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب "  "وكان عمر لا يكبر إذا أقيمت الصلاة و"مر بين الصفين"  حتى يتكلم "أقيموا صفوفكم"، قال فجاء"أبو لؤلؤة" فقام "وراء عمر"  في الصف بحذائه مقابل عمر في صلاة الغداة  ﴿حتى إذا لم ير فيهن "الصفوف" خللا تقدم فكبر ، وربما قرأ سورة يوسف ، أو النحل ، أو نحو ذلك ، في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس" كان يستقبل الصف إذا أقيمت الصلاة ، فإن رأى إنسانا متقدما أو متأخرا أصابه بالدرة ، فجاء عمر يريد الصلاة فعرض له أبو لؤلؤة فناجاه عمر غير بعيد، ثم تركه ثم ناجاه ثم تركه"  ، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني - أو أكلني - الكلب . حين طعنه ، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا

شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا ، مات منهم سبعة  ، أو ﴿ فلما كبر وجأه أبو لؤلؤة في كتفه ووجأه في خاصرته فسقط عمر  وهو ﴿ يقول : دونكم الكلب قد قتلني " فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه " ، أو فماج الناس فقال قائل: الصلاة عباد الله قد طلعت الشمس ، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف بأقصر سورتين فى القرآن (إذا جاء نصر الله) و (إنا أعطيناك الكوثر ) ، قال : فاحتمل عمر  "فلما انصرفوا قال"عمر" يا ابن عباس انظر من قتلني قال فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة بن شعبة فقال الصنع؟! قال نعم قال قاتله الله
هذه النصوص التاريخية برغم تهافتها وما فيها من وضع جزئي أو شامل وخلط بين الألفاظ والأسماء، لتؤكد على بعض الحقائق التي لم يستطع مروجو التشويه لهوية أبي لؤلؤة أن يطمسوها ، منها: أن عُمر كان متواطئا مع المغيرة بن شعبة الثقفي وغيره من أثرياء المدينة على تحقير وإهانة وظلم كل من ثبت ولاءه لعلي عليه السلام ، لذلك أثقل المغيرة على غلة أبي لؤلؤة ومن هم أمثاله. وقد عُرف عن المغيرة أنه من مقربي عُمر ومن أصحاب المكر والخديعة، وقد ولاه عُمر على البحرين فسرق أموالها حتى ضج الناس ونفروا منه فعزله، ثم ولاه البصرة فزنى فيها بامرأة فعزله ولم يقم عليه الحد، ثم ولاه الكوفة حتى عزله عثمان   .
وفي لقيا عمر لحذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه وعثمان بن حنيف ففيه أمر خطير لم يدركه عُمر، إذ أنذره حذيفة بمقتله عن قريب، لما كان حذيفة يمتلكه من علم خصه به نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله. وفي علم حذيفة أن عُمر كان أحد المشاركين في مؤامرة هرشى التي استهدفت قتل النبي صلى الله عليه وآله، وعُمر يعرف ذلك بعد أن شَهِد ساعة امتناع حذيفة عن الصلاة خلف جنازة أبي بكر . ثم بذل عُمر جهدا في استرضاء حذيفة وابتزازه ليخفي عن الناس سر هرشى ، فولاه. لكن حذيفة رفض الانصياع لابتزاز فعزله عُمر عن ولاية المدائن. وبعد مماته بعد ثلاثة أيام من طعنة أبي لؤلؤة ؛ لم يصل حذيفة على جنازته.
 أبو لؤلؤة لم يكن كافرا ولا مجوسيا حين طعن عُمر في المسجد ، وشوهد يصلي في الصف الأول خلف عُمر مباشرة ، كما شوهد عُمر يقطع صفوف المصلين ليتقدمهم فرأى

أبا لؤلؤة خلفه فناجاه مرتين . فلا حقيقة في القول بكفره أو مجوسيته أو كفره مطلقا. ويؤيد ذلك أيضا وجوده في مسجد المدينة التي خلت من غير المسلمين بعد وصية الرسول صلى الله عليه وآله قبل شهادته بإخراجهم من الجزيرة العربية . ولو حكمنا بكفره وفقا لهذه الأدلة أو القرائن لانسحبت صفة الكفر على عُمر بنفس هذه الأدلة والقرائن لأن عُمر بها خالف أمر سول الله صلى الله عليه وآله بإخلاء الجزيرة العربية من غير المسلمين، وزاد عليه بالصلاة جماعة وهو يعلم أن خلفه في الصف الأول كافرا أو مجوسيا ثم امتنع عن إخراجه من المسجد.
