بطيخة نيوتن !

 

جابت شهرة العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن أقطاب الأرض كشهرة ثمرة التفاح نفسها التي سقطت على أم رأسه ، هكذا كانت مقدمة الكتيب الذي قرأته وأنا صغير عن هذا الإنسان المفكر بالمكتبة المدرسية ، بعد الإنتهاء من القراءة راودتني أفكار غريبة قبل ولوجي غياهب النوم ، فكيف أستطاع إنسان خديج الولادة ويتيم الأب ، وقد هجرته أمه ليعيش مع جدته بعد أن تزوجت بآخر ، ورحل عنا قبل أقل من ثلاثة قرون فقط من أن يصبح من أشهر علماء الأرض ، حيث أستفادت البشرية من علومه في الرياضيات والفلك والكيمياء والفسلفة .

 فنيوتن إنسان عادي وإبن مزارع بريطاني ، وقد ولد بعد وفاة أبيه بثلاثة أشهر عام 1636 م ، وتعلم كأي طفل بالمدرسة حتى أخرجته أمه لحاجتها إليه ، وزجته بحياة صعبة مع زوج شرس المعاملة ، إذ لم يبالي زوجها كون نيوتن يحضّر دروسه أو لا ! فقط يتأمر عليه كخادم بالبيت نهاراً ويربت ظهره قبل النوم ليلاً ! ، حتى طلب أستاذه من أمه إرجاعه إلي المدرسة .. نيوتن أخي القارئ الكريم الذي أشتهر بقصة التفاحة ، كان بسن الثلاثة والعشرين عندما سقطت على رأسه بحديقته أمه ، وبعد مضي عشرون عاماً على الحادثة ، وفي زيارة لأمه ، تفاجأ بشجرة التفاح أمامه ! فبدأ عقله بالتفكير ومن ثم التدبير بوضع نظريات عن الجاذبية وقوة الطرد المركزية ، وموقع القمر في مداره والحسابات الرقمية والكثير من النظريات التي لا يبخصها عقلي الصغير.

المهم لنعود لأفكاري الغريبة في ذلك الوقت ، فقد تذكرت قبل نومي ، إن الأخبار القديمة حكت لنا كيف أكل أبي آدم وأمي حواء من شجرة التفاح بإغواء من إبليس الرجيم ، وتخيلت كيف إن جنة الفردوس مليئة بأشجار التفاح بمعلومة مساحتها من القرآن الكريم ( وجنة عرضها السماوات والأرض ) ، فتبلورت حينها بعقلي كومة من الأفكار من هذه وتلك ونزلت بقمع التفكير، بإمطار وابل من تفاح الجنة على رؤوس أهل الأرض لعلهم يفكرون وفي أمورهم يتدبرون ، وليعيد الإنسان حساباته مع نفسه ومع من حوله ، ولماذا يكره ولماذا يحب ، وماهو مصيره من نزعتي الخير والشر .

 في إحدى القنوات العربية أيام طفولتي يسأل الفيلسوف مصطفى محمود رحمه الله المشاهدين عن نيوتن باللهجة المصرية : التفاحة هي اللي شغلت مخ نيوتن ولا كان هو شغال من أصلوا ؟ يعني نظرية خبط الراس مشان يفكر صحيحة !  وهل كان مخ نيوتن يحتاج عشرين سنة يفكر بعد وجع التفاحة ؟ طيب باقي الناس حتفكر لو سقط عليها تفاح أو إيه ؟ وياليت عمو نيوتن قال لنا لون التفاحة حمرا أو صفرا ، وعلى فكرة فيه ناس ما يفكروش حتى لو سقط على روسهم بطيخ العالم كلو )

اليوم أنا في رشد من عقلي وفي بحبوحة من تدبير شؤوني .. هنا أجد نفسي حائراً كوني من سكان الأرض .. ألم يكن نيوتن إنسان مثلنا يأكل الطعام  ويتنفس الهواء ؟ هل كان من سكان المريخ ؟ فهو ليس بنبي !! المؤرخون قالوا إنه ظل يفكر منذ سقوط التفاحة وحتى آخر لحظة في حياته ، وعلى ذكر التفكير إليكم بعض أفكاره ، فقد ذكر في أحدى مقالاته : ( كيف لهذا الكون الكبير والمليئ بالكواكب أن يدار بثالوث مقـدس ، فلا بد للكون من خالق يديره . وقال لمن سأله كيف أصبحت اسحاق نيوتن ، فأجابه : لا أعرف كيف أبدو في أعين العالم، ولكن بالنسبة لنفسي فأني أبدو فقط مثل طفل يلعب على شاطئ البحر مسليًا نفسه من حين لآخر بالبحث عن حصاة أنعم أو صدفة أجمل من المعتاد بينما انظر أمامي فأجد أن محيط الحقيقة العظيم لم يكتشف حتى الآن .

بعد موت نيوتن أمرت إدارة المدارس الملكية البريطانية بإقتلاع شجرة نيوتن وغرسها بحديقة كلية كامبريدج ، إذ فكر المدير أن الشجرة ستحث الطلبة على المذاكرة بتذكيرهم بزميلهم وبإبن جلدتهم ، أو لعل تفاحة ستسقط منها على رأس أحد الطلبة فتلد نيوتن جديد .. وتوارثت إدارة المدرسة زرع جيل بعد آخر من تلك الشجرة حتى يومنا هذا ، وقد ذكر نيوتن في مخطوط كتبه عام 1704 أن العالم لن ينتهي قبل عام  2060 وقال : (  إن ما ذكرته ليس الهدف منه تأكيد الموعد الذي سوف ينتهي فيه العالم ولكن لأوقف التخمين المتهور للرجال الخياليين الذين دائمًا ما يتوقعون موعد نهاية العالم وبقيامي بذلك أتمكن من التشكيك في النبؤات المقدسة حيث تخفق في الغالب توقعاتهم ) .. وللمعلومية ، وقبل أن أشرع في كتابة هذا المقال ، وضعت تفاحة حمراء أمامي كي أستلهم منها الفكرة وأعيش معها جو نيوتن ولو باليسير ، وبعد إنتهائي ، أكلتها كجائزة 

روائي وباحث اجتماعي