الانتخابات البلدية وجدلية المشاركة أو المقاطعة؟!

 

  وفي كل الأحوال مهما كانت الأسباب والدوافع يجب أن لا يكون ذلك مدعاة للإحباط والعزوف عن المشاركة السياسية. فالإصرار والاستمرارية مع ما يرافقها من تعثرات هو بحد ذاته يصنع التحدي لتجاوز العقبات وتصحيح مسيرة العملية الإنتخابية في المستقبل ، ويدعو الجهات المعنية إلى إعادة النظر والأخذ بالحسبان مشاركة كافة أبناء الوطن بما فيهم المرأة ويحتم عليهم الإلتزام بكافة المعايير الأساسية الخاصة بالإنتخابات.

 وهنا لابد من الإشارة إلى عدة توصيات ومرتكزات مغيبة عنا أهمها :

1-   أهمية العمل على تعزيز التجربة وتأصيلها بمشاركة أكثر المواطنين في هذه الدورة ، وتأصيلا للقرار السامي في إشراك المواطنين في صناعة القرار المرتبط بحياتهم اليومية، بإعطاء دورا أكبر في تحديد أولويات المشاريع وتوضيح آلية عمل المجالس البلدية وصلاحيتها بما يتناسب مع عجلة التنمية وبما يتوافق مع تطلعات المواطنين هذا من جهة. ومن جهة أخرى تنبع أهمية التواصل والمتابعة بين اللجان الأهلية وبين الأعضاء ( المرشحين الجدد من يمثلون صوت الناس في المجالس البلدية ) لإبراز الإنجازات وعرض الآراء والمقترحات ، والمساهمة في معالجة المشاكل والتحديات .

2-  " الشعب  هو مصدر السلطات " والإنتخابات هي وسيلة لحرية إختيار الأفراد في إدارة الشؤون العامة للبلاد ، حيث يمارسها الشعب في جو من الإستقرار ومناخ مناسب من توافر الأمن في تحريك الحريات الديمقراطية وأعلى هرمها ، حرية الرأي والتعبير والإعلام وبدون إستثناء أو تمييز ، بناءا على نصوص المعاهدات  والمواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة ، واليوم ليس كما الأمس فالأحداث والأمور الداخلية في الدول والمجتمعات تحت ظل التقنية الحديثة لم تعد خافية على وسائل الإعلام العالمية والدولية أو المنظمات الحقوقية غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني كما كان الحال في السابق ، بالإضافة إلى أن هناك إتفاقات عالمية  وإلتزامات دولية تفرض نفسها على الساحة ، وقد إلتزمت بها الدول والحكومات وبالتالي فإن هذا الإلتزام يخضعها بالطبع للرقابة الدولية وللجنة المعنية في مجلس حقوق الإنسان ، ومن ثم يخضعها لرقابة الرأي العام العالمي وهذا جدير بالاهتمام .

3- محاكاة الخطاب الدولي والعالمي  في هذا العصر، لا تقاس بالقوة وحجم الثروة المتوفرة، بل تقاس بالمنطق الديمقراطي في ماهية الإنتخابات ونسبة المشاركة فيها والمعايير التي تم الإلتزام بها وموائمتها لحقوق الإنسان وما شابه ذلك. لذلك نلحظ أهمية ما تدلي به تقارير منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية حول الإنتخابات وحقيقة ما يجري فيها وكيفية التعامل معها .

  ما أود التنبيه له، أن هناك خطأ كبيرا يقع فيه الإنهزاميون والمحبّطون بمجتمعنا السعودي بكل مناطقه، من خلال قبوعهم في البيوت والمنازل خلال هذه الفترة، بحجة أن لا قيمة للتصويت وأن الأصوات غير مأخوذة بالحسبان أو أنهم يعلنون موقفا إحتجاجيا إنفعاليا بمقاطعة هذه الإنتخابات، بينما هي الأساس في التطوير السياسي لدى المجتمعات ، والمشاركة فيها تعتبر مؤشراعلى الوعي و الصمود في إثبات جاهزية المجتمع و قابليته لأي تقدم فلا ندع الفرصة تفوت " فضياع الفرصة غصة " و" عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة " ، و كذلك عدم ترك الساحة فارغة للإنتهازيين و المتسلطين ليعثوا فيها فسادا و إفسادا لمستقبل المواطنين و مصالحهم.

   على هذا الأساس أهيب بكل الشباب من أبناء وطني إلى عدم التراجع خاصة من  أكملوا السن القانوني  21 سنة لتقييد أسمائهم في جداول الإنتخابات وسجلّاتها، وليذهب بعدها كل صاحب بطاقة إنتخابية أو حق تصويت للإدلاء بصوته في دائرته الإنتخابية ، مع إصرار كل مواطن على ملئ بطاقته بنفسه وفرض صوته الحر على اللجنة الإنتخابية ، كما أدعو إلى أن يكون المرشحّين من فئة الشباب نفسها ففيهم تجتمع كل المؤهلات ، والكفاءات والقدرات ، الشباب السعودي ليس قاصرا فهو العزم وهو الهمة ، وهو المستقبل والأمل الواعد للغد المشرق المليئ بالحريات و التنمية و التمدن.

ختاما : تقاس حركة التطوّر والتغيير في المجتمعات بالحراك أيا كان نوعه:  سياسيا، ثقافيا إقتصاديا، إجتماعيا ، كما ترتقي الشعوب و الدول في إستحقاقاتها عبر التجارب والتراكمات وإقرار الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية...إذن الإنتخابات البلدية المقبلة هي إستحقاق إستراتيجي في المملكة العربية السعودية بشتى تنوعاتها، عبر التواصل و التكاتف من خلال التنافس الانتخابي النزيه من أجل وطن متقدم وتنمية مستدامة، حيث أننا كسعوديين مؤمنين بالإصلاح و التطوير و المواكبة للاستراتيجيات التنموية العالمية، يبقى علينا جميعا النضال و التنافس النزيه  مع العمل الدوؤب فيما يعزز سيادة القانون و يحقق التنمية الإجتماعية و السياسية...

بكلمة: إن المقاطعة في العمق هي مشاركة لكنها صفرية عديمة ، بل العكس تحسب ضد خيار الإصلاح المطلوب ، بينما المشاركة بجدارة و حكمة هي شوكة في حلق كل طفيلي سياسي ، و ما المقاطعة في المرحلة الراهنة سوى تضخيم لسيكولوجية المتغطرس السياسي، فتعالوا إلى كلمة الإصلاح ... و اللبيب يالإشارة يفهم .

كاتبة وباحثة سعودية «صفوى».