وحين طعنه أبو لؤلؤة أمر عُمر ابن عباس بالاستعلام عن قاتله ، فقيل له "أبا لؤلؤة" فاستعاد عمر ذاكرته إلى قول علي عليه السلام له في صفة قاتله، وأن أبا لؤلؤة يدخل الجنة رغما عنه ، وأنه هو "الصنع"؛ عَرفه عُمر  وقال: "نعم ، قاتله الله". وحين جيء بأبي لؤلؤة إلى عُمر في حضور من الحَكَم بينهما علي عليه السلام ؛ إحتج أبو لؤلؤة بأمر "الخليفة المسلم" عُمر :"فاقتلوه" لمن أتى بمثل فلتة سابقه أبي بكر، وكان عُمر  قد أتى الفلتة بإقرار منه.  
وجرى أيضا اختلاف في مقتل وهروب أبي لؤلؤة والقبض عليه ومصيره . فقد نجح أبو لؤلؤة في طعن عُمر بـ﴿ثلاث جراحات: جراحتين في سرته، وجراحة فوق سرته، ثم شق الصفوف "وكان أبو لؤلؤة رجلا شجاعا سريع الركض"  ، وخرج "ونجى" هاربا  ، وقيل أيضا ﴿أن أبا لؤلؤة قد وجأ نفسه فقتلها حين تكاثروا عليه وأخذوه  ، وقيل أن المصلين في المسجد استمروا في الصلاة "، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله، سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف"  برغم جراحات عُمر ونزيف دمه، فلما انتهوا﴿وثب الناس يتعادون خلف أبي لؤلؤة، وهم يقولون: خذوه، فقد قتل أمير المؤمنين. فكان كلما لحقه رجل من المسلمين ليأخذه وجأه أبو لؤلؤة بالخنجر، حتى جرح من المسلمين ثلاثة عشر رجلاً، فمات منهم ستة نفر. قال: ولحقه رجل من روائه، فألقى عليه برنساً، فأخذه، فلما علم أبو لؤلؤة أنه قد أُخذ وجأ نفسه وجأة، فقتل نفسه  .
فالمرجح بين هذه النصوص أن أبا لؤلؤة طعن عُمر ثم شق الصفوف وهم لا يعلمون أنه من طعن عُمر ، ثم أُلقي القبض عليه لاحقا وجيء به إلى عمر قبل موته للاحتكام أمام
أمير المؤمنين عليه السلام الذي لم يكن يصلي جماعة خلف عُمر، ثم هُرّب أبو لؤلؤة بإعانة أحدهم واختفى عن الأنظار بعيدا عن أهله ، وخرج من المدينة إلى بلاده فارس. فليس هناك من دليل قاطع على أنه وجأ نفسه أو وجأ آخرين ، فلا أسماء هناك لمن وجأهم أبو لؤلؤة حين فر هاربا إلى خارج المسجد ، وليس هناك من دليل على إقامة الحد عليه بعد احتجازه في المدينة ، كما ليس له من قبر معروف في المدينة . 
وبثبات إيمان أبي لؤلؤة وإسلام عائلته، وقربه من أمير المؤمنين عليه السلام، ومدح أهل البيت عليهم السلام له، وعلم حذيفة بمصير عُمر على يديه ووقته وإنذاره له بأن قال وابن حنيف معه "حملناها أمرا هي له مطيقة" ، ثم امتناع حذيفة عن الصلاة خلف جنازة عُمر فيما يثبت ضلوع عُمر في مؤامرة اغتيال النبي صلى الله عليه وآله في عقبة هرشى. فإن حجة إيمان أبي لؤلؤة داحضة لمن قال بمجوسيته أو كفره .
