الحب بصمت !


فضولي هو من زجني إلي مراقبة الوضع ، فقد كنت معهم بتلك الغرفة  الصغيرة ، فالجميع ينتظر دوره لرؤية طبيب العيون ، والجميع لايأبه بالتلفاز العالي الذي أتعب رقبتي .. كانا زوجان أو جوزان باللهجة الشامية ( زوج وزوجة ) ، جوز من ناحية اليمين وجوز جلوساً أمامي . 

 لكن الفارق إن الجوز الذي امامي ومنذ جلوسي وهما يتخاطبان بلغة الإشارة ( الصم والبكم ) ، ويتوسطهما صبي في العاشرة من عمره ( على ما أضن ) ، وكان يشاركهما أحياناً بالإشارة ! .. أما جوزان اليمين فلم ينبتا ببنت شفة ( صمت حزين ) .

  فقط اللعب بجواليهما الفارهين ( بلاك بيري ) بشهادة الصبي الثرثار الجالس أمامي ، والذي لم يترك صغيرة ولاكبيرة إلا وعلق عليها .. فقد كان ( الصبي ) خبيراً في كل شئ ، إذ عرف حتى سعر الجوالين وماهي الماركة ! وكما يقول إخوتنا المصريون ( ولد مبلتع ) ، وأنا أجزم إن جواليهما من النوع الذي لم ولن أنوي إمتلاكه .. بعدها وقف الصبي أمامي وسألني إن كان جوالي شبيه لما لديهما ، فخفت أن يرى جوالي الرخيص ويفضحني  !

المهم إن أهل الصبي  أثارا حفيظتي بثرثرتهما بالتأشير ، حيث لم تـتوقف عيناي من مراقبة أصابعهما ! أما جوز اليمين فما زالا يلتزمان الصمت  واللعب أو العبث بالجوال ..  بعد كل عشر دقائق تقريباً ، تأتي إشارة من الأبوين للصبي  فيسأل الممرضة ( هل حان دورنا ؟ ) ، ثم يعاود الأبوان الثرثرة بالإشارة ، وهكذا حتى أنقضت اربعون دقيقة تقريباً ولم أقرأ حتى  ورقة من الكتاب الذي بحوزتي .. حينها تمنيت أني تعلمت لغة الإشارة ، فالفضول ذبحني لمعرفة مايجري بينهما ، ولماذا كل هذه الإشارات التي صدعت برأسي ، وهل كانا يتكلمان عن علاقتهما ؟ أو عن شؤون المنزل ، أو عن موعد المستشفى ؟ أو عن مستقبل إبنيهما ..

 لكن ماهو المغزي من طرحي تلك القصة التي قد أتهم فيها بــ ( اللقافة ) كما نقولها بالخليجية ..

كثير من الزوجات يشكين سكوت أزواجهن ، وكثير منهن يرسلن :  كيف نجعل لسان أزواجنا يعمل كالموتور ؟ مع أن الكثير من الأزواج يدافع عن نفسه بإنه يتكلم في البيت بشكل طبيعي كأي زوج في العالم ، ويحمـّل الزوجة الثرثرة الزائدة وخلق المشاكل !

بعد طرحي للسؤال على العامة ، قال أحدهم ويدعى م. س. : إنه يجزم بأن معظم الأزواج يتكلم مع زوجته منذ دخوله المنزل حتى نومه مابين خمسين إلي مائة وخمسين كلمة فقط ، مثلاً : ماذا تريدين من السوق ، أو أعطيني الريموت ، أو ناوليني الخبز ، أو أين جوالي ، أو هل أتصل بي فلان .. ووو ، حتى أصبحت تلك الجمل تعد على الأصابع ، أو كالأسطوانة المتكررة بكل  بيت وفي كل يوم ، بحيث يستطيع الزوج أن يسجلها ويرقمها ويشغلها متى شاء ، ولاحاجة أن يتعب نفسه .

قال أ.أ : إن الكلام الزائد يضر بالعلاقة مع الزوجة ، لأن في الكلام الطويل زلة لسان ، والزوجة تحب أن تتصيد أخطاء زوجها .. أما الأخت ع . ك . وهي عربية مقيمة ، فتقول : الزوجة تتكلم والزوج يستمع ، فهي تنفس وهو يجامل ، هذه مشيئة الله في الحياة .

أما أم عبدالله الستينية فلها رأي آخر ، فقد هجمت على الزوج هجوماً كاسحاً ، إذ قالت : أنا لن أستحي ، الزوج يتكلم كثيراً إذا أراد مراده ، فيظهر أجمل الكلمات وأعذب الألحان أمام  الزوجة ، وما أن يجد مبتغاه ، يرجع لسانه إلي السؤال عن الخبز وسأشتري ريموت آخر للتلفاز .

عدة أسئلة تبادرت إلي ذهني ، وهي بخوص جوز اليمين ( أصحاب الجوالات ) اليس المفروض إنهما تحدثا ولو قليلاً مع بعضهما كما يفعل كل الناس ؟  وخاصة إنهما خارج البيت !  والأجواء خارج البيت تغير وتكسر الروتين ، وهذا بحد ذاته محفـز للكلام ولطرح مواضيع جديدة ، على الأقل يتحدثان عن ديكور المستشفى ! أو ربما أنا مخطئ وهما متخاصمان مع بعضهما !  لكن ما ذبحني أكثر وجود النقيض أمامي ، وهم الأبكمان ، فلم يتركا ثانية دون حوار وثرثرة بلغة الإشارة !

 أخيراً غادر الزوجان الصامتان ( المتزوجان بجوالين ) بعد أن جاء دورهما لرؤية الطبيب ، فتشجعت أنا ، وبقوة فضولية  سألت الصبي : هل هما البابا والماما ؟ ، وإذا بالأب يقاطع سؤالي بصوت مرتفع ! :  نعم أنا أبوه وهذه أمه ! 

روائي وباحث اجتماعي