ويضاف إلى دوافع أبي لؤلؤة عندما طعن عُمر أمورا سيئة كثيرة عرفها المسلمون في عُمر آنذاك ، منها: أن تصريحه بجملته الشهيرة في حق سابقه أبي بكر " بيعة كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه" كانت تعبيرا صريحا عن فساد الطريقة التي وصل بها أبي بكر إلى الخلافة فضلا عن كره عُمر له وتآمره عليه بالتنسيق مع عثمان. وبفساد هذه الخلافة فإن الفساد كله ينسحب على من سنها وضبط حقوق الناس وفق نظامها ، فيشمل ذلك أيضا فساد دين مرتكبي الفلتة التي حذر عُمر من اللجوء إلى مثلها .
ثم جاء عُمر إلى مثل تلك الفلتة فركبها فقتله أبو لؤلؤة . وحين سأله عُمر وهو ينزف من جراحات الطعن عن منطلقه في عملية القتل ، أجابه أبو لؤلؤة: أنت أمرتني بقتلك يا عُمر. إني سمعتك تخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وأنت تقول: كانت بيعتنا لأبي بكر فلتة، وقانا الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، وقد عدت أنت إلى مثلها!
وإذ جزمنا من خلال الأدلة والقرائن بأن أبا لؤلؤة كان من المؤمنين الأبرار الذين الزموا أنفسهم بشريعة النهي عن المنكر، فإن ما رآه أبو لؤلؤة في عُمر دعاه للاجتهاد في قتله مثلما اجتهد الناس في قتل عثمان من بعده: فعُمر ممن آذى الرسول صلى الله عليه وآله قبل إسلامه ، وحاول قتله ، وتشدد وغلظ في أذى الناس واستخف بهم ليطيعوه حتى فيما ابتدع في الأذان وصلاة الجماعة ، وجهله بالدين عامة لتأخره في الإسلام وعدم تمكنه منه حتى مات.
ومن بين ما جهل فيه وابتدع عُمر فأمر  فيه برأيه: في المهور حيث حددها من نفسه بلا شرع ، وفي المتعة ومتعة الحج ومنعهما والمعاقبة عليهما، وحينما قضى برجم من تلد في ستة شهور ، وتشريعه لأحكام باطلة في الوضوء والتيمم، والتلاعب في أحكام الإرث والحج، وفوضاه في العطاء، وإجازة بعض أنواع الخمر، وأحكام الحرب والجزية وأصحاب الذمة، وعدم اعتنائه بالصلاة وأحكامها ، فضلا عن فراره من الحروب في حياة النبي صلى الله عليه وآله  وتجبينه لأصحابه في ميادينها، والمشاركة في مؤامرة عقبة هرشى،واغتيال النبي صلى الله عليه وآله بالسم ، والانقلاب على وصاياه، وفصله بين الثقلين عنادا، وقلته فاطمة عليها السلام وغصبه لحقها في فدك وغيره ، وإزاحته علي وأهل بيته عليهم السلام عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها  ، حتى قال عبد الملك بن مروان فيه حين ﴿سمع جماعة من أصحابه يذكرون سيرة عُمر بن الخطاب ، فقال : إيها عن ذكر عُمر ؛ فإنه إزراء على الولاة ، مفسدة للرعية  .
واما القول قول ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة" بأن: " أبا لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام كان مجوسيا من عباد النيران، فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله ، وحبا للمجوس ، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم ، وقتل رؤساءهم ، وقسم أموالهم" ، فقول ينم عن عصبية متعمدة وحقد صريح لعلي بن أبي طالب وأهل البيت عليهم السلام ، مع علم ابن تيمية التام بعدم وجود إجماع على كفر أبي لؤلؤة ، بل أن الإجماع عند أهل الحق بحجة أبي لؤلؤة البالغة ألقاها على عمر قبل موته. ثم إن ابن تيمية لا يعتد بقوله في الشأن التاريخي لأنه لا يلقي رؤاه وفتاواه فيه بحجج واضحة ، وغالبا ما يعمد إلى الكذب دائما بتحصيل الإجماع وهو غير متحصل.
ويضاف إلى فساد رأي ابن تيمية فساد قول القائلين بعلاقة كعب الأحبار بابي لؤلؤة حينما استندوا إلى ما اختلق من حوار له حين لقي عمر : يا أمير المؤمنين إعهد فإنك ميت في عامك. قال عمر: وما يدريك يا كعب. قال: وجدته في كتاب الله. قال أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عُمر بن الخطاب. قال: اللهمَّ لا، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك. فلما أصبح الغد غدا عليه كعب ، فقال عمر: يا كعب. فقال كعب: بقيت ليلتان فلما أصبح الغد غدا عليه كعب ،قال عُمر  شعرا:
يواعـدني كعـبٌ ثلاثاً يعـدُّها   ولا شكَّ أن القولَ ما قاله كعبُ
وما بي لقاء الموت إني لميـت   ولكنَّمـا في الذنـبِ يتبعُـه الذنبُ
فلما طُعن عُمر دخل عليه كعب فقال: ألم أنهك. قال: بلى، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً »  . فأول ما يؤخذ على هذا القول: أن الكثير من أقوال الصحابي الجليل عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه ورواياته قد نُسبت لغاية في نفس ناسبيها إلى شخصية كعب الأحبار الذي ثبت بالتحقيق أنه شخصية أسطورية مختلقة ولا وجود لها مطلقا في التاريخ الإسلامي. ولو كان كعب الأحبار كما ذُكر أنه شخصية يبيت للإسلام حقدا ويتآمر في سبيل تحقيق مآربه ، فلماذا كان يرجو لعمر السلامة فيدعوه محذرا في ثلاثة أيام متتالية، ويؤكد على تحذيره في اليوم الأخير أيضا، ثم يقول له حين لقيه بعد طعنه: "ألم أنهك". وإذا ما كان عُمر متيقنا بضلوع كعب في جريمة القتل والتآمر؛ فلماذا لم يتهمه ويأمر باعتقاله في المسجد وإقامة الحد عليه؟!. ولماذا يتعمد كعب الذهاب لعمر إلى حيث مصرعه وهو الضالع في عملية الاغتيال؟!. وأخيرا يتساءل الكثير من الباحثين والمحققين: لماذا لم يُقم عُمر  أو ولي دمه الحد على كعب الأحبار بينما جرى قتل آخرين لا علاقة لهم فيما جرى، ومنهم: "إسلام" ابنة أبي لؤلؤة ، والهرمزان، وجفينة .
فالأولى طفلة صغيرة مسلمة قتلتها ابن عُمر بغير ذنب فعلت ، حيث: «انطلق عبيد الله إلى ابنة أبي لؤلؤة صغيرة تدعى "الإسلام" فقتلها، وأراد أن يضع السيف في السبي فاجتمع عليه المهاجرون فلم يزل عمرو بن العاص يتلطف به حتى أخذ منه السيف» ، بينما عُلم عن المتهمَين الآخرَين إسلامهما. فالهرمزان كان حاكما على الأهواز ومن أنصار علي عليه السلام ومولاه في المدينة ، وجفينة مسلم من الحيرة ، ولم يقم أحد البينة عليهما، كما لم يصدر منهما إقرار على نفسيهما بالتواطئ على قتل عُمر. وحتى عُمر نفسه لم يوجه إليهما أي اتهام مطلقا ووصّى بمقاضاة ابنه عبيد الله لقتله إياهما بلا بينة أو إقرار، ﴿فلما طُعن عُمر وثب عبيد الله بن عُمر على الهرمزان فقتله ، فقيل لعُمر إن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان . قال ولم قتله؟!. قال إنه قتل أبي . قيل وكيف ذاك؟. قال رأيته قبل ذلك مستخلياً بأبي لؤلؤة وهو أمره بقتل أبي . قال عُمر ما أدري ما هذا، أُنظروا إذا أنا مُت فاسألوا عبيد الله البينة على الهرمزان هو قتلني ، فإن أقام البينة فدمه بدمي ، وإن لم يقم البينة ؛ فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان . وقال ﴿أخطأ، فإن الذي ضربني أبو لؤلؤة وما كان للهرمزان في أمري صنع، وإن عشت احتجت أن أقيده به، فإن علي بن أبي طالب لا يقبل منا الدية وهو مولاه  . وقال حمزة بن عبد الله بن عُمر « أن أباه قال: فيرحم الله حفصة إن كانت لمن شجع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة  ، لكن عثمان في عهده رفض إقامة الحد على عبيد الله بحجة نصب نفسه وليا عن دم الهرمزان، ورفض أمر علي عليه السلام بقتله، وناصره المهاجرون موقفه في إخلاء سبيل عبيد الله ، وأبدى عمرو بن العاص دهاءه في منع إقامة هذا الحد. فقد سُئل عثمان : "ألا تمضي وصية عُمر في عبيد الله؟. قال: ومن وليّ الهرمزان؟. قالوا: أنت يا أمير المؤمنين . فقال: فقد عفوت عن عبيد الله بن عمر  . وفي هذا القول من عثمان إقرار صريح ببراءة الهرمزان من دم عُمر . واما ما جرى من قتل متعمد لابنة أبي لؤلؤة "إسلام" ؛ فلم يوص عُمر بمقاضاة ابنه عبيد الله على فعله المشين فيها، وجرى عثمان على هذه السنة!.  
ويذكر الطبري قصة تداول أمر عبيد الله بن عمر بعد قتله الهرمزان  وجفينة ، يقول : ﴿ثم جلس عثمان في جانب المسجد ودعا عبيد الله بن عمر وكان محبوساً في دار سعد بن أبي وقاص وهو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة،  وكان يقول والله لأقتلن رجالاً ممن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين والأنصار ، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجذب شعره حتى أضجعه إلى الأرض وحبسه في داره حتى أخرجه عثمان إليه، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار : أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق. فقال علي عليه السلام: أرى أن تقتله "أقد الفاسق فإنه أتى عظيماً، قتل مسلماً بلا ذنب"  ، وقال عليه السلام لعبيد الله: "يا فاسق لئن ظفرت بك يوما لأقتلنك » . فقال بعض المهاجرين قتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم. فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين: إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطاناً إنما كان هذا الحدث ولا سلطان لك. قال عثمان أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي. "فقام المقداد بن عمرو فقال : إن الهرمزان مولى لله ولرسوله وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله ! قال: فننظر وتنظرون ! ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة وأنزله داراً " 
وذُكر أن عليا عليه السلام احتج على عثمان فقال له: إن عبيد الله بن عمر قتل مولاي الهرمزان بغير حق وأنا وليه الطالب بدمه، سلمه إليّ لأقيده به ! فقال عثمان: بالأمس قتل عُمر وأنا أقتل ابنه أورد علي آل عمر ما لا قوام لهم به. فامتنع من تسليمه إلى علي عليه السلام شفقة منه بزعمه على آل عُمر. فلما رجع الأمر إلى علي هرب منه عبيد الله بن عُمر إلى الشام فصار مع معاوية، وحضر يوم صفين مع معاوية محارباً لأمير المؤمنين عليه السلام فقتل

مات عُمر بعد ثلاثة أيام من ساعة طعنه، ودخل عليه الإمام علي عليه السلام وهو مسجى بالثوب فقال: "إني لأرجو أن ألقى الله تعالى بصحيفة هذا المسجى"  . وعني بالصحيفة ما تعاقد عليه عُمر مع أربعة آخرين ، حيث قال لطلحة يوما ﴿يا طلحة أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إليّ من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا

على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع "إنْ قتل الله محمدا أو مات أن يتوازروا و يتظاهروا عليّ فلا أصل إلى الخلافة" . وعن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه "ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة من هذا المسجى" فقال: عنى بها الصحيفة التي كتبت في الكعبة .

- البحار ج31 /119 -120. راجع المصباح ، الكفعمي ص677 .
- تاريخ الطبري 2/ 407.
- بحار الانوار 30/276
- الهداية الكبرى ، الحسين بن حمدان الخصيبي 162 . انظر : بحار الأنوار ، العلامة المجلسي 30 / 276 . مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي 9 /213 . مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني 2/ 44 – 243. مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام 70 - 79 . مجمع النورين، الشيخ أبو الحسن المرندي ص 221 .
- بحار الأنوار ج31 /119. راجع: البحار ج31 /120 ـ 132 و 20 /332 و95 /351 ـ 355 و 95 /355 و31/120 ـ 132. مستدرك الوسائل، النوري الطبرسي 1/155 .
- مستدرك سفينة البحار ، الشيخ علي النمازي 9 /214
- منهاج الكرامة ، العلامة الحلي 14
- ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة 6/234
- الاستيعاب، ابن عبد البر 2 /421 ، والأغاني ، الاصفهاني 9 / 155 .
- سفينة البحار 7 /560 . رياض العلماء ،ابن حنبل 5 /507
- النمازي مستدرك سفينة البحار 9 / 214
- الثقات ، ابن حبان 7/6. انظر : مشاهير علماء الأمصار215:
- مستدرك سفينة البحار ، الشيخ علي النمازي 9 / 214
- التمهيد ، ابن عبد البر5/18
- مستدرك سفينة البحار ، الشيخ علي النمازي 9 /214
- عقد الدرر ، يوسف السلمي 80 -81
- مجمع الزوائد. الهيثمي (9/76):. المغني ، إبن قدامة 9/315
- مجمع الزوائد للهيثمي (9/76):
- صحيح البخاري 12/466
- صحيح البخاري 12/466
- مجمع الزوائد، الهيثمي (9/76):
- تاريخ دمشق ، ابن عساكر (44/411):. مسند أحمد (5/116): 2731 –
- روضة المُحدثين، عبد القادر الانؤوط 12/309
- صحيح البخاري 12/466
- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (15/331): 6905 – . أسد الغابة، ابن الاثير 1/831. جامع الأحاديث ، السيوطي (28/61).
- الجمع بين الصحيحين، يحي اليحي 1/49
- روضة المُحدثين 12/309 : 5809 . انظر : تاريخ دمشق 44/410. اسد الغابة 4/76 . الطبقات الكبري 3/341 . تاريخ المدينة 3/896 . الطبقات الكبري 3/341 . المطالب ، الحافظ 4 / 46 . حلية الاولياء ، ابو نعيم 4/151 . فتح الباري 7/49
- الجمع بين الصحيحين ، يحي اليحي 1/49
- البداية والنهاية، ابن كثير 8/50. سير اعلام النبلاء ، الذهبي 3/21. ابن عساكر ، تاريخ دمشق 25/154
- عقد الدرر ، يوسف السلمي ص74
- عقد الدرر ، يوسف السلمي ص74
- الفتوح لابن أعثم م 1 ج2 /326 -327.
- المختصر في أخبار البشر ، أبي الفدا 1/165
- راجع: صحيح البخاري 5 /84 -85 . السنن الكبرى 8 / 47 . تاريخ مدينة دمشق 44 /416 . أسد الغابة4 / 75 . شرح نهج البلاغة ، ابن ابي الحديد 12 /188 . نيل الأوطار، الشوكاني 6 /158
- الفتوح .ابن أعثم م1 ج2 /232-326 -327. المستدرك ،الحاكم:3/91 - فتح الباري، ابن حجر 2 / 237-239. المستدرك 3 / 37 -38
- البداية والنهاية ،ابن كثير 12/ 390
- منهاج السنة النبوية ، ابن تيمية 6/370-371-
- تاريخ المدينة، ابن شبة 3/891
- الدراية ، ابن حجر 2/263
- سنن البيهقي 8 / 61
- بحار الأنوار 3 /373. 7 / 561 . 8 / 331
- المحلى ، ابن حزم 11/114
- سنن البيهقي 8 / 61
- أنساب الأشراف ، البلاذري:6/13
- راجع: الطبري 5/42، الإصابة: 3/619، سنن البيهقي 8/61 . طبقات ابن سعد 5/8 . الكامل في التاريخ 3/32
- تاريخ اليعقوبي 2/163:
- بحار الأنوار3 /373.
- بحار الأنوار 10/ 296 - 297. انظر الشافي ،علم الهدى 171. تلخيص الشافي ،الطوسي 2 /428 . معاني الأخبار ، الصدوق 117.
- كتاب سليم بن قيس154. البحار 28 /96-111.
- بحار الانوار 28 / 117